رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر قلق هيكل من "أحاديث الجزيرة"

 محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لرحيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، تنشر «الدستور» الفصل التاسع من كتاب "أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز"، للكاتب الصحفي عبد الله السناوي أحد أصدقاء الراحل المقربين.

وفي هذا الجزء يسلط "السناوي" الضوء على أحاديث "هيكل" في قناة الجزيرة، والقلق الذي انتابه من تأثيرها على الرأي العام العربي.


استبد به قلقه على غير عادته، وتفكيره كله دار حول سؤال واحد: «تُرى كيف يستقبل الرأى العام العربى أحاديثه التى تبدأ قناة الجزيرة بثها هذا المساء؟».
هكذا كان عليه حاله صباح الخميس (٨) يوليو (٢٠٠٤).
كانت تلك مغامرة مهنية كاملة، فهو تعوّد أن يكتب وجهة نظره على ورق، أو يدلى بأحاديث تليفزيونية يحاوره فيها مذيع كفء يدرك أدوات مهنته ويتحمل مسئولية ضبط الإيقاع ومستوى الأسئلة التى تدخل فى شواغل الرأى العام.
هذه المرة فهو يتحدث وحده من خلف مكتب، يشغل المشهد كاملا لمدة تقارب الساعة باستثناء صور خاطفة على الشاشة لوثائق يتحدث عنها، أو لشخصيات يتطرق إليها.
كانت الفكرة التى استقر عليها ـ رغم ممانعات استمع إليها ـ أن يمزج فى روايته لـ«سيرة حياة» بين قصص خلفية لم يتسن من قبل أن رواها فى رحلته المهنية والسياسية الطويلة ورؤى جديدة فى أحداث جارية ومراجعات ـ بالوثائق ـ لمحطات فارقة فى التاريخ العربى الحديث تكشف وتنير ما غمض من أسرار.
كان يدرك أن خرق القواعد المستقرة فى الصورة التليفزيونية تحدٍ يصعب تجاوزه بسهولة.
تحمل مسئولية المغامرة التليفزيونية، لكنه لم يستطع أن يغالب قلقه.
سألته فى ذلك الصباح: «لماذا كل هذا القلق، فاسمك وتاريخك ضامنان للقبول العام الذى تطلبه؟».
قال: «لا تنس أن آخر مرة وقفت فيها أمام الكاميرا مرت عليها ثلاث سنوات باستثناء مرة واحدة مُنع بثها».
«هذا عالم جديد، لا هو عالمى ولا مجاله مجالى».
«فى كل مرة أكتب، أو أتحدث، أشعر بأننى أمام امتحان جديد».
كأى مغامرة من مثل هذا النوع فإنها قد تكسب وتؤكد قيمة، أو تخسر وتسحب من رصيد.
فى تكتم مطبق سجّل عددا من الحلقات جاء الآن وقت بثها واحدة إثر أخرى مساء كل خميس.
فى الليلة السابقة لبث الحديث الأول دلف إلى سريره ـ يصاحبه قلقه ـ بعد الثانية عشرة ليلا، وهو الذى تعوّد أن ينام قبل العاشرة على أقصى تقدير.
فى ذلك التوقيت المتأخر فوجئت باتصال هاتفى حاورنى فيه ببعض ما قلت لإذاعة الـ«بى بى سي» من تعليق على حدث جارٍ، وهو اعتاد أن يستمع إليها كلما وجد وقتا أو أصابه أرقا.
سألته مستغربا: «لماذا أنت مستيقظ حتى الآن؟».
قال: «لا أستطيع النوم».