رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيزنس «مشروع مطعم».. قصة الاستثمار فى المطبخ

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بدلًا من إهدار ساعات الوقوف فى المطبخ هباءً، قررت بعض سيدات المنازل تحويل مطابخهن إلى مقار لمشروعات إعداد وبيع الطعام.. السيدات تفننّ فى ابتكار الأكلات الجديدة، وساعدتهن مواقع التواصل الاجتماعى كثيرًا، فعبر بضع خطوات بسيطة تحوّل السيدة المنزل إلى مصدر للربح السهل، وتعددت تطبيقات بيع الوجبات المنزلية، فلم يعد من الصعب الترويج لأكلاتهن.

«الدستور» رصدت قصص فتيات وسيدات، أصبحت مطابخهن مشروعات استثمارية، استغللن فيها مواهبهنّ فى إعداد ما لذ وطاب.. فتلك فتاة حولتها ظروف حياتها إلى أحد أمهر صناع الحلويات المنزلية، وسيدة أخرى تحولت هى وزوجها إلى ثنائى ماهر فى الطبخ المنزلى، و«أميرة» حوّلت التراث البورسعيدى إلى أكلات شهية تحفظ بها تاريخ مدينتها العريقة، أما «رحاب» فهى مهندسة ميكانيكا تعمقت فى فنون الطبخ، تاركة مجالها للرجال.

نورهان: «شيف حلوانى» تدرس فى كلية الحقوق
ظنت أن السعادة تدوم للأبد، وأنها ستظل طفلة مدللة تأمر فيستجاب لها، إلا أن قدرها كان يخبئ لها ما لم تتوقعه، فوالدتها انفصلت عن أبيها وهى فى سن السادسة عشرة، لتجد نفسها مسئولة عن شقيقها ذى العشرين عامًا وأبيها اللذين يعملان فى النجارة، فكل شىء تحت مسئوليتها، بدءًا من كوب الشاى فى الصباح إلى آخر ملعقة فى طعام العشاء.

كانت «نورهان» تخرج من مدرستها الثانوية وكل ما يدور فى بالها هو المطبخ، وما يجب تحضيره اليوم على الغداء، وفى كل مرة تفشل فى إعداد أكلات شهية، إلى أن قررت الجلوس أمام التلفاز بالساعات، لمتابعة برامج الطبخ لتتمكن من معرفة الطرق الصحيحة لتحضير مختلف الأطعمة.

استمرت «نورهان» فى تعلم فنون الطبخ من خلال الفيديوهات الموجودة على الإنترنت، وبرامج الطبخ المختلفة، إلى أن قررت تحويل موهبتها فى تحضير الحلويات إلى باب رزق لها، لكن والدها لم يرد لها ذلك وعنفها كثيرًا فى البداية، فهى فى الصف الثالث الثانوى، كيف لها أن تضمن مستقبلها الجامعى وهى تدير مشروعًا، حتى إن كان من المنزل، فهو مشروع سيبقيها مقيدة بالالتزامات طول الوقت.

رأى والدها فى الموقف رغبة من «نورهان» بأنها تريد الإنفاق على ذاتها، وأنه مقصر تجاهها، فحاول تعويضها بالمال حتى تنسى موضوع تحويل موهبتها إلى مهنة تحترفها، وأمام ضغط الوالد تراجعت أحلام الفتاة الصغيرة قليلًا وانتظرت حتى تظهر نتيجة الثانوية العامة.

ظهرت النتيجة وحصلت على مجموع كلية الحقوق، وفى الجامعة تجددت رغبة «نورهان» فى ممارسة موهبتها، وأن تصبح «شيف» متخصصا فى الحلويات، وتمكنت من إقناع والدها فى هذه المرة، وبدأت فى التسويق لمنتجاتها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، وباعت منتجاتها لأصدقائها فى مناسباتهم.

فارق الجودة والسعر شيئان تميزت بهما منتجات «نورهان» عن مثيلاتها فى السوق، فعلبة «الجاتوه» لن تكلف الزبون أكثر من 60 جنيهًا، حتى بعد غلاء الأسعار تظل حلويات نورهان هى الأقل سعرًا والأكثر جودة، وأكثر ما يطلبه زبائنها «الكب كيك، والحلويات المغربية، والبسبوسة، والكنافة، ولقمة القاضى».

مروة: مكسبى فى الشهر 3 آلاف جنيه
«بطبيعتى بحب المطبخ جدًا، بحس بمتعة كبيرة وسط الحلل والأكل وصوت الطشة».. هكذا تحدثت مروة جمال، البالغة من العمر 34 عامًا، عند سؤالها عن مهنتها كـ«شيف» تعمل من المنزل مع توصيل الطلبات إلى المنازل.

تحكى «مروة» عن بداية اكتشافها حب الطهى: «كنت لسه فى مرحلة الثانوية العامة، ولقيت نفسى باستمتع بالتسوق وشراء خامات الأطعمة من الأسواق، ودائمًا أحب أقف بالساعات فى المطبخ علشان أطلع أطباق من صنع إيديا، وأحس بسعادة غير طبيعية لما حد من أهلى يبقى فرحان وهو بياكل ويشكرنى».

كانت تجد تشجيعا كبيرا من والدتها، وبرغم فشلها أحيانًا فى إعداد بعض الأطعمة فإنها لم تستسلم، وأصرت على التميز من خلال الاستماع لنصائح والدتها والأكبر سنًا، إلى أن تمكنت وهى فى العام الأول من الجامعة من تحضير سفرة كاملة بمفردها أبهرت جميع الحضور.

تذكر «مروة» خطواتها الأولى: «تحضير الأكل بالنسبالى حياة، وأكتر حاجة بتخلينى مبسوطة إن حد يشوف أكلى ويسألنى إنتى إزاى قدرتى تعملى كل ده لوحدك، والحمد لله أول ما اتجوزت لقيت جوزى واقف جنبى وبيشجعنى فى كل خطوة بخطيها، بالعكس هو اللى شجعنى أنى أعمل صفحة على فيسبوك».

لا تنسى «مروة» هذه الكلمات البسيطة التى غيرت حياتها قبل أربع سنوات، عندما قال لها زوجها ذات ليلة: «ليه يا مروة ماتشتغليش فى بيع الأكل من البيت مادام انتى موهوبة كده».

لم تضيع الفرصة وقتها، ودشنت صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، تحمل اسم «LOGAR»، وعند سؤالها عن سبب تسمية الصفحة بهذا الاسم، أجابت أن هذه الحروف تمثل أول مقطع من اسم ابنتها الكبيرة «لوجين»، وآخر مقطع من اسم ابنتها الصغيرة «لوجار»، اللذان تساعدانها كثيرًا فى تحضير الطلبات.

تتابع: «جوزى هو اللى بيوصل الطلبات للأماكن البعيدة، وهو المسئول عن تنسيق مواعيد الأوردر، وشراء الخامات لو أنا مش فاضية، وكمان بيعرف يعمل أكل معايا كتير، وأهله علطول بيشجعونى إنى أنجح فى مجالى».

«ناس كتير بتستغرب إيه علاقة حبى للأكل بدراستى علشان أنا متخرجة فى كلية تجارة جامعة عين شمس، لكن مابيفرقش معايا نظراتهم لىّ ولا تعجّبهم من طبيعة شغلى، أنا فخورة بكل اللى عملته ولسه هعمله». لم تنس «مروة» تشجيع غيرها من السيدات المقبلات على تنفيذ الفكرة: «العائد المادى كويس الحمد لله.. مكسبى من الأوردر العادى اللى مفيهوش شغل كتير 200 جنيه، إنما الأوردر الكبير ممكن يوصل لـ500 جنيه، وأحلى أيام فترة المواسم، خاصة العيد ورمضان، ومكسبى فى الشهر بيوصل لـ3000 جنيه، ده غير إنى مش بصرف على أكل البيت».

رحاب.. مهندسة تحوّلت إلى طباخة ماهرة
فى المصانع وورش العمل تجدها تتابع فنون دراستها، وتتعلم كل ما يؤهلها للنجاح والوصول إلى مرحلة متقدمة فى دراستها، إلى أن تمكنت من التخرج فى كلية الهندسة بقسم الميكانيكا، جامعة المنوفية، وبرغم شغفها بدراستها فإن موهبتها الأولى كانت فنون الطهى، التى لم تغب عن بالها.

تقول رحاب حربى، صاحبة الـ 53 عامًا، ابنة محافظة البحيرة: «برغم حبى لدراستى وتفوقى بها فإنى كنت أواجه صعوبة فى العمل، بسبب بعد المسافة والتأخر فى الوقت وصعوبة العمل والتعامل فى مجال هندسة الميكانيكا».

وتابعت: «لما اتجوزت بدأت أجرب مع نفسى إعداد الأكلات، وفشلت فى أوقات كتير برغم حبى لفنون الطهى، وبعد 3 سنوات من زواجى قررت تأسيس مشروع خاص بى فى المنزل وهو إعداد الأطعمة وبيعها».

تضيف: «كان زوجى البطل الأول فى نجاحى، فلم يتركنى بمفردى فى بداية مشروعى، وبالفعل استمر عملى لمدة 6 أشهر، ولكن ظروف الحمل والولادة منعتنى من الاستمرار، وبعد فترة عدت مرة أخرى لكن من خلال الظهور على شاشات التلفاز لمدة استمرت 5 سنوات». وتابعت رحاب: «الشغل ده بيساعدنى كويس أوى سواء من ناحية تحقيق موهبتى وإظهارها فى كل مرة أقوم بإعداد وجبة مميزة، أو من خلال العائد المادى الكبير الذى يعود علىّ، والمكسب الأكبر هو مساعدة أبنائى الثلاثة يوسف، وياسين، ويامن»، وتابعت: «العائد المميز هو مساعدتى للبعض من خلال الوجبات التى أقوم بتحضيرها لدار المسنين فى رمضان، وقيام أبنائى بصنع وجبات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين بمجهودهم الخاص دون تدخل منى فى ذلك».

أميرة.. مسئولة توصيل أكلات بورسعيد لجميع المحافظات
لم يمنعها التقدم فى العمر وبلوغها العقد الخامس، عن حلم داعبها ذات ليلة وراودها كثيرًا، لكن كان هناك دائمًا ما يؤخره، أما الآن فلا شىء أبدًا سيثنيها عن رغبتها وحبها لإعداد ما لذ وطاب من الأكلات التى تشتهر بها بورسعيد.

«شغلى كله حاجات معقدة، أنا مديرة حسابات، وتخرجت فى كلية التجارة شعبة إدراة الأعمال جامعة قناة السويس، وشغل الموظفين دايمًا بيتعبنى، مريت بظروف صعبة كتير فى حياتى، مسئولية الأولاد والشغل كبيرة أوى وبتحتاج معافرة، بس وسط كل ده مش بلاقى نفسى غير وأنا واقفة بحضر الأكل، بطلع كل أحزانى فى الأكلات اللى بعملها، وبتطلع تجنن».. هكذا تجد السيدة «أميرة» نفسها بعد يوم طويل من الإجهاد المتواصل.

«بفرح أوى لما أدخل المطبخ وأطلع أكلة لذيذة، مهما بكون تعبانة ورجلى وجعانى من شغل البيت، لكن لما أبدأ اعمل أكل كل التعب بيروح وبحس وكأنى بنت صغيرة عندها 20 سنة». تضحك «أميرة» عندما تتذكر كيف كانت فى بداية زواجها، فحتى إعداد كوب من الشاى كان أمرا بعيد المنال: «قرايب جوزى كانوا بيتريقوا علىّ، مكنتش بعرف أعمل أى حاجة، واضطريت أتعلم الطبخ من عمتى علشان جوزى وأهله بيحبوا الأكل، وفعلًا قدرت أتعلم بسرعة وبقيت أعمل أكل يعجب كل اللى يدوقه».

تقول «أميرة»: «بعد ما بقيت بعمل أكلات لذيذة، اقترحت علىّ بنتى أعمل أكلات وأبيعها من خلال فيسبوك، لكنى رفضت الفكرة فى البداية، خاصة بعد ما واجهت غضبا شديدا من زوجى».

«هو احنا فقرا ولا مش لاقيين ناكل، الناس تقول عليا إيه، مش لاقى أصرف على البيت».. كان هذا رد فعل زوجها الغاضب عندما عرضت عليه الأمر، ما جعلها ترفض مقترح ابنتها. فى النهاية خضعت «أميرة» أمام إصرار ابنتها وأصدقائها: «كلامهم خلانى أقتنع مرة تانية، وفعلًا حضرت بعض الحلويات والأكلات وبعتها من خلال أصدقاء ابنتى، ولأصدقائى بنادى الصيد ببورسعيد، وحصلت على شهرة كبيرة وساعتها قدرت أقول لجوزى على طبيعة شغلى، والمرة دى وافق وفرح بنجاحى وشهرتى وعرض علىّ يساعدنى». تتابع: «دلوقتى عندى صفحة على الفيس بوك فيها 70 ألف مشترك، وبعمل الأكل بسعر كويس ومكسبى الحقيقى هو إعجاب الناس بأكلى، وفخر ابنى وبنتى بىّ، والمتعة الحقيقية أنى بقدر أوصل الأكلات البورسعيدية لكل المحافظات».

وعند سؤالها عن أهم الأكلات التى تطلب منها أجابت: «الحلاوة السوداء، والمنجؤنا وهى أكلة اشتهرت بها محافظة بورسعيد منذ قديم الأزل، وجاءت عن عادة اعتاد عليها أجدادنا وهى حرق عروسة فى يوم شم النسيم».

«أميرة» لديها ابن يبلغ من العمر عشرين عامًا، يعمل معها فى توصيل الطلبات بمقابل مادى، وهو ما يجعلها سعيدة كونها تمكنت من إيجاد عمل له بجانب دراسته.