رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليست هكذا القرارات يا قمة عمّان


لا أظن أننا كنا نتوقع الكثير من مؤتمر قمة عمّان وقد سبق أن أوضحنا ذلك، وربما قلنا إن تكرار ما صدر من قرارات سابقة يعنى الاعتراف بالفشل فى معالجة القضايا السابقة والتصميم على تكرار الأخطاء السابقة، كما أنه تعبير عن الاعتراف بالعجز عن القيام بأى جهد حقيقى، ولم يخيب المؤتمر توقعنا، فقام بما حذرنا منه، رغم الاعتراف بأن الحضور الكبير نسبيًا للقادة العرب يشير إلى أن البعض قد أدرك أنه ليس من المناسب أن يتأخر عن الاجتماع وأن ذلك يمثل حدًا أدنى يجب أن يلتزم به.

كذلك أثبت القادة من ملوك ورؤساء وأمراء أنهم قادرون على الاجتماع رغم الاختلافات الكبيرة بينهم، ولكن الأهم والأخطر فى الوقت نفسه أنهم قادرون على تجاهل الخلافات والمشكلات بينهم، وهكذا بقيت الأمور على ما كانت عليه تقريبًا مع تغيير فى واجهة الصورة، حيث تزينت الصحف بصور المقابلات بين القادة، خاصة القيادات التى بين بلادها خلافات، وإن كان ملك المملكة المغربية قد شذ عن الصف وتغيب عن الحضور ودون إعلان لسبب التخلف.

ربما من الواجب الاعتراف بنقطة إيجابية هى أقرب إلى القرار السلبى منها إلى القرار بعدم الانسياق وراء الدعوات بإصدار قرار ضد إيران، وهو ما برز فى تصريحات بعض وزراء الخارجية قبل اجتماع القمة، كما برز فى كلمات بعض القادة فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وكان كفيلًا بإحداث انشقاق داخل المؤتمر وبذلك تفادى المؤتمر أن ينفجر من الداخل. فى المقابل لم يأت ذكر تركيا ودورها فى الأزمات فى سوريا والعراق ولم يطالبها بالانسحاب من الأراضى العربية وهو أقل ما كان يجب الدعوة إليه.

أهم ما تميز به إعلان عمّان هو غياب القرار عن الإعلان، فالإعلان يشتمل على استمرار العمل والتشديد على ضمان معالجة وتوفير الأمن، ورفض الخطوات والإجراءات الإسرائيلية وتثمين الجهود التى تقوم بها المملكة الأردنية الهاشمية، والمطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس ومطالبة دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ولا يحدد دور العرب.

جاءت الفقرة الخاصة بسوريا بالتشديد على إيجاد حل سلمى ينهى الأزمة السورية وبما يحقق طموحات الشعب السورى، دون أن يحدد من المسئول عن إيجاد الحل ولم يحدد التزامًا من الدول الأعضاء يوجد هذا الحل أو يساعد عليه. كذلك اشتمل على تكليف مجلس الجامعة على المستوى الوزارى ببحث وضع آلية لمساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين السوريين ولا أظن أن الأمر كان بحاجة إلى تكليف المجلس، حيث كان يجب عليه أن يقوم بالبحث دون انتظار للتكليف.

اشتملت الفقرة الخاصة بالعراق على التأكيد فى نفس السياق على أمنه واستقراراه وتماسكه ووحدة أراضيه والتشديد على دعمه المطلق فى القضاء على العصابات الإرهابية، ولم يوضح الإعلان كيفية الدعم ولا من سيساعده على تحقيق أمنه واستقراره، ولم يوضح كيف أن المؤتمر سيؤيد الجهود لإعادة الأمن والأمان للعراق ولا من سيقوم بالعملية السياسية المذكورة فى البيان.

لم يخرج الإعلان عند الحديث عن اليمن عن أسلوبه الغامض، حيث يتحدث عن مساندة جهود التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن وإن كان اهتم بالتأكيد على أسس إنهاء الأزمة اليمنية، ولا أدرى قيمة أن يثمن المؤتمر مبادرات إعادة الإعمار التى تساعد الشعب اليمنى الشقيق فى إعادة البناء، فى حين أن أحدًا من المؤتمرين لم يلتزم بشىء فى إعادة بناء اليمن. أما بالنسبة لليبيا فظل المؤتمر يشدد على ضرورة تحقيق الاستقرار من خلال مصالحة وطنية ترتكز على اتفاق الصخيرات ووحدة ليبيا وتماسكها المجتمعى، كما أكد دعمه لجهود دول جوار ليبيا لتحقيق المصالحة ولم يوضح الزعماء كيف سيدعمون هذه الجهود ولا كيف سينعكس التشديد على دعم المؤسسات الشرعية الليبية وتأييد الحوار على القضية ولا ما سيقدمه القادة إضافة إلى ما هو قائم، أما تأكيد الوقوف مع الأشقاء الليبيين فى جهودهم لدحر العصابات الإرهابية فلا ندرى من سيقف ولا كيف سيقف، خاصة أن أحدًا لم يتطوع بذكر ذلك.

جاء الجزء الخاص بالإرهاب مخالفًا للواقع، حيث تحدث عن تكريس جميع الإمكانيات للقضاء على العصابات الإرهابية وهزيمة الإرهابيين فى جميع ميادين المواجهات العسكرية والأمنية والفكرية، فى حين أن دولًا مشاركة فى المؤتمر تدعم الإرهاب والإرهابيين فى جميع الميادين عسكريًا وفكريًا وماليًا.

يؤخذ على الإعلان أنه تجاهل الخلافات بين الدول العربية، والاعتراف بالمشكلة هو أولى خطوات حلها، وحل الخلافات هو نقطة الانطلاق للعمل المشترك، أما تجاهلها فيعنى اختفاءها عن الصورة ولكن لا يعنى انتهاءها.