رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«البطاقة الشخصية» حلم «محمود» منذ 20 عام

جريدة الدستور

هبط من محافظة بني سويف إلى القاهرة، حمل خلال رحلته أحلامًا كثيرة، رافقته طوال سفره، لكنها سريعًا ما تخلت عنه فور انتهاء الرحلة، بدأ مشواره بالعمل في طائفة المعمار، وقرر استكمال حياته بمفرده بعد أن تخلت عنه زوجته وابنه الوحيد، عازمًا على العيش فى مكان بعيد عنهم، كي لا يتذكر تلك «الأيام السوداء» كما وصفها، التي عاشوها سويًا.



إمام جامع «أبي هريرة» بمنطقة «أم المصريين»، يجلس «محمود إبراهيم» تبدو ملامحه غاضبة طوال الوقت، وكأنه لم يضحك منذ مئات السنوات، يتجه بنظره في الأرض وكأنه يرفض متابعة أي شيء يدور حوله، لم يحلم ذلك الرجل بمال أو بمأوى يعيش فيه أو طعام يشتهيه، وإنما تلخصت أحلامه في بطاقة شخصية، الشيء الذى تجسدت فيه كل معاني الحياة في منظوره، يقول: «مش عارف اشتغل ولا عارف أعمل أي حاجة في حياتي بسبب البطاقة، لو طلعتها هقدر أعمل أي حاجة ومش هحتاج مساعدة من حد».


يتذكر الرجل الستيني اليوم الذي فقد فيه بطاقته، حيث انتهى من عمله بعد يوم طويل شاق، وخلد إلى النوم أمام الجامع كما اعتاد أن يفعل: «كان أول أسبوع ليا في القاهرة ومكنش لاقي سكن، وكانت أيام البطاقة الورق، اتسرقت المحفظة كلها مني ولحد الآن مش عارف أطلع بطاقة غيرها، كان لازم حد يروح يضمني وأنا في القاهرة بطولي مليش حد، وشغل المعمار فلوسه قليله ومش دايم ومعرفتش أكمل فيه بسبب البطاقة، صاحب الشغل قالي لو عملت حاجة نجيبك إزاي وقتها».


20 عام مضت ولا زالت حياة «محمود» كما هي، لا يتجدد شيء فيها سوى الألم والمعاناة، يقضي يومه أمام الجامع،بينما يمنحه بعض الجيران الطعام والشراب بين الحين والآخر: «ببات على باب الجامع من غير بطانيه ولا أي حاجة، وتعبان على طول لو مشيت شوية أقع من طولي، حلمي إن حد يساعدني وأطلع البطاقة بتاعتى تاني، عشان أقدر أشتغل واكل وأشرب وأشوفلي سكن، مش عاوز أموت وأنا كده، نفسي أعيش زي باقي الناس».