رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل نحن أُمة أم غُمَّة؟


عشرات الدروس مرت علينا عبر القرون وأمتنا هى هى، لم تتعلم من دروس التاريخ، وظلت واقفة عند «كنا وكانوا» إلا أنها لم تر «صرنا وصاروا» والأمة التى لا تأخذ من ماضيها قنديلا من المعرفة والحضارة والرقى يفتح لها طريق المستقبل، هى أمة لا مستقبل لها، والأمة الغافلة عن المخاطر التى تهددها هى أمة لا بقاء لها، ودعك مؤقتا من تاريخ الاستعمار مع أمتنا، وكيف أنهم فرضوا أنفسهم علينا بالقوة والسلاح واستلبوا ثرواتنا وسامونا سوء العذاب والتجهيل والتفقير حتى نصبح أمة عاطلة خارجة من السياق الحضارى، ولكن مد بصرك فقط إلى تلك الأيام القريبة لتعرف مدى حجم المؤامرة علينا، يكفى أن تمعن التفكير فى تلك التصريحات التى أدلت بها وزيرة الخارجية الأمريكية فى عهد بوش، والتى تحدثت فيها عن شرق أوسط جديد وفوضى خلاقة، وقتها استقبل بعضنا هذه التصريحات ببرود، وتحذلق البعض وتعالم البعض، إلا أن أحدا لم يترجم تلك التصريحات سياسيا.



وبالتالى لم يقم أحد بإعداد استراتيجيات تواجه مخطط «تقسيم الشرق الأوسط جغرافيًا عن طريق خلق حالات فوضى ترتدى قميص الثورات»، أما كيف يتم التقسيم والأمة كلها تؤمن بالقومية العربية التى تميل للوحدة لا للتفتيت؟ لا يكون ذلك إلا عن طريق إثارة النعرات الطائفية وتقوية حركات «الإسلام السياسى» هذا هو الطريق الوحيد الذى يمكن أن يثير البغضاء فى النفوس، فمن خلف ظهر أمتنا تظهر تلك الحركات التى ترفع راية التكفير فى مواجهة مجتمع عاش عمره متآلفا، والتكفير يجر وراءه جيوش الجهاد التى تريد أن تنتصر للدين من أولئك الذين يحاربون الدين! والجهاد لا سبيل له إلا بإعمال السيوف فى الرقاب، ومع كل رأس يطير صبى أحمق غرير يهتف «الله أكبر»! ولكن كيف تكون البداية؟.

لم تجهد أمريكا نفسها فى إخفاء خططها، ولماذا تخفى خططها وهى تتآمر على أمة لا تقرأ، وإذا قرأت لا تهتم، وكأن هذه المؤامرة موجهة لأمة أخرى لا شأن لنا بها، بل إن هذا المخطط بتفصيلاته سبق أن كتبه فى غضون عام 1975 كبار الساسة والاستراتيجيين فى أمريكا فى مجلدات أطلقوا عليها «رؤية أمريكا للمستقبل» وكان اللعب بالورقة الدينية هو السلاح الذى رأت أمريكا أن تستخدمه، وقد أشرف على وضع ذلك المخطط السيد «بريجنسكى»، مستشار الأمن القومى الأمريكى وقتها، وكانت أنبوبة الاختبار الأولى لهذا المخطط هو زرع دولة شيعية فى إيران العلمانية، ثم إجهاد أكبر قوتين فى المنطقة وهما إيران والعراق فى حرب لا طائل من ورائها، لا طائل لنا نحن طبعًا، ثم أصبح من السهل بعد ذلك وضع جزرة الكويت أمام العراق لتنقض عليها، متخيلة أن الدنيا قد أقبلت عليها، فى حين أن هذه الجزرة كانت مصيدة لاصطياد العراق الساذج، وبلا مبالاة التهمت أمريكا الفريسة الساذجة وقضت على قوة جيشها ثم وضعتها فى حرب أهلية، حتى أصبحت العراق هيكلا عظميا لدولة يتقاسمها الشيعة والسنة ويشرف على عب ثرواتها الكاوبوى الأمريكى المتغطرس.

وبعد أن ظن الأمريكيون أن خطتهم تسير على ما يرام استداروا ناحية سوريا، وفى الخفاء قاموا بتقوية إيران لتقوم بدور فاعل فى تخويف دول الخليج لتظل تلك الدول فى أشد الحاجة لشرطى العالم الأكبر، العم سام، القادر وحده على كبح جماح إيران، ومع ذلك كله تضمن إسرائيل الحياة اللذيذة بعيدا عن أى تهديد حقيقى، ولا يغرك حماس، فما هى إلا ورقة من أوراق المخابرات الأمريكية فى المنطقة، وبهذه الورقة ستقوم أمريكا بتهديد أمن مصر فى الوقت الذى تستلزمه قواعد اللعبة، المهم أن تحصل أمريكا على أوراق رابحة فى كل بلد من بلدان المنطقة حتى تستطيع من خلال هذه الأوراق قسمة البلد الواحد إلى عدة دويلات، وجعل هذه الدويلات تحت السيطرة التامة، ثم كان الدفع بالإخوان ليكونوا عنصرا فاعلا فى تنفيذ المخطط الأمريكى، وبحكم الإخوان فى السودان يتم تقسيم السودان إلى دويلة فى الشمال ودويلة فى الجنوب، ثم تقوم ثورات الربيع التى تؤججها قوى مشبوهة متحالفة سرا مع تنظيم الإخوان.

ثم تتحول جماعة الإخوان إلى أكبر لص سارق للثورات عبر التاريخ، ومن خلالها يتم تجميع كل التكفيريين فى العالم لإنشاء جيش أطلقوا عليه «الجيش السورى الحر» ليفعل بسوريا الدولة الأفاعيل، بحجة أن بشار الأسد ديكتاتور! ويا لها من حجة لا تنطلى على ساذج أبله، ألكى نقضى على ديكتاتور نسقط دولة بأكملها ونحطم كل مقدراتها! ومن بعد ذلك استدارت أمريكا بأداتها الإخوانية إلى مصر فأوصلتهم للحكم، وحين فشل مخطط بقائهم بسبب ثورة الشعب عليهم أخذوا يدبرون المؤامرات لتحطيم الدولة المصرية بحجة لا تنطلى على ساذج أبله، هى حجة استعادة الشرعية التى أسقطها الشعب وحتى لو فرض جدلا وكانت لهم شرعية، أمن أجلها يتم إسقاط الدولة بأكملها فلا تكون هناك دولة تعطى شرعية لأحد! وعندما تيقنت أمريكا من استحالة عودة الإخوان لحكم مصر أخرجت من جرابها ورقة أخرى كانت مدخرة للاحتياط هى ورقة «داعش» وبها سيتم بث الرعب فى دول المنطقة، وبمسرحية ساذجة تزعم أمريكا أنها تريد القضاء على داعش! وهى ربيبتها، ولكن لهذا الزعم فوائده وغنائمه!.

كل ذلك والصياد الأمريكى، ذلك الكاوبوى الذى تعود على أن يمتطى صهوة حصانه ليجرى وراء فريسته، يظن أنه قادر على تقسيم مصر إلى دويلة إسلامية سنية، تواجه دولة مصرية علمانية، ولا مانع من دولة نوبية، وأخرى قبطية، وهكذا دواليك، وفى كل ذلك تقف جماعة الإخوان كأداة طيعة فى اليد الأمريكية، يساعدها فى ذلك بعض المبعوثين الأمريكيين الذين ظهروا أمامنا بعد ثورة يناير فى صورة مصرية مزيفة مثل البرادعى وعمرو حمزاوى وحسن نافعة ووائل غنيم وسيف عبدالفتاح وغيرهم، ولأن الشعب المصرى كان أشد فراسة من نخبه الضائعة، وأحد ذكاءً من ساسته، فقد استطاع إسقاط الكاوبوى من فوق فرسه، والآن يقوم الرئيس المصرى بزيارة أمريكا فهل سيختلف ترامب عن سلفه؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.