رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلة المزاج.. كيف يدفعك «النكد» إلى جحيم المرض؟

شخص مكتئب ـ ارشيفية
شخص مكتئب ـ ارشيفية

أثبتت الدراسات الحديثة وجود علاقة تبادلية بين الحالة النفسية للأشخاص وحالتهم الجسدية، فهناك أمراض جسدية مزمنة تسبب سوء الحالة النفسية، ويؤدى بعضها للإصابة بأمراض نفسية حقيقية، وعلى الجانب الآخر، هناك أمراض نفسية تؤثر على طبيعة الجسد الإنسانى، وتنعكس فى صورة أعراض جسدية مؤلمة، تؤثر على أداء أجهزة وأعضاء الجسم المختلفة.

وتظهر الأمراض النفسية فى صورة اضطرابات تصيب الجهاز الهضمى، والجهاز الدورى، والقلب، والجلد، بالإضافة إلى الأمراض الروماتيزمية أيضا.

1:الروماتيزم النفسى والمفصلى.. أيهما يصيب الإنسان أولًا؟
يؤدى انعزال المريض النفسى، عادة، إلى قلة النشاط، وزيادة الإحساس بالألم، والميل لقضاء وقت أطول فى الفراش، مما يزيد من ضعف الجهاز العضلى، والإصابة بالالتهابات الروماتيزمية، كما تؤدى الإصابة بهذه الأمراض إلى اضطرار المرضى إلى تقليل الجهد العضلى المبذول، والميل لقلة الحركة، مما يزيد من الانعزال الاجتماعى ويؤدى لمزيد من الاكتئاب والإجهاد النفسى.

وفى هذا السياق، أكدت الدكتورة آمال الجنزورى، أستاذ الروماتيزم والتأهيل بجامعة عين شمس، أن مرض «الروماتيزم»، والتعايش معه، يشكل نوعا من الضغوط النفسية العالية على المرضى، لما يسببه من آلام شديدة فى المفاصل، والعضلات، والعظام، تفوق القدرة الطبيعية على التحمل، وتعيق استمرار الحياة الطبيعية، وتؤدى إلى حالة من الاكتئاب.

وأوضحت «الجنزورى» أن الأمراض العضلية الناجمة عن الاكتئاب تؤثر هى الأخرى على حالة المفاصل، وتصلب الأطراف، والروماتيزم العضلى، وتؤدى إلى مزيد من انعدام القدرة على ممارسة الأعمال الطبيعية. ونصحت «الجنزورى» بضرورة متابعة الأطباء المختصين، والحرص على تهدئة الأعصاب، للمصابين بالأمراض الروماتيزمية، كما نوهت إلى ضرورة متابعة الأطباء النفسيين، للتأكد من حقيقة الإصابة بالأعراض العضلية والمفصلية الناجمة
عن الأمراض النفسية.

2:النفسية تتحكم فى مرضى القلب
لا يعرف كثيرون أن هناك علاقة وثيقة بين أمراض الجهاز الدورى والقلب، وبين الحالة النفسية والمزاجية للمصابين بها، كما يتجاهل كثيرون تأثير هذه الأمراض الخطرة على ممارسة الأشخاص لحياتهم الطبيعية، وإصابتهم بالأعراض المختلفة للأمراض الذهنية.

وأوضح الدكتور شهاب عادل الإتربى، المدرس بقسم القلب بكلية طب عين شمس، أن الحالة النفسية العامل الأساسى، والسبب الخفى، وراء إصابة كثيرين بأمراض القلب، فإصابة المرء بالاكتئاب المزمن تنتج شعورا بالوحدة، والارتباك، والتوتر، والأرق، مما يسبب ضعف عضلة القلب وانسداد الشرايين، فصغار السن أو الطلاب عمومًا يعانون من الإصابة بأعراض القلب الناتجة عن التوتر والقلق، خصوصا خلال فترة الامتحانات، بسبب الضغوط النفسية، والأمر نفسه يحدث بالنسبة لكبار السن.

وأضاف الإتربى أن البعض يتجاهل حقيقة أن التوتر والضغط العصبى يزيدان من إفراز هرمون «الأدرينالين»، بالإضافة إلى زيادة نشاط الجهاز العصبى، وارتفاع الكوليسترول فى الدم، مما يسبب الإصابة بضيق الشرايين، والقصور التاجى.

وبالعكس، تؤدى الإصابة بأمراض ضعف عضلة القلب، وانسداد الشرايين، إلى مشكلات نفسية للمرضى، تتمثل فى تدهور حالتهم النفسية، وعدم استجابتهم للعلاجات الطبية، ورفض أجسادهم التدخلات الجراحية، كما تؤدى لظهور أعراض لتوقف النشاط الاجتماعى، والانعزال، والإصابة بأعراض اكتئابية مزمنة، وقد تؤدى فى بعض الحالات إلى سوء الحالة المرضية والوفاة المبكرة.

3:الجلد.. الأكثر تأثرًا بالحالة المزاجية

من ناحية أخرى، تلعب الحالة النفسية دورا مؤثرا فى الإصابة بأعراض سقوط الشعر وحب الشباب، والتقرحات الجلدية، وأمراض الحساسية الجلدية. وكشفت الدكتورة فادية عبدالجواد على، استشارى الأمراض الجلدية، عن تأثير هذه الحالة المتشابكة بين الحالة النفسية والأمراض الجلدية، على المختصين، مما أدى لظهور فرع طبى يسمى «الأمراض الجلدية النفسية» «psychodermatology»، ويختص بدراسة دائرة «القلق- المرض»، المرتبطة بمرضى هذه النوعية من الأمراض، موضحة أن على الأطباء مراعاة الأبعاد النفسية للمرضى، والتأكد من سلامتهم النفسية قبل الدخول فى العلاجات الطبية، لتأهيلهم النفسى لاستقبال العلاجات المناسبة.

4: الاكتئاب سبب أمراض الجهاز الهضمى.. ونتيجة أيضًا
وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يعد الاكتئاب أشهر الأمراض النفسية التى تؤدى للإصابة بأعراض جسدية غير واضحة الأسباب، فهو مرض العصر، الذى وصل عدد المصابين به عالميا إلى 350 مليون شخص، يعانون من عدم تلقى العلاج أو الاهتمام الكافى.

وأوضح الدكتور طارق محمد يوسف، أستاذ الجهاز الهضمى والكبد بكلية طب عين شمس، أن أمراض الجهاز الهضمى مرتبطة بصورة كبيرة بالحالة النفسية أو «النفس- جسمانية»، لافتًا إلى أن المريض يتأثر بصورة كبيرة بالوضع النفسى الذى يمر به، وتنعكس هذه الحالة على حركة الأمعاء وسير عملية الهضم، مثل أعراض الإصابة بمرض «القولون العصبى».

وأضاف «يوسف» أن المريض قبل تشخيصه بالإصابة بالقولون العصبى يجب التأكد من فحصه من حيث الحالة النفسية، فقد يكون المريض مصابا بمشاكل نفسية، تنعكس آثارها جسديا على صورة أعراض لمرض القولون، وفى هذه الحالة يكون علاجه نفسيًا وليس طبيًا.

على الجانب الآخر، تنعكس الحالة السيئة لأعراض القولون على الوضع النفسى للمريض، فتصيبه بأمراض نفسية سيئة، مثل القلق، والتوتر، والاكتئاب، وقلة النوم، كما تؤثر أيضا على العلاقة الحميمية، مع تسببها فى تزايد أعراض الإصابة بمرض الوسواس القهرى.

وتؤدى أمراض القرحة المعدية، وأورام الجهاز الهضمى، إلى التأثير نفسه على الحالة المزاجية للمصابين بها، وتدفعهم فى اتجاه الإصابة بأعراض انسحابية من المجتمع، وقد تعرض صاحبها للانتحار فى بعض الحالات الحادة.

ونصح الدكتور طارق يوسف، أستاذ الجهاز الهضمى بطب عين شمس، بتوخى الحذر أثناء تشخيص الحالات المرضية للأمراض المعوية، وتحديد الأسباب الحقيقية للمرض والتعرف على الحالة المزاجية والنفسية للمصابين، من أجل التحديد الدقيق لطبيعة العلاقة بين أمراض النفس وأمراض الجسد، وأيهما يسبب الآخر.