رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل حقًا مات قاتل فرج فودة


فى 1 يونيو 1992م، أدار د. سمير سرحان، رئيس الهيئة العامة للكتاب آنذاك، مناظرة ساخنة فى معرض الكتاب، حملت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، كان أبطالها د. محمد عمارة، والشيخ محمد الغزالى والمستشار مأمون الهضيبى من جهة، ود. فرج فودة ود. محمد خلف الله من جهة.. وفى 8 يونيو 1992م، وفى منطقة مدينة نصر، انطلقت دراجة نارية بمسلحين اثنين، مطلقين وابلا من الرصاص على المفكر فرج فودة، ليسقط قتيلًا أمام جمعيته المصرية للتنوير!.

«الإسلام بدأ باقرأ.. وسنظل نتحاور لكى نوقف نزيف الدم، ونصل إلى كلمة سواء، وأنا أؤكد لكم، ما يقال إنه خلاف بين أنصار الإسلام وأعداء الإسلام.. لا.. هو خلاف رؤى، ورؤى لا تتناقض مع الإسلام، لكن الفريق الذى أنتمى إليه، لم ير أبدًا أن الإسلام هو دين العنف، الإسلام دين القول بالتى هى أحسن، ولأجل هذا فنحن ندين الإرهاب، لأنه قول وفعل بالتى هى أسوأ... أدعو الله للجميع، أن يهتدوا بهدى الإسلام، وهو دين الرحمة، وأن يهديهم الله لأن يضعوا الإسلام فى مكانه العزيز، بعيدًا عن الاختلاف، وعن الفرقة، وعن الإرهاب، وعن الدم وعن المطامح وعن المطامع!»

كانت تلك الكلمات التى ختم بها د. فرج فودة مناظرته الأخيرة، وسط حضور مكثف من جماعات الإسلام السياسى قدر بـ30 ألفًا، وهتافات «إخوانية» منظمة «الله أكبر ولله الحمد»، بين كل فاصل وآخر، ودولة فتحت الباب على مصراعيه لنمو هذه الجماعات، حتى إن مرشد الإخوان الهضيبى كان أحد أهم ضيوف مناظرة ينظمها معرض الكتاب!. بعد هذه المناظرة، كانت جريدة النور السلفية، قد خرجت بعناوين تُكَفِّر فرج فودة وتبيح دمه باعتباره مرتدًا، وأفتى كل من الشيخ محمد الغزالى، ومأمون الهضيبى، بتكفير فرج فودة وجواز قتله! حتى إن الشيخ الغزالى، حين طلبه دفاع المتهمين فى القضية للشهادة، قال نصًا: «إنهم قتلوا شخصًا مباح الدم ومرتدَّا، وهو مستحق للقتل، وقد أسقطوا الإثم الشرعى عن كاهل الأمة، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، ولا توجد عقوبة فى الإسلام للافتئات على الحاكم، إن بقاء المرتد فى المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس» !!

فى 2012، أفرج المعزول محمد مرسى، حين كان رئيسًا للجمهورية، عن الإرهابى أبوالعلا عبدربه، وهو أحد الثلاثة المشاركين فى اغتيال المفكر فرج فودة، وكان يقضى عقوبة السجن المؤبد، لكونه شارك فى التخطيط وتحضير الأسلحة، لكن تم إعدام المسلحين الاثنين اللذين أطلقا النيران، وبعد سقوط نظام الإخوان تنقل أبوالعلا عبدربه من اعتصام رابعة، إلى سوريا، ثم انضم لداعش، ومن داعش لجبهة النصرة، ثم استقر فى أحرار الشام، قبل أن يقتله الجيش السورى مؤخرًا، والسؤال هنا: هل هذا الفكر التكفيرى الأحمق، الذى يستند إلى فتاوى من شيوخ كبار، انتهى بموت هذا الإرهابى، أو بموت غيره فى سوريا أو سيناء على يد الجيش المصرى؟ الحقيقة أنه إلى جانب مواجهة الإرهاب بكل قسوة أمنيًا، دون مواجهة فكرية حقيقية، سندور فى نفس هذه الدائرة التى لا تنتهى!، فطالما هذه الأفكار مستمرة، فإن القتل باسم الدين سيستمر!