رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوار مع شيخ أزهرى


قال صديقى الأزهرى: ماذا تريد بالضبط؟!.. أريد أن نعود إلى النسخة الأصلية للإسلام، وهل هناك عدة نسخ مزيفة لديننا؟.. إى وربى، توجد نسخ الخوارج والتكفيريين والإخوان والسلفيين والدواعش، على سبيل المثال، ونسخ أخرى متعددة لا أكاد أحصيها نسخت الصحيح ووضعت بدلا منه هواها، فكان هواها دينا!.

باغتنى صديقى الأزهرى: وما الذى دعاك لخوض غمار السنة التى عليها أهلنا أهل السنة والجماعة؟.. إن كانت لديك ملاحظات فاذهب بها إلى العلماء الكبار وهم سيقولون لك ما خفى عنك، ولا داعى لإثارة البلبلة بين العامة فنحن فى فترة حرجة لا تحتمل الفتنة!.

حسنٌ ولكن أترى لو أننى كتبتُ على منوال ما استقر عليه جمهور أهل الحديث فهل أكون قد أحسنت؟.

ياحبذا لوفعلتَ ذلك.

انتظر لعلك لم تفهم مقصدى، أقول لو كتبتُ ما استقر عليه علماء الحديث فهل يجب علىَّ أن أذهب للسادة العلماء كى أطرح عليهم ما سأكتبه؟.

ليس بالضرورة طالما أنك ستسند ما تكتبه إلى أصحابه من أهل السلف.

ياللعجب! أئذا كتبتُ متفقا أكون قد أصبت، وإذا كتبتُ مختلفا أكون قد صبأت؟! فلماذا دعانا الله إذن لتدبر القرآن فقال «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها»، وقال «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» ألا يكفينا وفق منطقك أن نقرأ تدبر ابن عباس وابن مسعود وابن كذا وكذا، ونقول لله لقد كفونا مؤونة التدبر، وعلى فكرة يا مولانا، التدبر هو التفكر على مهل وإعمال العقل، وهو أمر موجه من الله إلى كل الناس، وليس إلى فئة من الخاصة دون العامة.

يقول مولانا الشيخ الأزهرى: لا تنس يا صديقى أن الأمة على كثرتها توافقت مع ما استقر عليه أهل الحديث، أليسوا هم عماد أهل السنة والجماعة، حتى الفقهاء قبل أن يأخذ الواحد منهم خطوة ناحية إعمال أدواته الفقهية فى النص «الحديثى» فإنه يعود لعلماء الحديث ليسألهم عن صحة هذا النص، فإذا صح عندهم خاض غمار الفقه وأعمل أدواته فيه، وإلا فلا، يجب أن تتبع يا أخى ما استقر عليه القدماء من الآباء والأجداد، فهل تظن أنك أنت الذى سيفهم ما لم يفهمه القدماء!.

ولكن ما تقوله نهى عنه الله يا مولانا!.

نهى! كيف يا أخى؟!.

ألم تتدبر القرآن بعد يا مولانا! لقد قال رب العزة «واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون» ولعلك لم تتدبر قوله تعالى «بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون» ثم إنك يا مولانا نسيت شيئا هاما جدا!.

ما هو؟.

نسيت أن الكثرة لا تعنى الحق، الكثرة يا مولانا، طيب الله ثراك، ليست معيارا للصواب، وإلا لكانت الأديان الأخرى هى الأصوب لأن أتباعها على مدار التاريخ كانوا أكثر من المسلمين، وربنا ذم فى كتابه الكريم الكثرة فقال: «وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله»، وقال «ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا»، وقال سبحانه «ومَا أَكْثر النَّاس وَلوْ حَرَصْتَ بِمؤمنين» وغير ذلك مما لا يتسع المقام لذكره، اسمع منى يا مولانا، أنترك الأمة على فهم متعسف للدين؟ هل توافق تلك الأفهام التى جعلت الحديث مساويا للقرآن، ومتوازيا معه بحيث يستكمله وينسخه! هل تعرف أن عددًا كبيرًا من الجماعات قامت على أحاديث منسوبة للرسول، صلوات الله عليه، ما أنزل الله بها من سلطان؟ لا أظنك تتذكر سرقة محلات الذهب الخاصة بالأقباط فى فترة الثمانينات، ولكن انظر الآن لما حدث من تفجير لكنيسة البطرسية ومن قتل وحرق للأقباط فى العريش! هل تعرف أن الجماعات التى تمارس تلك الأفعال النكراء إنما تستمد فكرتها من حديثٍ منسوب لرسول الله، صلوات الله عليه، هو «بُعثت بين يدى الساعة بالسيف، وجُعل رزقى تحت ظل رمحى، وجعل الذل والصغار على من خالفنى» فجعلوا من نبينا المصطفى الذى هو رحمة للعالمين قاطع طريق، يسترزق بالسيف والرمح! إذا كان هذا يريح السادة العلماء فلنغلق الكتب ولنمزق الأوراق ولندع الفهم المتعسف للدين هو السائد مخافة أن نفتن الناس! إذا كان إغضاب علماء الحديث يروعكم، أفلا يقع فى قلوبكم مقدار خردلةٍ من خشيةِ الله! لعلماء الحديث أن يدافعوا عن أرزاقهم التى يكتسبونها من هذا العلم، فهم لم يضيفوا إلى علم الحديث شيئا، ولكنهم أخذوه «نقل مسطرة» دون أى تصرف، وكأن الله أعطى القدماء عقولا، وأعطاهم ماكينات تصوير مهمتها النقل فقط، ولكننا نحمد الله أننا لا نسترزق من هذه الأبواب، لذلك فإن الدين الصحيح هو ما نبغيه، والدين الصحيح ليس هو دين أنزله الله للخاصة وطلب منا أن نخفيه عن العامة! ولكنه دين كل الناس، العامة منهم والخاصة، بسيطهم ومعقدهم، فقيههم وخاملهم، ثم انتظر يا مولانا، عن أى فتنة تتحدثون والدنيا من حولنا تموج بالفتن، لا أظنكم تخشون على أمتكم من فتنة تبعد الناس عن دينها، وإلا لوقفتم جميعكم ضد جماعات التطرف والإرهاب والخيانة، أنتم يا شيخنا ومن معكم من علماء الأزهر ماذا فعلتم لمقاومة الفكر المتطرف؟! والله إنى لا أرى إلا أنكم عن الجمود تبحثون! وداخل جبيرة جبس صُنعت فى القرون الأولى تضعون دينكم.

وحتى تهدأ يا مولانا سأقفز بضع خطوات لتفهم وليفهم عشرات الأصدقاء الذين ناقشونى ماذا أريد، كنتُ أسير معكم بروية وهدوء لنصل معا إلى نتيجة مؤداها أن لا أحد من الممكن أن ينكر الحديث الصحيح، ولكن ما هو معيار الصحة؟ هل السند فقط، أم أن المتن هو الأولى للحكم على صحته؟ ثم ما هى وظيفة الحديث؟.

طبعا أنتم تدركون أن المتن هو موضوع الحديث، والسند هو سلسلة البشر الذين رووا الحديث إلى أن تم تدوينه كتابة فى القرن الثانى الهجرى، ولأنكم تعرفون أن الله سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم «ذلك الكتاب لا ريب فيه» إذن فإن كل كتاب بعد كتاب الله فيه ريب، لذلك فلا ريب أن البخارى ومسلم وأصحابهما فى كتبهم ريب، وتعرف أيضا من تدبرك للقرآن أن الله قال «وأنزلنا إليك الذكر لتُبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون» إذن تكون وظيفة الحديث تابعة للقرآن لا مكملة له أو ناسخة لأحكامه أو مختلفة مع نصه، فإذا وجدنا على سبيل المثال حديثا ثبت صحة سنده ولكن متنه قال «الوائدة والموءودة فى النار» فإن لنا أن نرفضه بقلب مطمئن، لأن الله العادل الرحمن الرحيم قال فى القرآن «وإذا الموءودة سُئلت بأى ذنب قُتلت» ولا تقل أبدا إنه من الممكن أن نبحث عن تبرير لدخول الموءودة النار، أو تقول: معلهش تُدخل النار المَرَا دى والأجر والثواب على الله يا سيدنا علشان الحديث يبقى صحيح!.