رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: صحافة الموبايل.. ولغز قتيل المهندسين


من وإحنا صغيرين وإحنا حافظين الهتاف.. كنا نسمعه فى الراديو.. وعمنا «على زيوار» يردده بصوته الفخيم مع الجماهير كلما أخطأ الحكم: «الصحافة فين.. أهه»، ثم تحول الهتاف فى سنوات تالية من مدرجات الكرة.. إلى كل مكان توجد فيه مظلمة.. من مدير فاشل أو مسئول متغطرس.. ثم حَجَّ الناس إلى سلالم نقابة الصحفيين بعد انتقالها إلى شارع عبدالخالق ثروت، ووصل الهتاف إلى ذروته فى الأعوام الأخيرة قبل ٢٥ يناير.. ليتحول الهتاف والسُّلم كلاهما معًا إلى رمز.

يختفى ذلك الرمز.. وتضيع قيمته عند اختلاط المفاهيم، وحدث هذا كثيرًا فى الأعوام الأخيرة، حتى صار الإعلاميون جميعًا هدفًا لغضب الناس.. إذا أكل الناس أسماكًا مسمومة من بحيرات تم تدميرها بعلم الحكومة جهارًا نهارًا، صب الناس جام غضبهم على الفنانين ولاعبى الكرة والصحفيين.. إذا فشلت وزارة الصحة فى مطاردة إنفلونزا الطيور.. أو البحث عن سر «فيروس شبرا الغامض».. لعن الناس فى سرهم أحمد موسى وأصحابه ممن يقبضون الملايين.. وإذا ما ارتفعت أسعار البامية والملوخية.. مافيش مانع نشتم الصحفيين برضه.

يحدث هذا دومًا.. ثم تعود ريما لسيرتها الأصلية تحاكم «ولاد صاحبة الجلالة».. لأنهم مقصرون فى أداء دورهم.. وبينما يحدث ذلك.. تتطور المهنة وآلياتها ويصبح الناس العاديون من جماهير القراء جزءًا أساسيًا من اللعبة.. طول عمرهم كده على فكرة، بس ماكناش واخدين بالنا.

فى البداية كانت الحملات الصحفية الكبرى تستمد قوتها من المستندات التى يرسل بها «الجمهور العادى» إلى صحفى.. ويستمد الصحفى قوته فى معركته من دعم القراء الذين يتابعون حملته ويمدونه بمستندات جديدة.. ثم دخل التليفزيون على الخط.. وتحولت المستندات الورقية إلى فيديوهات وسيديهات.. ثم تطور الأمر لنصل إلى صحافة الموبايل.

وبدلًا من الصحيفة، صارت صفحات السوشيال ميديا هى البطل.. وواقعة الكشف عن قتلة سمسار المهندسين فريد شوقى.. لن تكون الأخيرة، ربما هى البداية.. أو ربما البداية الأوضح لدور جديد وفاعل تقوم به صحافة «السوشيال ميديا» .. والبطل هذه المرة هو المواطن نفسه.. ونموذج السيدة التى كشفت لغز الجريمة الأخيرة جلى وواضح وضوح الشمس.

لا أناقش علاقة ذلك بالصحافة الورقية المطبوعة، ولا أبحث عن مستقبل الصحافة الإلكترونية.. أرصد فقط ذلك الدور المذهل الذى سيقوم به المواطنون فى صحافة الأيام القادمة.

الجريمة بدأت من كافيه فى مدينة ٦ أكتوبر.. خطط السادة الضباط المفصولون وأمين شرطتهم المفصول برضه لها بقلب ميت.. واستعانوا بصديق استأجر لهم سيارة من معرض فى العجوزة.. وقرروا خطف شريكهم الذى لم نفهم بعد ما سر خلافه معهم؟.. وإن كانت المؤشرات تؤكد أن الخناقة على «شحنة ترامادول، واستخدم المتهمون السيارة بفجر شديد، بعد أن تمكنوا من خطف القتيل.. وساروا به فى واحد من أكثر شوارع المهندسين ازدحامًا.. ولم يستطع أحد من المارة إيقافهم.. أو نجدة الرجل الذى حاول الفرار أو الاستنجاد بالصراخ.. فقط سيدة كانت فى سيارة تالية.. استخدمت الموبايل لتصوير مشهد الرجل وهو يلقى بنصفه من السيارة وهو يصرخ.. وكان من حظ رجال الشرطة أن الفيديو الذى رفعته السيدة على صفحات «السوشيال» جيد.. وتظهر فيه أرقام السيارة المستأجرة بوضوح.. مما قادهم إلى شركاء الجريمة بسرعة.. الجناة ذهبوا إلى شبين القناطر وقتلوا الرجل.. هكذا تقول الوقائع المتاحة حتى الآن عقب تسليم أحد المتهمين بالقتل نفسه.

غامرت السيدة.. بأن وضعت نفسها فى مواجهة مجرمين، وهذا سلوك متحضر يحجم عنه الكثيرون الآن، تجنبًا لوجع الدماغ على الأقل.. ونجحت صحافة الموبايل فى الكشف عن لغز جريمة مستفزة.. كما كشفت أكثر عن مباراة ساخنة ستخوضها الصحافة فى السنوات المقبلة، مع هذا التطور الذى سيلقى بالكثيرين إلى «شارع الذكريات».. نعم .. للأسف سيتحول كثير من «ولاد المهنة» إلى مجرد ذكريات.