رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كلوزو» يحارب الإرهاب!


الإنجليزى «بيتر سيلرز» والأمريكى «ألان أركين» والإنجليزى «روجر مور» والأمريكى «ستيف مارتن». نجوم السينما الأربعة لعبوا دور المحقق الفرنسى «جاك كلوزو»، الذى قرر مؤخرًا أن ينزل من الشاشة الفضية، شاشة السينما، إلى أرض الواقع ليصول ويجول فى دول أوروبا ويمتعنا بتحقيقاته فى العمليات الإرهابية!

بعد ظهر الأربعاء الماضى، وفى قلب العاصمة البريطانية، لندن، قامت سيارة رباعية الدفع بدهس عدد من المارة على كوبرى «ويستمنستر»، المؤدى إلى مقر البرلمان. وبعد أن اجتازت السيارة الكوبرى اصطدمت بحاجز الطريق ثم خرج قائد السيارة منها وهو يركض نحو أسوار مقر البرلمان الذى كانت تيريزا ماى، رئيسة الحكومة البريطانية، تلقى فيه خطابًا. وبعد أن قام المهاجم بطعن رجل شرطة، أطلق عليه رجال شرطة آخرون الرصاص، فسقط قتيلًا.

الجثة إذن موجودة، فكيف حدث الارتباك؟!

وكيف تضاربت المعلومات حول منفذ الهجوم؟!

وكيف نشرت عدة وسائل إعلام بريطانية «وغيرها» أن منفذ الهجوم اسمه عمر أو أبوعزالدين أو عز الدين الجامايكى؟! والأسماء الثلاثة لبريطانى من أصل جامايكى كان اسمه «تريفور بروك»، قبل أن يعتنق على يد «عمر بكرى» و«أبوحمزة المصرى» ويختار لنفسه اسم عمر، ثم «أبوعزالدين».

بين من روجوا لذلك، القناة البريطانية الرابعة، التى عادت ونفت أن يكون «المذكور» هو منفذ العملية لأنه محبوس أصلًا. وجريدة الـ«إندبندنت» نشرت تقريرًا، على موقعها الإلكترونى، به معلومات تفصيلية عن «بروك»، ثم قامت بحذفه!

ولا تزال السلطات البريطانية تجرى تحقيقاتها المكثفة لكشف ملابسات الحادث، وتم إلقاء القبض على عدد من الأشخاص من جميع أنحاء المملكة المتحدة، تم إطلاق سراح عدد منهم والإفراج عن آخرين بكفالة. وقد تجنبت ذكر أرقام لأنها تختلف من مصدر لآخر أو من وسيلة إعلام «بريطانية» لأخرى. وقد نكتشف أن كل هذا غير صحيح، أو «بلح»، بل وقد نفاجأ بأن خالد مسعود لا علاقة له بالموضوع بعد أن نشرت الشرطة البريطانية صورته واتهمته بتنفيذ الهجوم، وقامت بتفتيش كل الأماكن التى يكون له علاقة بها، بما فيها منزل والديه فى مزرعة نائية بوليز. المعلومات المتاحة عن خالد مسعود تقول إنه من مواليد «كنت»، جنوب شرق بريطانيا، وكان يقيم منذ وقت قصير فى و«يست ميدلاندرز» و«برمنجهام». وإن اسمه قبل أن يعتنق الإسلام كان «أدريان راسل»، والأهم من ذلك هو أنه كان معروفًا لدى السلطات البريطانية ولديه سجل إجرامى أو صحيفة سوابق، طبقًا لما جاء فى بيان لشرطة لندن كشف أنه «كان معروفًا للشرطة وأدين عدة مرات باعتداءات تشمل إلحاق أذى جسدى بالغ وحيازة أسلحة هجومية وارتكاب جرائم تهدد النظام العام». وبينما ذكر بيان لشرطة لندن أن «مسعود لم يكن محل أى تحقيقات جارية ولم تكن هناك معلومات مخابراتية سابقة عن اعتزامه تنفيذ هجوم إرهابى». كشفت تيريزا ماى، رئيسة الوزراء، عن أن «مسعود» كان ممن خضعوا لتحقيقات المخابرات البريطانية «إم آى 5» قبل سنوات بشبهة التطرف العنيف، لكنه «كان شخصية ثانوية فى التحقيقات». وفى الوقت الذى ناشدت فيه «سكوتلانديارد» المواطنين الذين يعرفون «مسعود» أن يتقدموا بأى معلومات قد تفيد سير التحقيق، شدد مارك راولى، مسئول مكافحة الإرهاب، على أهمية «معرفة إن كان تصرف بمفرده، أو أن آخرين دعموه ووجهوه». واللافت، هو أننى لم أجد تعليقًا بريطانيًا رسميًا على إعلان تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام أو ما يُعرف بـ«داعش،» مسؤوليته فى بيان منسوب نشرته وكالة أعماق التى تعتبر الذراع الإعلامية للتنظيم.

وحتى المسئول الأمنى البريطانى الذى نقلت عنه CNN تصريحات، وفضل عدم اسمه ونقلت عنه، رفض التعليق على تلك النقطة! اللافت أيضا، هو أن الطريقة التى انتهجها خالد مسعود «منفذ الهجوم، ما لم يظهر اسم جديد!» أعلن عنها تنظيم القاعدة كواحدة من وسائله أو أفكاره سنة 2010، فى العدد الثانى من المجلة التى يصدرها، وفيه كان «دهس مواطنين» بين ما وصفه التنظيم بـ«الأفكار البسيطة لتنفيذ الهجمات وإيقاع أكبر عدد من القتلى».
لا تفسير لهذا الارتباك، الذى اعتدنا عليه فى غالبية الحوادث الإرهابية «أو غيرها» التى تشهدها دول أوروبية، غير أن نموذج المفتش «جاك كلوزو» تم تعميمه!
«كلوزو»، مفتش الشرطة الفرنسى العجيب ظهر لأول مرة سنة 1963، فى سلسلة أفلام «الفهد الوردى» التى لعب بطولة معظمها الممثل البريطانى بيتر سيلرز، وتبعه الثلاثة الذين سبق أن أشرنا إليهم، والشخصية نفسها لعبت بطولة حلقات كرتونية شهيرة ظهرت أواخر ستينيات القرن الماضى. أحمق، غبى، وغير كفؤ تؤدى محاولاته فى حل قضاياه إلى مصائب أو كوارث له ولمن حوله، لكنه ينجح غالبًا فى حل القضايا التى يتولاها بمساعدة صدف غريبة وضربات حظ غير متوقعة، الأمر الذى يثير دهشة الجميع ويؤدى إلى جنون رئيسه المباشر، كبير المفتشين "درايفوس".

هل قلت إن نموذج «كلوزو» تم تعميمه؟!
نجاملهم حين نقول ذلك، لأنه رغم غبائه وحماقته، كان ينجح فى حل قضاياه، بينما لا نجد ذلك غالبًا على أرض الواقع!

والخلاصة، هى أن «كولومبو» أو «شيرلوك هولمز» يظهران، لو كان الأمر يتعلق بحادث يخصنا: حادث طائرة شرم الشيخ مثلًا. أما الحوادث التى تخصهم، فلا يحققها أو يظهر فيها إلا «جاك كلوزو» ببلاهته وغبائه!.