رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرجل والشيكولاته


تدور معركة حامية فى أروقة وسائل الاتصال والتواصل، حول الرجل الذى سرق قطعة الشيكولاته من سوبر ماركت، وتم القبض عليه، واقتياده للمحاكمة بتهمة السرقة، المعركة تكشف نوعًا من التفكير الشعبى البسيط والتعاطف، حول قيام الفقراء بالسرقة من محلات الأغنياء. ربما لأن السارق ينتمى إلى طبقة شعبية بسيطة.

أحد طرفى المعركة، ينتمون إلى التفكير اليسارى الذى يبغض السلع الاستفزازية، ويبغض الفقر، وهم من ذوى القلوب المرهفة، ويطالبون بالإفراج عنه، وعدم معاقبته، بل مكافأته بعلبة كاملة من الشيكولاته، ليعطيها لابنه الفقير الذى من أجله ارتكب الرجل جريمة السرقة.. بل استغل هؤلاء الواقعة، فى التنديد بالنظام الذى ساهم بإجراءاته الاقتصادية التعسفية، فى حرمان ابن الرجل الفقير من الحصول على قطعة شيكولاته، مثل أطفال الأغنياء.

بل قام أنصار هذا الرأى بإخراج القصة فى ثوب ميلودرامى، عندما كتب أحدهم فى عموده اليومى بصحيفة عريقة. بأن الرجل خرج إلى الشارع وليس فى جيبه سوى جنيه واحد، وهو يعانق ابنه الصغير، وقال له، لقد شاهدت فى إعلانات التليفزيون شيئًا يسمى شيكولاته، عايز منه، وضحك الأب ومضى إلى حال سبيله، ودار فى الشوارع، حتى وجد أمامه سوبر ماركت كبيرا فى أحد أحياء الجيزة، دار قليلا فى المحل وقبل أن يخرج مد يده وأخذ قطعة كانت على الرف ووضعها فى جيبه.. وفى النهاية يقول الكاتب على لسان الأب: أنا يا بنى السارق واللص الوحيد فى هذا الوطن، لماذا حلمت يا بنى، وأوقعتنى فى هذه الجريمة، أنت لم تذق طعم الشيكولاته، وأنا لم أذق طعم النوم.

بينما نادى أنصار الطرف الآخر بمحاكمة الرجل، وعدم تشجيع هذا السلوك، وضرورة تطبيق القانون. خاصة أن الواقعة ثابتة، وأن من يسرق القليل يسرق الكثير، وأن اللص الكبير هو فى حقيقة الأمر لص صغير، ونما وكبر فى ظل مجتمع متسامح مع صغار اللصوص وفقرائهم.. واستند هؤلاء إلى أن فكرة الفقر فى حد ذاتها، لا تبرر السرقة، واستشهدوا بأن العاملين فى السوبر ماركت، هم ضحية لصوص الشيكولاته، وهم من سيسددون قيمة الشيكولاته المسروقة، وأنهم لا يستطيعون أن يأخذوا الحلوى التى يبيعونها لأولادهم، ربما لأنها فوق طاقتهم. واستند أعضاء هذا الفريق إلى أن الرجل سبق ضبطه مرات عديدة وهو يسرق من محال السوبر ماركت، وأنهم فى المرات السابقة تسامحوا معه.

وكلا الرأيين ذكرنى بما يحدث أحيانا فى أوساط بعض الفقراء فى القرى، فقد كان بعض الأطفال يسرقون بعض الثمار من بعض الحقول، مثل البلح والجوافة والعنب وقناديل الذرة الشامى والفول الأخضر، وعندما يدخل الصبى على أمه تباركه، وتهنئه، بأنه أصبح رجلا وبإمكانه أن يأتى لها بخيرات الأرض، الموجودة عند الآخرين، وهو ما جعل اللص الصغير يفرح، ويحاول جاهدًا أن يكون عند حسن ظن أمه، ويوسع نشاطه مستقبلا.

وهو أيضا ما كانت تتغنى به بعض المأثورات الشعبية- مثل أدهم الشرقاوى وخط الصعيد- للذين يسرقون من الأغنياء ويعطون بعضها للفقراء، انتقامًا من الأغنياء بقصد تحقيق نوع من العدالة الزائفة. والغريب أن البطل الشعبى ظل حتى الآن هو من يتحدى الدولة والحكومة والأغنياء.