رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نصَّاب من جهة رئاسية


بغض النظر عن موقفى الشخصى من قرار الموافقة على قبول إعادة جثمان مفتى الجماعة الإرهابية، الشيخ عمر عبدالرحمن، من الولايات المتحدة ودفنه فى مسقط رأسه بمصر، باعتبار أن أى إرهابى أو محرض على جرائم القتل والعنف والتكفير، قد سقطت عنه أولى أبجديات المواطنة بكافة حقوقها المعروفة، إلا أن ما لفت الانتباه فى مشاهد جنازته، كان صورة سيارة تحمل شعار رئاسة الجمهورية.



والأقاويل التى انتشرت ـ دون تأكيد رسمى ـ عن حضور مستشار لرئيس الجمهورية لمراسم العزاء، إضافة لتحمل الدولة نفقات شحن الجثمان، وما قاله نجل عمر عبدالرحمن فى إحدى الفضائيات عن تسهيلات أمنية ورسمية لتأمين الجنازة وغيرها.. وهو الأمر الذى أحدث ردود أفعال متناقضة فى الشارع المصرى.. وربما مشاعر احتقان غير عادية تتساءل عن جدية الدولة فى التعامل مع رموز الإرهاب وشخوص الداعين للقتل والتكفير، أو بمعنى أوضح عن حقيقة الرسالة التى ترسلها مؤسسات الدولة للشعب وفى هذا التوقيت الحرج بالذات، الذى تحارب مصر فيه الإرهاب وتقاتله وتدفع من دماء أبنائها الكثير من الشهداء والمصابين.

صحيح أن الرد الأمنى، جاء سريعًا بالإعلان عن القبض على «المستشار» المزيف والنصاب، الذى انتشرت صورته عبر المواقع ووسائل التواصل الاجتماعى، واتضح أنه «سوابق» وحاصل على دبلوم تجارة وهارب من تنفيذ 35 حكمًا جنائيًا.. وصحيح أيضًا أن هناك العديد من محاولات النصب باستغلال اسم رئيس الجمهورية فى عدة محافظات سواء للحصول على تسهيلات أو للابتزاز وتحقيق مصالح شخصية، ولكن أليس من المفارقة أن مثل هذا «النصب» لم يحدث بهذا الشكل وبهذه الصورة المتكررة مع أى رئيس مصرى سابق أو أسرته، والأخطر ـ فى رأيى ـ لماذا ظهور هذا المحتال باسم الرئيس فى ظروف تشييع أحد قادة التطرف والإرهاب بالذات؟. وهو مشهد ليس فيه أى كسب مادى أو تحقيق مصلحة نفعية أو استغلال نفوذ؟

بوضوح، التفسير الوحيد يتجاوز مشهد «المنظرة» الفارغة، ويصل حد إرسال رسالة للناس تضرب صميم التوجه الوطنى فى هذه المرحلة، لإفقاد الثقة الشعبية فى «الرئيس» ومعه كل الدولة المصرية، والإيحاء للمواطنين بأن الدولة التى تعلن محاربة الإرهاب واتخاذ مواقف صارمة تجاه منظريه وشيوخه ومفتيه، تضحك عليكم وتتاجر بشهدائكم ودمائكم، وأنه فى الوقت الذى تقول فيه إنها تعانى من تبعات الإرهاب، ها هى تقدم التسهيلات وتتحمل النفقات، بل تحضر الجنازة والعزاء!.

قد يقول البعض، إن هذا ظرف إنسانى، وإن الرئيس هو رئيس لكل المصريين، وإنه لا يحمل ضغينة شخصية لأحد، وكل هذا صحيح.. إلا أن الرد البسيط يكون هو التساؤل عن هذا التعامل الإنسانى سواء من قبل عمر عبدالرحمن نفسه، أو من قبل أتباعه الذين ينصاعون لفتاواه بالقتل والتكفير أو التحريض على الدولة.

من منطلق خبرتى الأمنية الطويلة، وتحديدًا فى ملفات التعامل مع جماعات الإرهاب والعنف، أرجو ألا يتم التعامل مع هذا الأمر بالذات، كأى محاولة نصب أو احتيال عادية، تنتهى بمجرد قضية أو جنحة، ولكن ينبغى أخذها فى إطار الحرب النفسية التى تقودها جماعة الإرهاب وأذرعها التى هللت وكبّرت تشكيكًا فى الدولة ورمزها الرئاسى، ضمن حملاتها الدائمة لضرب الثقة بين الرئيس والشعب، خاصة ونحن نخوض حربين ضد الإرهاب بنوعيه: المسلح والاقتصادى.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد!.