رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الصحفيين».. نقابة تنتظر رجلًا رشيدًا


وسط نظرة مجتمعية للصحافة، شديدة السلبية، ومهنة تحتاج إلى من يعيد لها الاحترام والهيبة، ورؤية متشائمة بأن هذه المهنة لن تقوم لها قائمة، لأن القادم أسوأ.. قرأت الحوار الذى أجرته الزميلة جريدة «الوطن» مع الأستاذ ضياء رشوان، النقيب السابق للصحفيين، رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ونُشر يوم الثلاثاء الماضى، على صفحة كاملة.. ثم أعدت قراءته، محاولًا استيضاح الرسالة التى يود ضياء إيصالها إلى الجماعة الصحفية، من وراء حواره، فى وقت يسبق انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، بأيام قليلة، لتجديد الثقة بالنقيب الحالى، يحيى قلاش، أو اختيار عبدالمحسن سلامة بدلًا منه، أو الاستقرار على زميل جديد، من بين من ترشحوا للمنافسة على المنصب الذى يمثل همًا كبيرًا لمن سيشغله، بعد ما ثار حول النقابة من لغط، يخص كينونة الصحفى، وقيمته، ووضعه الحالى فى المجتمع، وعلاقة النقابة بغيرها من مؤسسات الدولة، والوصول بها إلى مرحلة من السلام المطلوب لبلد فى معترك التغيير، وصولًا بالوطن إلى بر الأمان، وفى وقت الدولة أحوج ما تكون فيه إلى تكاتف كل الجهود، والإعلام فى مقدمتها، واحدًا من قواها الرئيسية، يمثل الرأى العام داخليًا، والعلاقات الدولية خارجيًا.. يُبصر ويُفسر، ويبعث على الأمل، بعدما ضاقت النفوس بما يُثار من أقاويل وشائعات، وما يُكاد لهذا البلد من تشكيك فى إنجازاته، وما إذا كانت قيادته تسير به نحو بر الأمان.



ولعلنا نرى، بأم أعيننا، تلك الفوضى العارمة التى ملأت الدنيا صياحًا، وبعثت فى النفوس هياجًا، يوم بات المواطن يسمع الشىء ونقيضه، عبر وسائل الإعلام، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعى، آفة العصر التى تستوجب التحجيم والحد من تأثيرها، كواحدة من أدوات حرب الجيل الرابع، بعد ما سماها البعض ثورات الربيع العربى.

لم تسفر قراءتى لحوار ضياء رشوان عن شىء إيجابى، تلتف حوله الجماعة الصحفية، لعله يكون طوقًا للنجاة، بل إنه ذهب بعيدًا، عندما طالب هذه الجماعة بإبطال أصواتها، تعبيرًا منها عن عدم رضاها عن أى من المرشحين الأساسيين فى الانتخابات القادمة، وهو تحريض ما كان له أن يكون من رجل يطالب بتصحيح الصورة السلبية المأخوذة عن الصحفيين، وأول ملامح هذه الصورة هو التشرذم الذى تبدو عليه هذه الجماعة، فلا أقل من إظهار توحدهم والتفافهم حول انتخاب نقيب من بين المرشحين للمنصب، ناهيك عن أن كل شخص حر فى اختياره، دون إملاء أو توجيه، لأن الجماعة الصحفية هى من تقود ولا تُقاد، ولا تنتظر من أحد أن يرشدها إلى صواب الفعل وتجنب قبيحه، فالأيام دقت بطبولها كثيرًا فوق رءوس هؤلاء الناس، المنكوبين، فى مهنتهم ومؤسساتهم، ولقمة عيشهم، وهوانهم على الناس، بعدما هانوا على ممثليهم، ومن يملكون أمرهم، ممن لم يكن لهم أى جريرة فى اختيارهم، وأقصد بذلك، المجلس الأعلى للصحافة، الذى ابتلى المهنة بما ابتلاها به، وكان عونًا للزمان عليها، وسط صمت أو مباركة من النقابة.. الأمر سيان!. لا أحد يُنكر سوء ما وصل إليه موقف النقابة، فى أزمتها الأخيرة، مع وزارة الداخلية، ومع الدولة برمتها، بل مع الرأى العام الذى اكتشف أن هناك من يُزين رأسه بريشة، مع أن الكل سواءٌ أمام القانون.. ومع هذا.. كنا نود احتواء الأزمة فى مهدها قبل استفحالها ووصولها إلى أروقة المحاكم.. لكن أن يأتى ضياء الآن ويؤكد أن تفاهمات قد جرت، قبل فتح باب الترشح للتجديد النصفى للنقيب ونصف أعضاء مجلس النقابة، وأن هناك حلًا سياسيًا يمكنه أن يُنهى مشكلة النقيب وسكرتير عام النقابة وأحد أعضاء مجلسها، بشروط، وسيؤدى هذا الحل إلى إنهائها بعيدًا عن القضاء، فليس من الحصافة لرجل، يقول بأنه سياسى مُخضرم، ونقيب سابق، أن يأتى بما يُعد مأخذًا على الدولة ويشير إلى أنها تلتف حول القضاء، ويمكنها العبث فيما هو أمامه من قضايا، له هو وحده القول الفصل فيها، مقابل تأخير النقيب ترشحه يومين، حتى يكون الحل بعيدًا عن كونه نقيبًا!.. ذلك مما لا يجوز طرحه على الملأ، وعبر حوار تقرؤه جماعة كبيرة.. إذا كان ذلك صحيحًا، فالقول مردود عليه بأن تلك مساومات لا تجوز أن تدخل الدولة طرفًا فيها، حتى ولو من باب الإصلاح بين المتخاصمين، لأننا نحط من هيبة القضاء، ونضعف من قوة الدولة، ونظهر الآخر على أنه قابل للمساومة، ما دام فى الأمر مصلحة له وللمتضامنين معه فى قضيته. لا أدافع عن يحيى قلاش أو غيره، فهم أقدر الناس على التصدى لمشاكلهم، وتحمل تبعات ما ركنوا إليه فى أزمتهم مع وزارة الداخلية والنيابة العامة.. لكن، لا يجب دس السم فى العسل، ونحن نرى من يُذكر بأن عبدالمحسن سلامة كان مرشحًا للحزب الوطنى فى انتخابات مجلس الشعب، وأن قلاش لم يُمارس السياسة، مع أن جُل مآخذنا على مجلس النقابة، ونُقبائها، خلال الفترة الأخيرة، ذلك الاتجاه الحاد نحو السياسة، مع أن التركيز يجب أن يكون على العمل النقابى، بعيدًا عن أهواء الأيديولوجية.. ومع أن ضياء قد أبان فى الحوار أنه فارس السياسة، كما أنه عملاق العمل النقابى، وأنه الرجل الواصل مع كل الأطياف والتيارات والمسئولين، بقوة تأثير لم تتوفر لغيره من الزملاء، حتى شيخ الصحفيين، الأستاذ مكرم محمد أحمد!، ومع هذا لم يترشح.. لماذا لا أدرى.

كان بإمكان ضياء رشوان المنافسة على مقعد النقيب، إذا كان يرى فى نفسه كل هذه الصفات السابقة، ويدرك أن لديه من قوة التأثير، ما يمكنه من إنصاف زملائه، وعودة النقابة إلى سالف عهدها من القوة، وينافح من أجل اعتدال الحال المايل فى أوضاع فئة تدافع عن كل الخلق، ولم تجد هى من يدافع عن حقوقها.. هانت النقابة على أبنائها، فهانت على الناس.. ونرجو ألا نرى اليوم الذى تُغلق فيه أبوابها، يوم أن تُفرض عليها الحراسة، وما جنى عليها أحد، لكن هذا ما سيجنيه عليها أبناؤها.. فهل ندرك الحقيقة قبل أن يدهمنا الوقت؟!. حفظ الله مصر.. من كيد الكائدين.