رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوحدة العربية التجربة.. والفشل


مرت علينا هذا الأسبوع ذكرى أول تجربة حقيقية للوحدة العربية فى القرن العشرين؛ وحدة مصر وسوريا فى 22 فبراير 1958.. فى هذا اليوم اندمجت مصر وسوريا معًا فى الكيان الجديد الذى أُطلق عليه آنذاك «الجمهورية العربية المتحدة»، حيث أصبحت سوريا «الإقليم الشمالى»، ومصر «الإقليم الجنوبى» لهذه الجمهورية الوليدة، التى تصوَّر البعض آنذاك أنها نواة الدولة العربية الواحدة، وأن ما فشل فى تحقيقه الشريف حسين والثورة العربية من قبل، قد أصبح الآن حقيقة.

وأصبحت هناك وزارة فى الإقليم الشمالى، ووزارة فى الإقليم الجنوبى، ولكن هناك زعيم واحد هو جمال عبدالناصر. وعادت إلى الأذهان من جديد صورة صلاح الدين الأيوبى، ووحدة مصر وبلاد الشام، ولكن هذه المرة العدو ليس الصليبيين، ولكن إسرائيل، وأصبح يوم 22 فبراير من الأعياد القومية.

لكن هذه الوحدة للأسف لم تستمر طويلاً، وانتهت فى عام 1961 إثر انقلاب عسكرى فى سوريا أطاح بفكرة الوحدة، وإن حرص جمال عبدالناصر على التمسك باسم الجمهورية العربية المتحدة رغم الانفصال، حتى وصل السادات إلى الحكم وأعاد الاسم إلى «جمهورية مصر»، لكن فى هذه المرة مضيفًا صفة العربية، ليصبح الاسم الرسمى هو «جمهورية مصر العربية».

فى الواقع تجمعت العديد من العوامل وراء إجهاض حلم الجمهورية العربية المتحدة، والعودة لمفهوم الدولة «الوطنية» أو «القُطرية» وليس الدولة القومية.. بطبيعة الحال يمكن بسهولة إرجاع هذا الفشل إلى نظرية المؤامرة الخارجية، وهى بالمناسبة نظرية صحيحة، إذ توافق رأى كل من القوتين العظميتين أمريكا والاتحاد السوفيتى على رفض هذه الوحدة، بل وضرورة إجهاض هذه التجربة.

كان الأمر أكثر وضوحًا بالنسبة لأمريكا التى ورثت بريطانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، فى نشر نفوذها فى منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن حماية إسرائيل، التى وضعتها الجمهورية العربية المتحدة بين فكَّى الكماشة: سوريا ومصر.

أما الاتحاد السوفيتى فإن موقفه الأيديولوجى «الأُممى» الرافض لفكرة القوميات، والتى ينظر إليها على أنها نوع من الفاشية، دفعه إلى رفض الكيان الجديد «الجمهورية العربية المتحدة»، وأدى ذلك إلى سوء العلاقات بين موسكو والقاهرة، وانعكست آثار ذلك على تردى أحوال الجماعات الشيوعية فى مصر وسوريا.

وإمعانًا فى تأكيد نظرية المؤامرة يمكن أن نضيف، أن معظم الأنظمة العربية، لاسيما الملكية وقفت بشدة ضد تجربة الوحدة المصرية السورية، واعتبرت «الجمهورية العربية المتحدة» خطرًا وخيمًا يمكن تصديره إلى بقية الشعوب العربية، مما يؤدى إلى تصدع الأنظمة الملكية فى المنطقة.. من هنا دخلت المنطقة فى صراعات عربية- عربية، وهو ما أطلق عليه البعض الحرب العربية الباردة.

ومع اعترافنا بأهمية دور المؤامرة فى إسقاط الجمهورية العربية المتحدة، لكن لابد من قراءة جادة لعوامل انهيار التجربة من الداخل، علينا أن نتساءل: هل بُنيت تجربة الجمهورية العربية المتحدة على رمالٍ ناعمة، مما ساعد على سرعة الانفصال أو الانهيار؟ هل تم احترام مبدأ الخصوصية والتنوع أم كان الانحياز لمبدأ «الكل فى واحد»؟ نشأت التجارب الوحدوية أو الاتحادية على أسس اقتصادية وثقافية فى الأساس، فهل تم ذلك فى تجاربنا العربية؟

وأخيرًا، هل فاتنا قطار الوحدة أو الاتحاد؟ أم أن الأمل الباقى الآن هو الحفاظ على المجزأ والمفتت، أو انتظار سايكس- بيكو جديدة؟!