رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: النيل بيجري ولا ما بيجريش؟


الفارق أسبوع واحد فقط.. لكن شتان ما كان وما يجرى الآن.. أسبوع واحد فقط يتحول فيه سطح النيل من مياه عفنة راكدة.. إلى فيضان من عمل ومحبة ونور وأمل.. إزاى ده حصل.. إيه اللى جرى؟!.. أعيد الحكاية من أولها.


كُنت قد أشرت منذ أسبوع فى نفس هذه الصفحة إلى قصة مجموعة من الأطباء المهرة، الذين مازالت فى قلوبهم صفات الأطباء.. اجتهدوا.. خارج أسوار عياداتهم ومعاملهم.. وسعوا إلى إنشاء أول مركز من نوعه لعلاج تشوهات الوجه والرأس فى جامعة سوهاج.. لا أذكر الأسماء تفصيلًا، لكن منهم د. سامية.. د. كرم.. د. شريف.. وجاءوا بخبرات عالمية فى هذا المجال المُعقد.. وحلموا ببناء هذا المركز الذى لا يوجد له مثيل فى الوطن العربى كله.. ولا فى الشرق الأوسط.. سوى فى إسرائيل.. وشرحنا كيف أن التراخيص التى حصلوا عليها قاربت على الانتهاء دون أن تبدأ مؤسسة «مصر الخير» التى وقعت معهم عقد بناء المستشفى.. مما سمح لبعض أصحاب النفوس الضعيفة بالتفكير فى سحب الأرض وإنشاء «حمام سباحة» لأعضاء هيئة التدريس.. وأطفال مصر الذين ولدوا بـ«عيوب خلقية» عددهم يفوق الـ١٢٠ ألف حالة.. تضاف إليها سبعة آلاف حالة سنويًا.. يروحوا النار؟!.. مش مهم.. المهم «البلبطة»!

عقب نشر مقال الأسبوع الماضى.. أرسلت مؤسسة «مصر الخير» إلى جامعة سوهاج تخطرها باستعداد المؤسسة لبدء الحفر فورًا.. وتطلب إزالة أى إشغالات على الأرض.. واستخراج التصاريح اللازمة لدخول معدات الحفر.. وهاتفنى الأعزاء من أطباء سوهاج فرحين بأن مبادرة «الدستور» فى طريقها إلى التنفيذ، وأبلغونى بأن عددًا كبيرًا من المسئولين والأطباء العالميين، وربما شيخ الأزهر، وعددًا من الشخصيات العامة سيتوافدون إلى سوهاج الأسبوع المقبل.. بالتحديد صباح يوم الأحد التاسع من أبريل، للمشاركة فى مؤتمر علمى يقيمه «المركز».. على مدار أربعة أيام.. وإجراء عدد من الجراحات المعقدة على يد مجموعة من أكبر خبراء العالم فى جراحات التجميل.. وأيضًا وضع حجر أساس المركز الذى طال انتظاره سنوات ست.

فى اللحظة ذاتها كان الصديق الشاعر رجل الأعمال السوهاجى حمدى الجعفرى يهاتفنى مبديًا استعداده لتبنى حملة «الدستور» لدعم المركز.. وأن معداته جاهزة للمشاركة فى الحفر.. بل إنه أعلن أيضًا استعداده الكامل لإتمام عملية الحفر بكاملها.. ردًا لجميل بلده.. وإيمانًا منه بأن «اليد الواحدة لا تصفق».. وأنه وكثيرين على استعداد للمساهمة.. طالما أنهم يلتمسون الصدق فى نوايا من هم مثل أصحاب هذا المشروع، الذى يحتاجه أطفالنا فى كل شبر فى مصر، وليس فى الصعيد فقط.

ساعات وكان زميلى محمود عبدالعال، مراسل «الدستور» فى سوهاج، يلتقى حمدى الجعفرى، والدكتور كرم علام وعددًا من أساتذة الأطفال؛ لمعاينة موقع الأرض.. وفى اليوم التالى كان الدكتور صفا محمود، القائم بأعمال رئيس الجامعة، فى اجتماع مهم لمنح الأساتذة الموافقة على البدء فى العمل.. ثم جاءت لجنة هندسية لتسليم الأرض.

فى ٤٨ ساعة.. تغيرت أشياء كثيرة.. تواصل معى زملاء أعزاء من أبناء سوهاج، لتقديم الدعم الإعلامى وغير الإعلامى.. وبدأت العجلة تدور.

محافظ سوهاج الدكتور أيمن عبدالمنعم.. فى مقدمة المتحمسين للمشروع، وأعتقد أنه سيدفع بكل قوته ليصبح الحلم واقعًا ملموسًا فى اليد.

وأزعم أن الدكتور على جمعة، لو عرف التفاصيل، سيكون أول الداعمين بعيدًا عن الروتين السخيف، والرؤية القاصرة التى تسيطر على موظفين، ينتمون إلى مؤسسته ويعتبرون الذهاب إلى الصعيد رحلة إلى جهنم، وهو الأمر ذاته الذى أنتظره من د. هشام الشريف، وزير التنمية المحلية.

ما حدث يضع سؤال فؤاد حداد العبقرى، الذى ظل يطاردنى فى الأيام الفائتة، فى سلة الغياب.. «النيل بيجرى ولا ما بيجريش».. النيل بيجرى يا عم فؤاد.. ولن يستطيع أحد مجابهة فيضانه وخيره.. لا سد.. ولا حد.. أى حد يا عم فؤاد.