رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باحث في الشأن القبطي يكتب رحلة البابا شنودة حتى الكرسي المرقسي (1)

البابا شنودة
البابا شنودة

يرصد الباحث ميخائيل فريد في بحثه (رحلة البابا شنودة حتى الكرسي المرقسي)، مراحل التطور الفكري للراحل المتنيح البابا شنودة الثالث، منذ فترة ما قبل دخوله الدير وهو علمانيا، حتى اعتلاءه للكرسي المرقسي، كبطريرك لكنيسة الاسكندرية العتيقة، بكل ما يحيط بها من جوانب سياسية واجتماعية، وصراع الفكر الديني والعقائدي حتي مع الراحل البطريرك كيرلس السادس، ومع أقرانه في الرهبنة الأولى مثل الأب متى المسكين.

أرائه واختلافاته ومواقفه يرصدها ميخائيل فريد في التقرير التالي:
جلس البابا شنوده الثالث على الكرسي البطريركي نيف وأربعون عاماً من صباح الأحد 14/11/1971 حتى مساء الثلاثاء مارس 17/3/2012 لكن علاقته بالكرسي البطريركي كانت أبعد من ذلك تاريخياً بما يزيد عن 20 عاماً والستون عاملً تقريباً امتلأت بالتناقضات والاعتراضات منه وعليه.

- بداية القصة
تفتحت أعين الشاب نظير جيد وبدات ملامح شخصيته واتضاح اتجاهاته الفكريه والثقافية أواسط أربعينيات القرن العشرين وحينها كان علمياً يدرس بالجامعة المصرية (كلية الآداب قسم التاريخ) وكنسياً يخدم بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا ويدرس بالقسم الليلى بالكلية الاكليريكية بمهمشة تحت قيادة الأرشيذياكون حبيب جرجس اضافةً الى ظهور نبوغه فى الكتابة والخطابة والذان فتحا له الباب للكتابة في مجلة مدارس الأحد الوليدة والشهيرة وقتئذ (تأسست أبريل1947 ولازالت تصدر الى الآن) حتى وصل الى مدير تحريرها وادراتها عام 1950.

-ظروف الكنيسة خلال تلك الفترة (نظرة تاريخية):
بعد رقاد البابا كيرلس الخامس (1875 الى 1927) اجتمع المجمع المقدس حينها برئاسة الأنبا يؤانس مطران البحيرة والمنوفية وأصدر قرار بجواز ترشح المطارنة والأساقفة للكرسي الرسولي مخالفاً بذلك قوانين وأعرف الكنيسة القبطية الأرثوذكسة وعليه تم انتخاب هذا المطران بطريركاً من (16 ديسمبر 1928- 12يونيو 1942) تلاه بعدها انتخاب الأنبا مكاريوس مطران أسيوط الذي دامت حبريته سنة ونصف من (14 فبراير 1942- 22 أغسطس 1945)، والذي أدرك أنه أخطأ بقبول هذا المنصب فأنزوى فترة بدير الأنبا أنطونيوس بالبرية الشرقية وكان دائم البكاء والنحيب في صلاته حتى سمي مكاريوس الحزين وبوفاته أُنتخب الأنبا يوساب مطران جرجا (26 مايو 1946 الى 14 نوفمبر 1956)، وكان هذا البطريرك ضعيف الشخصية يسيطر عليه خادم له يدعى ملك كما كان محبا للرئاسة والمال مما زاد الحنق عليه والطعن على تصرفاته وسياماته فاجتمع مجمع مقدس من المطارنة والأساقفة في عام 1954 وتقرر ايقافه عن اعماله واسناد ادراة شئون البطريركية الى لجنة مكونة من ثلاثة مطارنة هما الأنبا أغابيوس مطران ديروط الأسبق والأنبا بينيامين مطران المنوفية الأسبق والأنبا ميخائيل مطران أسيوط االسابق وظلت هذه اللجنة تباشر عملها حتى وفاته وتعين الأنبا أثناسيوس الكبير مطران بني سويف والبهنسا (1924- 1962) قائم مقام البطريرك.

خلال حبرية الأنبا يوساب الثاني ارتفعت أصوات وسُنت أقلام كثيرة تنتقد ما يحدث في البطريركية خاصةً في مجلة مدارس الأحد كانت تهدف الى الاصلاح الكنسي، أبرزها الدكتور وهيب عطا الله (المتنيح الأنبا غريغوريوس 1967-2001)، والذي كتب مقالات تحت عنوان (مخالفات كنسية أعوام 1948،1949)، والتي أنتقد فيها ما يتم في ادارة الكنيسة خلال تلك الفترة والأستاذ نظير جيد (الأنبا شنوده الثالث 1971-2012) والذي كتب مقال بعدد فبراير 1950 تحت اسم (الحاشية) أنتقد فيه الحاشية المحيطة بالبطريرك والمطارنة في مقال طويل من ضمن ما جاء فيه (ان احصاء بسيطاً لحاشية البابا او حاشية كل أب من آباء كنيستنا ليعرفنا بدقة عن سبب رئيسي من أسباب تعطل الكنيسة عن أداء واجبها، طهروا الحاشية فان الشعب يدرك جيداً الأسباب التي تكمن وراء كل قرار عجيب أو تصرف غير قانوني وتبعها بمقالة في مايو 1950 تحت اسم (قوانيننا الكنسية) هاجم فيها بشكل مباشر كسر القوانين الكنسية.

وقال مباشرةً انها لم توضع لتعرض في المتاحف كأثر أو لتحفظ فقط لدارسي التاريخ وانما وضعت لتكون دستوراً ينظم امورنا الكنسية وكتب بالنص (هناك قوانين كُسرت ويخشى أن يصح توالي كسرها تقليداً تسير عليه الأجيال المقبلة كأنه قانون متوارث. مثال ذلك أن الكنيسة تمنع رسامة البطريرك من بين المطارنة وقد كُسر هذا القانون في عهود الأنبا يؤانس 19، اأنبا مكاريوس 3، الأنبا يوساب 2 ويُخشى ان رسم في المرة المقبلة بطريرك من بين المطارنة أن يصبح هذا الكسر قاعدة عادة ويتمسك الآباء المطارنة بأن يُختار واحد منهم باستمرار لمنصب البطريركية.

وهناك قوانين أصبح الاستثناء الشاذ فيها هو القاعدة العامة والقاعدة العامة هي الاستثناء الشاذ ومثال ذلك ان قوانين الكنيسة تمنع أن يرسم أسقف دون الخمسين من عمره او كاهن دون الثلاثين الا اذا كان للواحد منهم حكمة الشيوخ فاذا بهذا الاستثناء يسود حتى يُرسم الكهنة غالبيهم شباباً صغاراً بل والأساقفة أيضاً يُرسم منهم من هو في الثلاثين من عمره تقريباً!!).

غير أنه كان أكثر وضوحاً في مقالة ثالثة في سبتمبر 1952 تحت عنوان (ماذا يعمل هؤلاء في الكنيسة) هاجم خلالها البابا البطريرك في صورة حاشيته من أهم ما جاء فيها (خادم البطريرك، تلميذ البطريرك، تلميذ المطران، السكرتير الروحي للبطريرك، مساعد السكرتير الروحي للبطريرك، وكيل البطريركية، رئيس الشمامسة، حاشية البطريرك ماذا يعمل هؤلاء؟ وكتب صراحة ً بالنص (لسنا نريد تطهيراً في الأشخاص فحسب وانما في الأوضاع والمبادئ قبل كل شئ لأن الأوضاع الخاطئة ان لم تتغير- قد تُعثر أو تفسد الأشخاص الصالحين) الى أن نصل الى آخر عدد من مجلة مدارس الأحد تحت رئاسته قبل ذهابه للرهبنة (عدد يونيو- يوليو 1954) والذي نشر فيه بحث للأستاذ يسى عبد المسيح تحت عنوان (عدم قانونية أختيار البطريرك من المطرنة والأساقفة) والذي تضمن مخالفة ذلك لكل قوانين الكنيسة الجامعة بصفة عامة والقبطية بصفة خاصة وتوضيح ذلك بنصوص قرارات المجامع المسكونية والمحلية والتاريخ الكنسي للكرسي المرقسي.

مع بداية يوليو 1954 اختفى الأستاذ نظير جيد عن الساحة جسدياً بانخراطه في سلك الرهبنة بدير العذراء والقديس يحنس كاما (السريان) بوادي النطرون تحت اسم الراهب أنطونيوس السرياني، لكن ظل حاضراً بكتاباته وتلاميذه والذين أثر فيهم خاصةً أبناء مدرس الأحد وطلبة الكلية الاكليريكية التي درّس فيها عدة مواد (من 1948 حتى 1954)، فعاد اسمه بقوة بعد وفاة البابا يوساب الثاني 1956 اذ رشحته اللجنة العليا لمدارس الأحد ونشرت على صفحات مجلتها أن الأصلح للكرسي الطريركي ثلاث على الشعب الاختيار بينهم وهم القمص متى المسكين والقمص مكاري السرياني والقس أنطونيوس السرياني لكن اللائحة التي تم عملها لانتخاب البطريرك والشهيرة بلائحة 1957 وضعت شرطاً للمرشح أن يكون له في الرهبنة عشرون عاماً وقت خلو الكرسي البطريركي مما استبعد هؤلاء المرشحين وقيل أن هذا الشرط وُضع خصيصاً لاستبعادهم.

بعد تربع البابا كيرلس السادس على الكرسي المرقسي (10 مايو 1959- 9 مارس 1971) تم استدعاء بعض الآباء الرهبان المشهود لهم بالعلم للوعظ في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأزبكية وكان من بينهم أنطونيوس السرياني والذي عاد بعدها الى ديره الذي كان ينوي البقاء فيه بقية حياته، كانت العلاقة بين البابا شنوده والبابا كيرلس قد بدأت أواخر الأربعينيات حينما كان الشاب نظير جيد بين المترددين على كنيسة مارمينا بفم الخليج لزيارة القمص مينا البراموسي المتوحد والذي رأى فيه هذا الجيل من شباب الكنيسة الدارس بالجامعة نموذجاً للراهب المصلي والمرشد الروحي.

تابع الجزء الثاني