رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في حوار لـ"الدستور".. المستشار صدقي خلوصي: منع الطعن على عقود الحكومة أوقف «دعاوى الحسبة» ضد الدولة

صورة تعبيريه
صورة تعبيريه

-من حق الحكومة يكون لها من يدافع عنها مثل المواطن العادى.. ولا يمكن التعليق على قضية «تيران وصنافير»

-«الإخوان» تستهدف الشخصيات القضائية المسئولة عن محاكمة عناصرها.. وإلغاء إعدام قيادات بالجماعة تطبيق للقانون وليس إرضاءً للمجتمع الدولى


قال المستشار صدقى خلوصى، رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق، إن الهيئة مستقلة بنص الدستور، تدافع عن الدولة والحكومة، مشيرًا إلى أنه من حق الحكومة أن يكون لها من يدافع عنها مثل المواطن الذى من حقه أن يوكل محاميًا.
وقلل «خلوصى»، فى حوار خاص مع «الدستور»، من المقترح المطروح أمام مجلس النواب بشأن اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم ثلاثة نواب قائلًا: «من غير المعقول كون المتقدم بالمقترح نائبًا بالبرلمان أن يمثل ذلك توجهًا حكوميًا أو توجهًا من الدولة بشكل عام».
وأشار «خلوصى» إلى أن التعديل الذى أُدخل على قانون السلطة القضائية بشأن عدم عودة رجال القضاء المنتدبين للعمل فى وظائف تنفيذية إلى منصة القضاء من شأنه أن يعزز من استقلال القضاء.. وإلى نص الحوار:

> أثار طرح مشروع قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم ثلاثة نواب لكل هيئة جدلًا واسعًا فى الأوساط القضائية.. ما تعقيبك على الفكرة ذاتها وهل تحمل سندًا قانونيًا؟
- فى البداية أود أن استشهد بالنص الدستورى بأنه: «يتم اختيار النائب العام من بين أقدم ثلاثة نواب من محاكم الاستئناف أو أقدم ثلاثة نواب من محكمة النقض يرشحهم مجلس القضاء الأعلى ليختار أحدهم الرئيس»، إذن نحن أمام مادة دستورية واضحة لا شك فيها والعبارات هنا واضحة بأن «أخذ الرأى ملزم»، وبالتالى لا مانع هنا أن يتم ترشيح أقدم ثلاثة نواب لرئيس كل هيئة من خلال الجمعيات العمومية للهيئات القضائية الأربع «القضاء العادى ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية»، خاصة أن المجالس العليا لكل هيئة تعد المختصة بإدارة شئونها.
والمقترح لم تتقدم به الحكومة حتى يأخذ كل هذا الزخم، فمن تقدم به نائب واحد فقط وليس لكونه نائبًا يمثل توجهًا حكوميًا أو توجهًا من قبل الدولة بشكل عام، بل هو مقترح مثله مثل أى مقترح بقانون معروض للنقاش، هناك من يقبله، وهناك من يرفضه.
> ما المشاكل القانونية التى تواجه الدولة فيما يخص العقود والاتفاقيات الاستثمارية؟
- الإشكالية الواضحة فى هذه المسائل من الناحية القانونية هى صيغة العقود نفسها، حيث لم يكن يتم الرجوع فى صياغتها إلى هيئة قضايا الدولة، وهو الأمر الذى كان يؤدى إلى اللجوء للتحكيم الدولى فى أغلب الأحيان، ومن ثم تكون نصوص العقود من ناحية الصياغة ضدنا.
وأعتقد أن المشرع عندما أعطى الحق لهيئة قضايا الدولة وفق نص الدستور الحالى، فى تمثيل الوزارات والهيئات وأيضًا عقود مؤسسة الرئاسة فيما يخص الاتفاقيات أو البنود التى تبرمها تلك الهيئات مع جهات متعددة، سيجعل صياغتها أكثر دقة، وبالتالى يمكن تلافى مثل تلك الإشكاليات فى المستقبل.
> هل معنى ذلك أن قانون هيئة قضايا الدولة الحالى يحتاج إلى إعادة صياغة فى عدد من مواده حتى يتماشى مع النص الدستورى الجديد؟
- من الطبيعى أن يتم تعديل القانون الحالى، وعلى حد علمى تم تشكيل لجنة داخل إدارة هيئة قضايا الدولة معنية بإجراء تعديلات على القانون، فعلى سبيل المثال التعديلات طرحت مقترحًا بإنشاء إدارة قانونية تابعة لهيئة قضايا الدولة، ممثلة للهيئة نفسها داخل الوزارات والهيئات والمحافظات، من شأنها مراجعة العقود والاتفاقيات، ما يعنى من الناحية الإجرائية أن الهيئة ستعمل على مراجعة أى بند، بحيث تصبح الهيئة حلقة وصل رئيسية بين جميع الجهات الإدارية لتلافى أى مشاكل قانونية، وفى ذات الوقت ستكون على دراية بما تتطلبه الدعاوى القضائية من دفوع فى حالة اللجوء فى بعض العقود إلى التحكيم أو ساحات القضاء.
ومن ضمن واجبات واختصاصات الهيئة الدفاع عن جهة الإدارة سواء كانت وزارة أو هيئة أو مصلحة حكومية أو محافظة، فجهة الإدارة من حقها أن يكون لها من يدافع عنها كالمواطن العادى الذى كفل له الدستور حق توفير محام للدفاع عنه أمام المحاكم حال عدم وجود من يمثله من الناحية القانونية ويترافع نيابة عنه أمام القضاء.
> هل يساهم الإجراء القانونى بمنع الطعن فى العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين من أى أطراف أخرى، فى تدفق الاستثمار الذى تسعى تجاهه الدولة؟
- بالطبع، فالقانون منع الطعن على العقود من غير أصحاب أطراف الاتفاق، وأوقف ما يمكن أن نسميه دعاوى حسبة ضد الدولة نفسها، كما منع الكثير ممن هم غير أصحاب مصلحة من تعطيل الاتفاقيات الاستثمارية التى يمكن أن تتم فى طريق جذب الاستثمار الأجنبى بمصر.. قبل صدور القانون فى عهد المستشار عدلى منصور أقيمت دعاوى قضائية بالجملة فى ساحات القضاء ضد الدولة تطالب بوقف تنفيذ اتفاقية ما، وهو الأمر الذى يعد فعليًا تدخلًا واضحًا فى شأن من شئون الدولة، وفى القانون الجديد اختفى ما كان يمكن من خلاله تعطيل سير عمل الدولة، لأن القانون كفل لأطراف الاتفاقية أو العقد المبرم فقط مع جهة الإدارة سواء كانت هيئة أو وزارة أو محافظة أو مستثمر الطعن على هذه العقود.
> لماذا نخسر أغلب قضايانا التى تحال إلى جهات تحكيمية خارجية؟
- الآن نحن لا نخسر قضايا تحكيمية فى الخارج، لأن أعضاء هيئة قضايا الدولة تدربوا جيدا على مثل هذا النوع من القضايا الذى يتطلب خبرات تراكمية، على عكس الفترة السابقة التى كنا نستعين فيها بمكاتب محاماة دولية.
> ما الشروط التى يتم فيها اللجوء إلى التحكيم الدولى ضد الدولة؟
- قضايا التحكيم عموما لا تكون ضد الدولة إلا فى حالات محددة وشروط واضحة، فعلى سبيل المثال لا الحصر فى مجال الاستثمار يجب أن تكون هناك اتفاقيات ثنائية بين الدولة ودول أخرى لحماية مستثمريها فى الدولة التى يباشرون فيها استثماراتهم، وعلى العكس فقضايا التحكيم الطبيعية هى التى يكون بين طرفيها اتفاق وفقًا لعقود مبرمة، ويكون هناك شرط بين الطرفين بأنه فى حالات النزاع واستنفاد طرق التراضى الودية كحلول أولية بإحالة النزاع إلى التحكيم، وفقًا لشروط التحكيم الدولى، ووفقًا للاتفاقيات الدولية التى تنص على أنه «فى حالة وجود اتفاق بين الدول، تتعهد الدولة التى يقوم فيها المستثمر باستثمار أمواله وإقامة المشروعات فيها بحمايته، وإذا تدخلت الدولة وصادرت هذه المشروعات وهذه الأموال يحق للمستثمر اللجوء إلى التحكيم الدولى»، يعنى ذلك أنه يجب أن تخطئ الدولة حتى يلجأ الطرف المتضرر إلى التحكيم الدولى.
> هل هناك تربص بمصر فيما يخص قضايا المنازعات التجارية والاستثمارية التى تحال إلى تحكيم دولى ويتم تغريم الدولة فيها مبالغ كبيرة؟
- الإشكالية هنا إشكالية فكر، بمعنى أن لجان التحكيم والغرفة التجارية الدولية المنوط بها نظر مثل هذه النوعية من القضايا تنظر إلينا بنوع من التعسُف، وأحيانا ترى الدول النامية لا تنفذ الأحكام الصادرة ضدها، لذلك تصدر أحكامًا تعويضية عالية القيمة بشكل أكثر مما ينبغى عن قيمة المنازعة التجارية أو الاستثمارية، وأن أصحاب القضايا التحكيمية يطالبون بتعويضات تتخطى القيمة الحقيقية فى البنود المختلف عليها ضمن الاتفاق.
> أترى أن مكاتب التحكيم الدولى تتعنت ضد مصر، فى بعض الأحيان، بمباشرة القضايا التى حسمها القضاء المصرى من قبل؟
- طبعًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر إحدى القضايا التى باشرتها ضمن وفد أعضاء هيئة قضايا الدولة فى باريس، وكانت القضية الأشهر فى مصر وقتها، وهى قضية وجيه سياج، حيث قضت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بتعويض مالى قدره 5 آلاف جنيه عن الأضرار التى تعرض لها، بينما حكمت هيئة التحكيم الدولية له بنحو 148 مليون دولار، بالإضافة إلى عملية الحجز التى تمت على عدد من البنوك المصرية فى الخارج، لكن سمعة مصر الدولية جعلت عملية التفاوض الجانبية، تصل بالمبلغ إلى نحو 70 مليون دولار فقط.
> هل ما زال القضاء مستهدفًا؟
- شهدت المحاكم فى السابق عمليات حصار تم تصويرها على أنها عمليات احتجاج ضد المؤسسات القضائية بشكل عام، كما حدث فى واقعة حصار المحكمة الدستورية العليا، التى حدثت بشكل ممنهج وتنظيمى وأثرت بالفعل على القضاة وكلنا يعلم تمامًا من قام بذلك.. هناك تنظيم أراد أن يحكم ويرسخ لوجوده على الأرض وداخل المؤسسات، حتى جاءت ثورة 30 يونيو، وأوقفت كل هذه المهازل.
وحاليًا لا يمكن القول بأن المؤسسة القضائية بالكامل مستهدفة، ولكن هناك عددًا من الشخصيات القضائية مستهدفون لكون هؤلاء القضاة ينظرون بعض القضايا التى تخص متهمين ينتمون لجماعة الإخوان الإرهابية، التى تعتبر القضاء - باعتباره أحد مكونات الدولة الرئيسية - عدوًا لها»
وبشكل عام يجب أن يعلم الجميع أن القضاء يحكم بما استقر فى ضميره ووجدانه ومن خلال استقلال يعمل به على مدار نحو مائة عام أو أكثر، ومن الصعب أن يتأثر القضاء بما يجرى حوله فى الشارع، خاصة فيما يصدره من أحكام، حتى لو كان هناك خصوم واضحون فالقضاء لا يحكم إلا وفق القانون وصحيحه، وهذا ما رأيناه فى مجمل الأحكام الصادرة بالبراءة فى قضايا جماعة الإخوان الإرهابية بنص القانون.
وقانون السلطة القضائية فى تعديلاته الحديثة رسخ لمفهوم استقلال القضاء من خلال النص على عدم عودة رجال القضاء الذين يتولون مناصب تنفيذية فى الحكومة إلى منصة القضاء مرة أخرى، باعتبار أن القاضى هنا قد مارس عملًا سياسيًا تنفيذيًا ودخل فى الجوانب التنفيذية التى يمكن أن تؤثر على حيدته فى حال نظر بعض القضايا التى يمكن أن يتصدى لها، ويتصور أن تخص الجهة التنفيذية التى كان يمثلها وقت ندبه إليها.
> هل تسببت تصريحات خرجت عن عدد من أعضاء السلطة القضائية بشكل غير مباشر فى استهداف القضاة «معنويًا»؟
- عندما تحدث عدد من القضاة لوسائل الإعلام عن شئونهم الخاصة، مثل الرواتب وزيادة بدلات العلاج، المواطن العادى نظر إلى هذه المسألة بشكل فيه غِيرة بأن هناك فئة تحاول تمييز نفسها عن غيرها من الناحية المالية.
> ما تعقيبك على إلغاء الأحكام الصادرة بحق عدد من أعضاء الإخوان وإعادة محاكمتهم أمام دوائر جديدة؟
- تابعت خلال الفترة الأخيرة تصريحات تشير إلى أن إعادة الأحكام من جانب محكمة النقض كان بغرض إرضاء المجتمع الغربى حتى لا تتوقف حدة هجومه على الدولة، وأود أن أؤكد أن الأمر خاطئ تمامًا لأن محكمة النقض عندما ألغت بعض الأحكام هنا كان ذلك تطبيقًا لصحيح القانون، وهذه مبادئ راسخة فى النقض، فمن صلاحيات محكمة النقض النظر إلى أحكام أول درجة وحال عدم تطبيقها لصحيح القانون بشكل صحيح تعيد محكمة النقض المحاكمة من جديد أمام دائرة أخرى، وهناك العديد من الوقائع الواضحة.
> كيف ترى الإحالة إلى مجالس التأديب أو الصلاحية من المجالس العليا للهيئات القضائية بشأن عقوبات «اللوم أو التنبية»؟
- أعتقد أن أى عقوبة توقع على أحد أعضاء السلطة القضائية من جانب المجالس العليا للهيئات القضائية الأربع هى بمثابة «حكم»، فمن يقع عليه مثل هذه العقوبة يكون قد خرج عن الأصول والتقاليد القضائية، فالقاضى كل شىء يحسب عليه.
> هل يمكن أن تدخل هيئة قضايا الدولة فى خصومة مع الإخوان، وتطالبهم بتعويض عن الأضرار التى ألحقوها بالمؤسسات، فى أحداث العنف؟
- هذا يتطلب تعديلًا تشريعيًا، خاصة أن الهيئة حتى الآن مازالت نائبًا عن الحكومة والدولة، وليست طرفًا أصيلًا فيما يخص إقامة الدعاوى القضائية، وانطلاقًا من الصفة الإجرائية التى تمنح للهيئة، إضافة إلى المبادئ القانونية التى أرستها محكمة النقض وفق أحكامها بأن الممثل عن أى وزارة هو وزيرها فيما يخص الدعاوى.
> ما تقييمك لتعامل هيئة قضايا الدولة «ممثل الحكومة» فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ«تيران وصنافير»؟
- لا يمكننى التعليق حاليًا، فالقضايا المقامة بشأن جزيرتى تيران وصنافير لاتزال متداولة أمام القضاء، بالإضافة إلى أن رأيى هنا «قد يكون مجروحًا» خاصة أننى أتحدث عن هيئة قضائية كنت أمثلها يومًا من الأيام.
> هل تتعارض طبيعة عمل هيئة قضايا الدولة كهيئة قضائية مستقلة، فى الوقت الذى تقف فيه مدافعًا عن الحكومة أمام ساحات القضاء؟
- بالطبع لا، فهيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة بنص الدستور، وهى تدافع عن الدولة وعن الحكومة بالمعنى الحرفى، والدليل هنا أن الهيئة عندما تترافع عن القضايا التى تقام ضد مصر فى الخارج نقول إنها تدافع عن الدولة وليس عن الحكومة، إضافة إلى أن أعضاء الهيئة يؤدون واجبهم الدستورى وفق الحيدة التى يتمتعون بها.