رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة تكشف: الترفيه السياسي أداة المخابرات الأمريكية للتلاعب بعقول الشعوب

جون ستيورات و باسم
جون ستيورات و باسم يوسف

برامج الترفيه السياسي التي تعتمد بالأساس على المبالغة والسخرية والنكات من الأخطاء السياسية، تعد من أدوات المخابرات الأمريكية المركزية "سي آي إيه" خلال الحرب الباردة.

وفي دراسة حديثة لـ"تريشيا جنكينز" الأستاذة بجامعة تكساس الأمريكية، أعدتها بعد ثورات الربيع العربي عن لعبة "السي آي إيه" في الترويج لبرامج تليفزيونية وأفلام هوليوودية لبث المفاهيم والتلاعب بالعقول، من خلال أهم وأبرز المنافذ التي يراها ويتأثر بها جميع دول العالم، والتي تدخل بطريقة سهلة وسريعة إلى منازلهم.

ورغم أن الوكالة أنشئت عام 1947، إلا أن الكشف عن أنشطتها خلال تلك المنافذ لم يعرف إلا في التسعينات رغم وجود النشاط منذ بداية نشأتها، والذي بدأ بعملية الترويج للبطل الأمريكي في تلك البرامج والأفلام والأعمال الفنية والتي تهدف بالنهاية إلى التلاعب النفسي داخل ما تسميهم أعداء واشنطن وأن الأمريكان أبطال لا يقهرون.

الوكالة المخابراتية تعمل أيضًا على فرض الرقابة أو تعديل البرامج النصية لتعزيز دورها وما تريد بثه، وربما لمست القليل من المؤلفات تلك العلاقة الغريبة وليس من المستغرب، حيث أن "السي آي إيه" منظمة سرية، ومع ذلك، فإن التحقيق حول دور وكالة الاستخبارات المركزية في الصناعات الترفيهية يكشف أيضًا العلاقة في عصر ما بعد الحرب الباردة والاستراتيجيات التي توضح عمل الوكالة وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.

وفي النهاية فالعلاقة تعتمد في الأساس على القدرة على المساومة الاقتصادية، وخاصة أن معظم من يمتلك الإعلام الأمريكي وشركات إنتاج هوليوود الكبرى والشبكات التلفزيونية الشهيرة من اليهود المتعصبين للكيان الصهيوني وفكرة "فرق تسد" التي استطاعت بها أن تحجم وضع العرب.

ولا تتضمن أعمال الوكالة العمليات المخابراتية أو العسكرية داخل الولايات المتحدة أو خارجها، ولكن لديها أدوات وسياسات للانخراط في الحرب النفسية، بحسب جنكينز. والدراسة الخاصة عن دور "السي آي إيه" من خلال التركيز على الجهود من وراء الكواليس في التأثير على النصوص، والدراسات الثقافية.

ويحلل دوجلاس كلنر أستاذ الفلسفة، رئيس العلوم الاجتماعية بجامعة كولومبيا، الباحث في نقد ثقافة الميديا من خلال بحثه عام 2011، قائلاً: إن "السي آي إيه" تدخل الوسائل الحديثة في الدراسات الثقافية والنصوص البرامجية، وما يمكن وما لا يمكن أن يقال والطريقة التي تؤثر على نوع الجمهور الذي يتفاعل مع النص نفسه.

وبحسب الدراسات فإن "السي آي إيه" تعمل على نطاق أوسع لنقل أيديولوجية من خلال توغلها في صناعة الترفيه لتشكيل التصور العام لتشكيل سمعة ما أو تدنيسها، ولتلميع مؤسسات وأنظمة أو تسقطها، لدرجة تصل إلى إعادة كتابة التاريخ وإدامة الأساطير التي تساعد على السيطرة على المنظمات والأفراد، واستخدام الميديا وبرامج الترفيه والأفلام كوسيلة هامة لنقل الأفكار السياسية.

وكما يقول "داريل زانوك" مؤسس شركة الإنتاج الأمريكية "فوكس للقرن العشرين" والذي توفي عام 1979: إنه إذا كان لديك شيء تقوله وتنشره فمن المفيد أن تضعه في جلباب الترفيه، وستجد سوقًا جاهزة والأكثر نجاحا في تعميم ما تقوله، أو ما تريد ترويجه من أفكار وأيديولوجيات، وفي الوقت الذي تندلع فيه الصراعات العنصرية والجرائم داخل المجتمع الأمريكي، يمكنك الترويج لصور الفقراء والوضع الاجتماعي في الاتحاد السوفيتي ووضع الانطباع العالمي الذي يندد ويشجب وينادي بالتخلص من النظام الديكتاتوري الرهيب.

وتتخلل تلك البرامج الترفيهية العديد من الرسائل التي يمكن أن تغير مجرى التاريخ، والتي عملت وكالة الاستخبارات المركزية الكثير لتشكيل محتوى تلك البرامج أو الأفلام وصناعة الثقافة، وهي عملية تصنيع ثقافة ودمج الأفراد في طريقة حياتها، وتشمل الصناعات الثقافية الإذاعة وعالم الأزياء والإعلان والسينما والأشكال الأخرى لثقافة الإعلام.

وأكد الصحفي والروائي البريطاني "أريك أرثر بلير" الذي عرف باسمه المستعار "جورج أورويل"، استخدام الكتابة كأداة للتلاعب السياسي، لأنها تحاكي أنماط التفكير لدى الأشخاص فيمكن تقبلها بسهولة، وهو شخصيا كان من نوعية الكتاب الساخرين الناقدين، وهو أول من استخدم لفظ الحرب الباردة في مقالاته، ونبع أسلوب سمي بالوصف "الأورويلي" الذي يستخدم اللغة المخادعة، ويتضمن المواقف والأنظمة التي تحكم بها بواسطة الإشاعات، والمراقبة، والمعلومات المضللة، وتكذيب الحقيقة، والتلاعب بالماضي.

أيضا بحسب الدراسة، فوجود محتوى الترفيه يستخدم لكسب الولاء الثقافي في الحرب على الإرهاب، من خلال وسائل سرية وهي تستخدم النجوم والبرامج الترفيهية في حملات دعائية خفية موجهة ضد الشرق، فيما ما بعد 11 سبتمبر من الناحية السياسية، وكان دور السينما في تقديم معلومات للشعوب، أمرًا يخص السياسة الخارجية، ويعزز مهامها في الخارج.

وعلى سبيل المثال، حين قامت الحرب العالمية الثانية، أعطى الرئيس "روزفلت" الضوء الأخضر لاستمرار الإنتاج التجاري في هوليوود، في وقت كان جو الحرب قد بدأ يؤثر على إنتاجها، لكنه أعطى تعليمات بأن تساند استوديوهاتها جهود أمريكا في الحرب، وحدث تعاون بين الحكومة في واشنطن، وبين هوليوود في إنتاج أفلام الحرب.

وفي عام 2001 بدأ الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" يدرك - بعد تعثر سياسته الخارجية واتساع موجات الرفض لها في أوروبا وآسيا والعالم الإسلامي - احتياجه لدور مساند من هوليوود والإعلام والتلفزيون، وعقد "كارل روف" مستشار بوش إلى هوليوود، اجتماعًا حضره رؤساء شركات السينما وكبار المخرجين والكتاب، لإقناعهم بقيام هوليوود بدور في الحرب على الإرهاب، بنفس طريقة الدعاية للولايات المتحدة والغرب في أثناء الحرب العالمية الثانية، والترويج للحرب على العراق.

ويبدو أن العلاقات المتبادلة بين "السي آي إيه" والمنتجين والمخرجين والممثلين، يمثل نفوذًا حقيقيًا للتفاوض على التغييرات في السيناريوهات والمحتوى النصي للبرامج، ووكالة الاستخبارات المركزية هي الأكثر فعالية في التأثير على الوقائع المنظورة خلال مرحلة ما قبل الإنتاج، من خلال محادثات مع الكتاب والمنتجين والمخرجين، واقتراح أفكار عليهم بما يروج لسياساتهم، حتى أن "لويجى لوراتشى" رئيس الرقابة الخارجية والداخلية لشركة الإنتاج الشهيرة "باراماونت"، اعترف أنه كان يعمل أيضا لوكالة المخابرات المركزية، وكيفية تلقيه التقارير حول العمل على تحسين صورة الولايات المتحدة في الأفلام التي سوف تعرض في الخارج.

حتى إن مسئولي وكالة المخابرات المركزية، ووزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، يطالبون ببعض التعديلات في السيناريو ويسيطرون على المنتج النهائي، حيث أن حالة الحرب على الإرهاب ستمتد لسنوات قادمة، هى ما فرضت مناخًا خانقًا ومتزايدًا من قوانين الأمن الوطني على العديد من الوسائل.

وكتب الصحفي "ديفيد روب" تحقيق في كتاب تضمن أكثر من ألف صفحة من المذكرات، لفضح تورط وزارة الدفاع والمخابرات الأمريكية في الصناعات الترفيهية الإعلامية، بما في ذلك تفاصيل التغييرات النصية، بما في ذلك شبكتي "سي بي إس" و"إيه بي سي" نيوز وغيرهما.

علاوة على ذلك، هناك بعض الأدلة على أن وكالة الاستخبارات المركزية لديها تعاونات كثيرة مع صناع السينما والإنتاج البرامجي، لأغراض الحرب النفسية، واستخدام محتوى الشاشة لتعزيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ووضع حفنة من الأفراد في أوضاع القيادة في صناعة الترفيه لتلبية أهداف الوكالة من خلال وسائل شفافة، وحفلات ترفيهية سياسية.

أيضا هناك دراسة "لروكسانا إليوت" من جامعة جورج تاون في الاتصالات والثقافة والتكنولوجيا، عن الترفيه السياسي لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وكيف تغيرت التغطية السياسية والإعلامية بشكل عام على مدى السنوات الـ 20 الماضية عن طريق إدراج أسلوب الترفيه بشكل أكبر، وأيضا من خلال منصات جديدة أدت إلى انتشار منافذ أخرى تنافس وسائل الإعلام الرئيسية وذلك بسبب عوامل عدة.

بما في ذلك ارتفاع تكنولوجيات الإعلام الجديدة، في الصحافة والإعلام المقروء والمسموع والمرئي في الولايات المتحدة وبريطانيا، فالعلاقة بين الصحافة والسياسة قد تغيرت كثيرًا وتأثير وسائل الإعلام على الصحافة كان واضحًا في تغيير التغطية، عن طريق الترفيه السياسي بما يشبه ما تقوم به البرامج التلفزيونية الترفيهية، بما في ذلك برامج النهار و "التوك شو" والبرامج الحوارية في وقت متأخر من الليل.

وبحسب الدراسة، فإن قطب الإعلام العالمي روبرت مردوخ ما يدير وسائل الاعلام بحسب الأجندة التي يريد أن يلعب عليها، وقد تحول إلى إعلام الترفيه الذي يلعب على نقطة الفضائح السياسية والتي تجذب القارئ، أيضا التلاعب بالألفاظ وانتشار كلمات مثل "الفوضى" و"الفشل الذريع" وهي الكلمات البارزة الآن للتعامل مع قصص السياسية من خلال أطر الترفيه والتركيز على الشخصية السياسية بدلاً من التركيز على قضايا السياسة، والتدخل في حياة المسئولين الشخصية وليس العملية، وهي الطريقة التي تزيد من حالة الغضب لدى المواطن، وتعمل على ما يسمى بـ"تغذية نوبات الحنق" ومن ضمنها مجلة "الأيكونوميست" البريطانية والتي تلعب لعبة التغيير.

إمبراطور الإعلام الصهيوني "روبرت ميردوخ"، أيضا يملك أغلب استوديوهات التصوير في هوليوود، والكثير من محطات التلفزيون وعشرات الجرائد والمجلات، من أهم المتحكمين في السياسة الأمريكية التي تروج لكراهية العرب والمسلمين، وقد أصبح الترفيه السياسي بمثابة القوة الناعمة التي تلعب في أحيان كثيرة دورًا لا يقل أهمية عن القوة الأمريكية المادية والاقتصادية والعسكرية، حيث تعمل عبر الشاشة الكبيرة والصغيرة لإرسال رسائل تحفز المشاهدين على تبني أو تحقيق الأهداف الأمريكية، وتضمن للأمريكيين موافقة العالم مسبقًا على ما يذهبون إليه من مشروعات، والتلاعب بالعقول البشرية بجميع أنحاء العالم، وبعد الطفرة التكنولوجية والمعرفية غير المسبوقة في العقود الثلاثة الأخيرة كالإنترنت والفضائيات وغيرها، ومع تزايد الأجيال التي تجيد التعاطي مع تلك الأدوات أصبح التأثير مضاعفا.