رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سمسار الكلاب فى صحف الإخوان


لا أعرف من هو سمسار تجميع وتجنيد المثقفين المصريين للكتابة فى صحف الإخوان؟، لكننى أعترف بذكائه فى اختياراته، فهؤلاء - وليس غيرهم - يقبلون المهمة القذرة، مثقف قروى ساذج ظنّ نفسه موهوبًا، فجاء المدينة يحمل أحلام الكاتب الكبير على ظهره فصدمته الحقيقة، واكتشف أنه «نكرة» وغير موجود، فأصيب بلوثة، ذلك أن عجز الموهبة - عافاك الله وعافانا - لا يقل تأثيرًا عن العجز الجنسى، فتعثرت أقدامه وكتم فى نفسه حسرة وألمًا، وأصبح كلبًا من كلاب السكك، تسترضيه عضمة كبيرة، ولا يرفض خيارة خضراء، سبق لأحدهم أن عمل فترة طويلة خادمًا لفاروق حسنى، وكثيرًا ما دبَّج مقالات ومطولات نهشًا فى لحم كُتاب مصر الكبار، ترضية للوزير الفنان، واليوم وهو يصنع من نفسه كلبًا جديدًا انتظارًا لعطايا قطر، ونفحات تركيا، يظن نفسه بطلًا معارضًا!.

وقد سئل حكيم عن كلاب السكك، فقال أولئك الذين كانوا بشرًا يبحثون عن لحم ينهشونه، فلما ضاقت عليهم، صنعوا من ذيولهم أقلامًا وعرضوها للبيع، فنبتت لهم أنياب حادة وانطلقوا فى الشوارع والسكك.

كرة القدم وخيبة المعلق الرياضى

لا أظن أن أى معلق رياضى يستطيع احتمال ما نعانيه من وحاشة صوته، ورخامة تعليقاته طوال 90 دقيقة، لا أظن أحدهم قادرًا على استكمال مباراة لو جلس بيننا وسمع صوت نفسه وطريقته البليدة فى التعليق، ولا أظن أن كثيرين منهم يعرفون أهمية دورهم فى تثقيف المشاهدين وتنشيط خلاياهم ونقلهم إلى أجواء الماتش، وأقترح على السادة المنوط بهم اختيار المعلقين، إعادة النظر فى المعروض، والبحث عن جيل جديد من معلقى كرة القدم، يمتلكون قدرات مغايرة ومناسبة لدورهم، فمن خلالهم تستطيع صناعة المستحيل، ومنذ ست سنوات تقريبًا وأنا أصرخ فى البرية: «أنقذينا يا كرة القدم»، فالجمهور الذى يستمتع بالمباريات أمام الشاشات وينتظر تحليل النقاد فى البرامج الرياضية، يمكننا أن نقدم له وجبة ثقافية خفيفة جدًا، بإمكان مذيع المباراة أن يحتفل بمولد كاتب مصرى أو عالم ذرة أو فيلسوف أو فنان تشكيلى، بإمكانه أن يتحدث لدقائق عن علماء وعباقرة صنعوا مجد هذا الوطن فى الطب والهندسة، بإمكاننا أن نضيف للبرامج الرياضية فقرات فنية من الحفلات الموسيقية التى تقيمها دار الأوبرا مثلًا، بإمكاننا تثقيف المعلقين وإعدادهم لمخاطبة ملايين الشباب من عشاق كرة القدم، بإمكاننا صناعة جيل يتعاطى الرياضة والثقافة.. لو تعاونت المؤسسات وكسرت الحواجز فيما بينها، يمكن لتليفزيون مصر أن يتبنى مشروعًا قوميًا، قائمًا على المعرفة من خلال كرة القدم.

ست سنوات وأنا أقول وأكتب ولم يسمع أحد أو يقرأ، حتى ظننت أننى مجنون أطرح أفكارًا هبلة وعبيطة!.

كرة القدم قادرة على الترويج للأوطان وتسويق حضارتها، والثقافة والفنون فى أشد الحاجة إلى الرياضة عمومًا لتحقيق انتشار يتناسب مع المرحلة التى تعيشها مصر، والعكس صحيح، حيث تحتاج كرة القدم إلى قوام ثقافى ينعكس على ثقافة ووعى المعلقين ومقدمى البرامج الرياضية، وعلى سلوك لاعبى المنتخبات الرياضية الذين يحملون اسم بلادهم فى بطولات العالم.

الخلاصة: تستطيع كرة القدم أن تحمل الثقافة على ظهرها وتعبر بها إلى الملايين بسهولة ويسر، وهناك ثلاث طرق لتحقيق السهولة واليسر، أولًا: إخضاع مذيعى مباريات كرة القدم لتلقى دورات تثقيفية وتدريبهم على نقل المعلومات الثقافية لجمهور الكرة بطريقة سهلة ( ماذا يقول فى 10 دقائق من الـ90 التى يتحدثها)، ثانيًا: إلزام النقاد الرياضيين بتخصيص «10 - 15 دقيقة» من برامجهم لحدث ثقافى (الاحتفال بكاتب أو مهندس معمارى .. فنان تشكيلى - نحات.. الاحتفاء بصوت واعد من دار الأوبرا- عروض الفن الشعبى..)، وتلك مهمة لا أعرف صاحبها فى الحقيقة!، أما إن لم نستطع فعل ذلك وتورطنا فى مشاكل مع أصحاب البث الحصرى، فليس أمامنا سوى أن تنتج وزارتا الثقافة والشباب والرياضة برنامجًا رياضيًا يقوم على الفكرة نفسها، ويطورها إلى فقرات خفيفة تنقل الثقافة لجمهور الكرة من شبكة حارس المرمى.

لقد سبق وعرضتُ الفكرة على وزير الشباب والرياضة المهندس «خالد عبدالعزيز» خلال لقائه مع لجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة، ورحَّب بها، لكنه قال فى النهاية، إنه لا يملك السيطرة على جهات البث الفضائى، والآن أُعيد طرحها، لا لشىء سوى لتأكيد أننى «مجنون»، أطرح أفكارًا هبلة.