رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العدو يكشف عن نواياه


أعلنت إسرائيل عن اجتماع العقبة، وأعلنت عن قيامها بقصف أهداف لداعش فى سيناء، ثم الحديث عن إنشاء حلف ناتو عربى سنى ضد إيران. المقصود ليس الإعلان، وإنما إحراج العناصر العربية، خاصة مصر.


فى اجتماع العقبة الهدف هو إحراج القيادة المصرية نتيجة لاحتفاظها بسرية المعلومة، وهى تعلم أن العلاقة مع إسرائيل إحدى النقاط الحساسة فى السياسة المصرية نتيجة للكراهية الموروثة، ورفض الكثيرين لمعاهدة السلام معها، السؤال لماذا لم تعلن عن الزيارة فى وقتها، ولماذا تعلنها الآن؟ اللقاء وفقًا للمصادر الإسرائيلية والأمريكية كان يضم رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى وملك الأردن عبدالله الثانى، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيونى، وجون كيرى، وزير الخارجية الأمريكية حينئذ، وإذا كنت لا أنوى الدفاع عن تصرف الحكومة والرئاسة، فإنى أتصور أن الاجتماع تم بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكى، والغالب أنه طلب عدم الإعلان عنه، فى تصور أن هذا يساعد على نجاح مبادرته، التى تصور أنها يمكن أن تفتح الانسداد فيما يسمى مسيرة السلام، وقد التزمت به جميع الأطراف نحو عام كامل، إلى أن أعلنت إسرائيل عنه مؤخرًا ودون أن تخطر باقى الأطراف.

هناك من يسعى إلى استغلال الواقعة لإضعاف موقف القيادات العربية المشاركة، وعلى وجه التحديد القيادة المصرية والقيادة الأردنية، وربما كان هناك تصور أن الإعلان يمكن أن يدفع الدول العربية للقبول بالشروط الإسرائيلية، والتى تطالب من ناحية باعتراف الدول العربية بيهودية الدولة المسماة إسرائيل، ومن ناحية ثانية تعاون الدول العربية مع إسرائيل ضد إيران. ليس فيما سبق دفاع عن التصرف، لكنه محاولة للوصول إلى تفسير معقول، لكنى فى نفس الوقت أعتقد أنه كان يجب الإعلان عن اللقاء بمجرد وقوعه، وعدم إتاحة الفرصة لأطراف معادية لاستغلال عدم النشر للتشكيك فى تصرفات القيادات العربية بالقول بأنه لولا أن اللقاء تناول موضوعات وقرارات تخجل القيادات العربية من الإعلان عنها لما احتفظت بسريتها، وهو ما لا يمكن تأكيده وإثباته، وربما جاء الإعلان الإسرائيلى بعكس النتيجة، حيث كان لقاء الرئيس المصرى والملك الأردنى ليؤكد التمسك بثوابت الموقف المصرى والعربى، وبالتالى يصبح ارتباطا بالتمسك بثوابت القضية، وتأكيدا على أن محاولات تغيير الموقف المصرى ستبوء بالفشل، ويمنع أن توافق القمة العربية فى عمان، شهر مارس المقبل، على أى تغيير مهما كان طفيفًا فى موقف مصر وربما فى الموقف العربى. هنا يجب أن نتذكر أنه رغم معارضتى الشخصية لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإن السلطات المصرية، بما فيها رئاسة الجمهورية، قد التزمت بالمعاهدة، وأن حسنى مبارك قابل نتنياهو أثناء رئاسته، وأن محمد مرسى استمر فى الالتزام بالمعاهدة مع توليه للرئاسة، وربما لم ننس بعد ما ورد فى خطابه إلى شيمون بيريز، وهذا لا يمنعنى من أن أطالب الرئاسة والخارجية ومجلس الأمن القومى بألا نخفى شيئا، وأن من حق المواطن المصرى أن يعلم موقف حكومته منها وليس من أى مصدر آخر، كما أؤكد أن إسرائيل تؤكد مرات أنها ليست الطرف الذى يمكن الاطمئنان إليه، بل إنها ليست الطرف فى علاقة سلام، وأن ما قامت وتقوم به، خاصة فى علاقتها مع الشعب الفلسطينى، يؤكد أن مجرد وجودها يشكل انتهاكا للأمن، سواء على مستوى مصر أو على المستوى العربى أو على المستوى الدولى، ومن يشك فى ذلك فعليه أن يقرأ قرار مجلس الأمن بخصوص الاستيطان، والذى يتميز بأنه أفلت من الفيتو الأمريكى نتيجة لتعنتها وانتهاكها كل قيمة متفق عليها.

يرتبط بما سبق ما أعلن عن دعوة لتشكيل حلف ناتو عربى سنى يضم مصر ودول الخليج وإسرائيل، ومرة أخرى ليس هناك - حتى الآن على الأقل - ما يؤكد الموافقة على ذلك، لكنى أحذر من الاندفاع فى هذا الاتجاه، فالعرب لديهم معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى، وهى التى تشكل الحلف العربى، وأن التفرقة بين العرب على أساس دينى أو مذهبى أمر غير مقبول، وأن التعاون بين الدول الأعضاء فى معاهدة الدفاع المشترك وحلف شمال الأطلنطى يجب أن يكون بين العرب كحلف أو مجموعة، وحلف شمال الأطلنطى كمجموعة أيضًا، وأن الانضمام إلى أى حلف آخر أو الموافقة على أى تسهيلات لدولة أو مجموعة دول يهدد حرية القرار، ويجر العرب إلى صراعات تضر بمصالحهم، فى حين أن التعاون كمجموع يمكن العرب من الاستفادة من التعاون مع الدول الأخرى مع الاحتفاظ باستقلال القرار. هكذا يمكن أن نفوت على العدو ما تصوره فرصة لإحراج مصر وقواتها بعد أن كشف عن نواياه!.