رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا تكون سيناء أرض الفرص الضائعة


استلمت القوات المسلحة سيناء فيما بعد ثورة 30 يونيو 2013م والنشاط الإرهابى والتهديد المسلح فى أعلى مستوياتهما، رفح والشيخ زويد فى حالة شبه اختطاف من قبل التنظيمات الإرهابية، خاصة فى مناطقهما الأصعب وهى قرى ظهيرهما الصحراوى الممتد جنوبًا والمفتوح على منطقة «جبل الحلال». والعريش العاصمة التى كانت أفضل نسبيًا كانت تتعرض لاختراقات من قبل المجموعات المسلحة، وصلت لحد استخدام قذائف الهاون فى تنفيذ عمليات إرهابية ضد منشآت أمنية وضد منازل للمدنيين، كان المشهد شديد الخطورة والقتامة معًا، حيث كانت الخطورة تعبئ التفاصيل بصورة مرعبة.


مشوار قاسٍ من أعمال المجابهة قامت بها القوات التى استلمت هذا المسرح المعقد، دفعت ودفعنا معها أرواح ودماء أبطال حقيقيين لم يبخلوا بجهد وشجاعة فى إنقاذ الوطن بكامله خلال تفكيك المعادلة السيناوية، وتطهير تلك الألغام الساكنة فى ثنايا مدنها وقراها الشمالية. وبعد ثلاث سنوات تحققت فيهما نجاحات عسكرية وأمنية بأكثر مما يمكن حصره. حيث مارس التنظيم الإرهابى جميع أنواع التكتيكات وكل أساليب المناورة طوال مشوار مجابهته من قبل وحدات الجيش والشرطة، وتلقى فى المقابل ضربات قاصمة قلصت إمكانياته إلى أدنى مستوياتها بداية من النصف الثانى للعام 2016م، وأرقام وإحصائيات العمليات الإرهابية أكثر دلالة وإفصاحا عن هذا الانحسار.

لكن هذا المشوار لم يخل من مفارقة متكررة، وهى الإخفاق فى العديد من محطاته، فى التمسك وتثبيت النجاحات على الأرض والبناء على هذه الانتصارات فيما يمكن أن يقلب مشهد الخطر والتهديد تجاه جانبه الإيجابى. هذه المراوغة والمراوحة هى الملمح الرئيسى الكاشف لصعوبة وتعقيد عمليات «مكافحة الإرهاب»، وسيناء فى هذا ليست استثناء، بل هو يشمل جميع ساحات مواجهته، فيما استدعى عالميا إلى صك اصطلاح «الحروب غير المتماثلة» وصنفت باعتبارها أصعبها.

تواجه سيناء اليوم إحدى محطات تلك المراوغة بخروج عائلات مسيحية من منازلها بمدينة العريش، خوفًا من عمليات إرهابية ارتكب البعض منها ضدهم وخشية من تمددها وتكرارها بحقهم، ومع تفهم هذا الفزع الإنسانى المشروع والتلقائى يمكن بأعصاب باردة تشخيص هذه الواقعة برمتها كونها لحظة إفلات نجاح معقول متحقق بالفعل. وهذا تحديدًا هو تعقيد عدم التماثل بين طرفى المعادلة، ففى الوقت الذى استطاع فيه الجيش والأمن كسر ظهر التنظيم الإرهابى بالفعل يمكن للإرهاب أن يصنع حالة رعب لدى الأبرياء من المدنيين، بمجرد ارتكابه مجموعة محدودة جدًا من العمليات الإرهابية منخفضة التكلفة، ليعيد الكرة مرة أخرى لفتح تساؤلات أكثر مشروعية عن حالة الأمان داخل مدينة العريش، ومقدار تحققها تجاه المواطنين عامة فى ممارستهم لحياتهم الطبيعية فى شوارعها ومنازلهم، والسؤال فى تمدده المنطقى قد يصل إلى منطقة هل نجحنا فى الحرب على الإرهاب، وهذا لب ما يستهدفه الإرهاب فى التفافه إلى تصويب بنادقه تجاه المدنيين وهو ما كان الأجدر على إجهاضه مسبقًا، عبر تثبيت النجاح أو تدعيم فصوله التى أفلتت واحدًا تلو الآخر تحت وطأة المدة الزمنية التى صارت ضاغطة على أعصاب الجميع، فضلًا عن مجموعة من الإشارات التى فتحت الأبواب على هذه المساحة من عدم اليقين.

الوضع الاستثنائى والحالة العامة أو الجزئية للطوارئ ومظاهر التقييد بأشكالها هى جميعها الأبرز فى إخفاء أى من النجاحات، وهى فى تفاصيل تنفيذها على الأرض قادرة على إجهاض أى بناء إيجابى. ملامح الحيوية لأجهزة الدولة المختلفة غائبة تماما تحت ذريعة انتظار نهاية الحرب على الإرهاب، وتأجيل التعاطى مع المشكلات المزمنة لأرض وأهالى شمال سيناء بأى من الحلول المبتكرة، فضلًا عن اقتصار المشروعات العملاقة على منطقة القناة وهى بالأساس بعيدة نوعا ما عن قلب الحدث المراد تحريكه إلى الأمام، كل هذا مما يكرس حالة الانغلاق والعزلة، وكان من الواجب استهداف عكسه تمامًا. فحصار الإرهاب بالأحداث والحركة والبشر هو البديل الموضوعى الذى يجعل النجاح ظاهرًا وجليًا للعيان، ولا يسمح له أن يمر كمجرد مشهد لفرصة مؤجلة أو ضائعة ربما لا تعود.