رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المستشار مقبل شاكر: لا تحدثونا عن حقوق الإنسان ما دام الأمن القومى فى خطر

المستشار مقبل شاكر
المستشار مقبل شاكر

وصف المستشار مقبل شاكر، شيخ القضاة، رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق، مسألة توثيق الطلاق الشفوى بـ«الواجبة»، معتبرًا إياها تصب فى سياق الاستقرار المجتمعى وتعطى مزيدًا من الحقوق للمرأة.

وتطرق «شاكر» فى حواره لـ«الدستور» إلى قضايا شائكة، وتحدث بصراحته المعهودة عن مسألة إذاعة التسريبات، رافضًا مبدأ من يعتبرها انتهاكًا للخصوصية، وقال إنه عندما يتعرض الأمن القومى المصرى للخطر، فلا حديث عن حقوق الإنسان، مؤكدًا أن هناك بعض منظمات المجتمع المدنى تتلقى تمويلًا من أجهزة استخبارات لاستهداف الدولة ومؤسساتها، وأن هناك طابورًا خامسًا موجودًا على الأراضى المصرية، ولايزال من سماهم «بقايا تيار يناير» مستمرين فى محاولاتهم لهدم الدولة.. وإلى نص الحوار:

■ نبدأ من القضية المثارة على الساحة الآن.. ما رأيك حول أزمة توثيق الطلاق الشفوى ورفض الأزهر له؟

- أنا مع توثيق الطلاق الشفوى باعتباره ضمانة لأحد حقوق المرأة المصرية، ويساهم فعليا فى تقليل نسب الطلاق التى زادت مؤخرًا، خاصة بعد أحداث يناير من العام 2011، مع الأخذ فى الاعتبار عدم الهجوم أو النيل من مؤسسة الأزهر نفسها؛ لأن الأزهر يمثل الإسلام الوسطى فعليًا، ويجب على الكنيسة والأزهر معًا أن يقفا بجانب الرئيس السيسى فى اتجاه الاستقرار المجتمعى للدولة؛ لأننى أعلم تمامًا أنه يريد أن يقدم كل شىء لصالح مصر، لكن فى الوقت نفسه لن يستطيع وحده فعل أى شىء، ويجب أن يكون معه معاونون أكفاء مخلصون محبون لمصر، وليسوا محبين لأنفسهم.

■ شغلت منصب نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان لفترة.. ماذا عن إذاعة التسريبات لبعض الشخصيات.. وهل تعد انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة؟

- أنا مع حقوق الإنسان، وندافع عنها فى العديد من المجالات، سواء كانت حقوقًا اجتماعية أو سياسية او اقتصادية، لكن فى حالات استهداف مؤسسات الدولة، لا تحدثونا عن حقوق الإنسان والتسريبات طالما أن الأمن القومى المصرى فى خطر، وما يجرى فى هذا السياق هدم للأمن القومى وهدم لمجهود الدولة فى الحفاظ على هويتها وتحقيق معادلة الاستقرار السياسى، فى ظل الظروف المحيطة بنا حاليًا.

وللعلم، هناك بعض منظمات المجتمع المدنى تتلقى تمويلًا من أجهزة استخبارات غربية وتساعد الطابور الخامس فى مصر على افتعال أزمات داخلية، ويجب مواجهة ذلك بالقانون ومصادرة هذه الأموال لصالح خزانة الدولة.

■ كيف تتم عملية تعويض أسر شهداء العمليات الإرهابية من جانب اللجنة المنوط بها حصر أموال جماعة الإخوان؟

- من خلال قرار بقانون جمهورى يعطى الحق للجنة المنوط بها حصر وإدارة أموال الإخوان بعد صدور الأحكام النهائية والقاطعة فى هذا السياق، بتعويض أسر الشهداء ورعاية ضحايا العمليات الإرهابية منذ ثورة الثلاثين من يونيو، سواء فى مجال الرعاية الصحية أو الاجتماعية أو التعليمية.

■ هناك شخصيات ألمحت إلى ترشحهم لانتخابات الرئاسة المقبلة.. ما تقييمك لهم؟

- لا أرى فيهم من يصلح، وخصوصًا بقايا تيار يناير، الذين يقومون بمحاولات رخيصة لهدم الدولة، وبرغم الظروف الاقتصادية الصعبة، فإن السيسى إذا ترشح للدورة الثانية سيكسب بثقة، وليس ذلك معناه مصادرة على رأى أو قرار أى شخص يقرر خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة من عدمه.

■ مقترح تعديل قانون الهيئات القضائية، والمادة الخاصة باختيار الرئيس لواحد من بين أحد ثلاثة أقدم نواب من كل هيئة لرئاسة الهيئة التى يتبعها.. هل يعد أول خلاف بين البرلمان والقضاء؟

- ولماذا نسميه هنا خلافًا؟ هو اختلاف فى وجهات النظر والرؤى، هناك رأى يتمسك بمبدأ الأقدمية المطلقة، وهو رأى له وجاهته وله أصله، وهناك رأى يؤيد النص المقترح الخاص أيضًا بمبدأ الأقدمية، بحيث يكون الاختيار من بين أقدم ثلاثة نواب، يختار أحدهم الرئيس، وهذا يعنى أيضًا إقرارًا لمبدأ الأقدمية، وفى نفس السياق أعطى الرئيس حق الاختيار؛ لأنه من الوارد أن يكون الشخص الذى يحل عليه الدور فى الاختيار كرئيس لمجلس القضاء الأعلى، على سبيل المثال، غير مناسب، وبالتالى تكون هناك فرصة للاختيار مع ترسيخ مبدأ الأقدمية.

■ كيف يكون القاضى المرشح لرئاسة هيئة قضائية «غير مناسب».. صحيًا أم فنيًا أم سياسيًا؟

- أقصد هنا «غير مناسب» بصفة عامة، ولأسباب متعددة؛ لأن الاختيار بالأقدمية المطلقة أحيانا يكون مناسبًا جدًّا وأحيانًا أخرى يكون غير موفق على الإطلاق، وكثيرًا ما كان هناك خلاف حول هذا الأمر داخل المؤسسة القضائية، ولتوضيح ذلك، سأذكر مثالًا، إذ كان هناك خلاف حول تولى أقدم نواب رئيس محكمة النقض، ممن حل عليهم الدور وفقًا للأقدمية المطلقة لتولى رئاسة مجلس القضاء الأعلى، وكان الرجل «مُقعدًا».

وجلس فترة طويلة مريضًا وتم تخطيه لأسباب صحية، وبالتالى لا يوجد اختلاف بالمعنى الواسع فيما بين الرأيين بشأن عملية اختيار رؤساء الهيئات القضائية، سواء بالطريقة الحالية «الأقدمية المطلقة»، باعتبار أن هذه الطريقة لا يكون فيها أى شُبهة، والرأى الآخر الذى يرى أن الاختيار يكون من بين أقدم ثلاثة نواب، يأتى لتفادى أى ظروف قد تطرأ لأى سبب، وعلى رأسها الظروف الصحية والكفاية الفنية.

■ لكن البعض اعتبر هذا الأمر تدخلًا فى أعمال القضاء وهناك بيان واضح بهذا المعنى صادر عن مجلس الدولة؟

- إذا كانت المسألة هنا تستهدف مصلحة عامة فلا يمكننا اعتبار ذلك تدخلًا فى أعمال القضاء، أما إذا كان المقصود هنا مسألة شخصية فيعد هذا «تدخلاً» فى أعمال المؤسسة القضائية، وأنا لا أستطيع اتهام أحد هنا، وعلينا ألا نُحمل الأمور أكثر مما يجب؛ لأننا أمام وجهات نظر لا تحتمل التجريح أو النيل من أحد، والاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.

■ هناك نقاش حول قانون الإجراءات الجنائية ومقترحات لتعديله.. هل لديكم رؤية بشأنه؟

- قانون الإجراءات الجنائية الحالى من أفضل القوانين الجنائية الموجودة فى الأنظمة القضائية الدولية، ويشمل كل الضمانات الخاصة بالحقوق والحريات وضمانات المتهمين، لكن مع التغيرات التى نراها حاليًا، يجب أن يكون التغيير فى القانون ضروريًا، وليس «تغيير مناسبات»، وهناك مشروع كامل بوزارة العدل به جميع التعديلات المطلوبة، وهذا المشروع كانت قد قدمته اللجنة التى شكلت منذ مدة طويلة، وضمت عمالقة القضاء المصرى وقامات قانونية كبيرة، ووزارة العدل عادت إليه الآن وتراجعه بجانب الُمقترحات التى حصلت عليها من بعض رجال القضاء.

■ ماذا عن أهم ما فيه؟

- نظر القضايا أمام محاكم الجنايات على درجتين كمراحل من مراحل التقاضى، على أن تكون محكمة النقض آخر درجة، وتتصدى للفصل فى القضايا دون إعادتها إلى محاكم الجنايات، مع الحرص على جميع الضمانات الموجودة فى باقى أبواب القانون.

■ أليس هذا هو المقترح الأشهر حاليًا بشأن التقاضى على درجتين أمام محاكم الجنايات لإنجاز الفصل فى القضايا؟

- بالفعل، ومقدم منذ عام 1993، بل كان النص الخاص بهذه المسالة تحديدًا يقول: أن تكون درجات التقاضى أمام المحاكم الاستئنافية على درجتين، الأولى مكونة من ثلاثة قضاة والثانية من ثلاثة قضاة، على أن تفصل محكمة النقض فى المرحلة الثالثة من مراحل درجات التقاضى فى الموضوع من مرة واحدة، كما أضيف نص خاص بأن محكمة النقض تختص بالتصدى للقضايا المهمة وليس كل القضايا أمام الجنايات لسرعة إنجازها، ويكون اختصاصها متعلقا بالباب الأول والثانى فى القانون والخاص بجرائم أمن الدولة، سواء تلك الجرائم التى تقع فى الخارج أو الداخل، مع توفير جميع الضمانات للمتهمين، وما عدا ذلك لا تنظره محكمة النقض، إضافة إلى تصدى محكمة النقض للقضايا المحالة إليها من المحاكم الاستئنافية بشكل نهائى، وتفصل فى الوقت ذاته دون أن تعيد هذه القضايا مرة أخرى إلى محكمة استئنافية جديدة كما هو متبع حاليًا.

■ لكن هناك من يرى أنه من المفترض أن تنظر محكمة النقض، باعتبارها المحكمة العليا التى ترسخ المبادئ القانونية، جميع القضايا دون استثناء؟

- ذلك ليس جديدًا فى النظام القضائى، فعلى سبيل المثال، فإن المحكمة العليا الأمريكية، يقدم إليها نحو 1200 طعن فى العام القضائى الواحد، بحيث تُنظر الطعون قبل أن تُرسل إليها كمرحلة أخيرة من مراحل التقاضى، وبعد فحص القضايا لا يُرسل إليها سوى نحو 100 طعن والباقى يتم رفضه لأسباب قانونية واضحة، وهى أن الطعون التى سبق أن استقر قبلها مبدأ قانونى فى موضوع بعينه لا تنظر مرة أخرى حتى لا يتم تأخير الفصل فى القضايا.

■ ماذا يعنى مفهوم تشريعات المناسبات؟

- تهريج.. لأن تعديل القوانين لا يكون من أجل ظرف بعينه، وهناك دوائر تنظر قضايا الإرهاب حاليًا، والقوانين عندما يتم تعديلها تكون مرتبطة بتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة، وليس من أجل موضوع عريض.

ووقوع حدث معين ليس معناه أن نواجهه بإجراء تعديلات تشريعية جديدة؛ لأن التشريع فى معناه وأصله الحقيقى له صفتان: العمومية التى تخاطب الجميع دون استثناء، والاستمرارية، وتعنى استمرار القانون لمدة زمنية طويلة، يمكن أن تتخطى النصف قرن، ويتم التعديل على القوانين الموجودة فى الدولة فى أضيق حدود لكى تواكب عملية التغيير الاقتصادى والسياسى، ويجب أن تكون التشريعات مستقرة، خاصة أن التشريعات والقوانين المصرية الحالية من أفضل القوانين والتشريعات الدولية.

■ هل يمكن أن تتأثر المؤسسة القضائية سلبًا بعد وقائع محاكمة بعض أعضائها جنائيًا فى بعض القضايا التى تأخذ وهجًا إعلاميًّا مثل واقعة «قاضى الحشيش» المستشار طارق زكى؟

- القضاء مؤسسة ضخمة وخلية حية فى المجتمع، ويصيبه ما يصيب المجتمع، وإذا كان قد تسرب إلى القضاء عنصر فاسد، يتم تطهيره، والنظام القضائى قائم على قانون واضح فى هذا السياق: «من يُخطئ يترك المنصة فورًا» لأن القضاء لا يمكن أن يكون فيه أعوجاج.

كل ما فى الأمر أن التقاليد التى كان متعارفًا عليها بين القضاء والإعلام انتهت، بمعنى أن خبر إقالة أى قاضٍ أو اتهامه فى أى قضية لم يكن يتعدى ثلاثة أسطر فى أى صحيفة، والآن الأمر اختلف، وهذا فى حد ذاته يقود إلى أمر خطير، وهو إمكانية هز الثقة لدى المواطن العادى فى القضاء، عبر نشر مثل هذه الأخبار على نطاق واسع وبالتفاصيل.

■ فيما يخص الشارع.. هل اهتزت صورة القضاء عقب الإعلان عن قضية «الرشوة الكبرى» وما تلاها من أحداث مرتبطة بانتحار المستشار وائل شلبى أمين عام مجلس الدولة؟

- هذه واقعة فردية، وما كان يجب معالجتها إعلاميًا عن طريق «التضخيم»؛ لأنها قضية مثل أى قضية، وتدور فى نفس إطار أخطاء الإعلام التى أعطاها زخمًا أكثر مما تستحق، فالقضية كانت وما زالت أمام التحقيقات. والمسألة هنا ليست مسألة قاضٍ أو مواطن عادى، لكنها مسألة مؤسسات، سواء كانت قضاء أو جيشًا أو شرطة، وكيف أحافظ عليها حتى يكون هناك ترسيخ للقيم والأعراف والتقاليد، وأرى أن المؤسسات أهم من الخبر، باعتبار أن تلك المؤسسات هى التى تحافظ على الدولة.

■ هل يمكن من الناحية الواقعية إنشاء أفرع لمحكمة النقض فى أكثر من محافظة فى إطار مفهوم العدالة الناجزة وإنهاء حالة بطء التقاضى؟

- غير مقبول؛ لأن المحكمة العليا فى أى دولة ترسخ المبادئ القانونية التى تلتزم بها جميع المحاكم، ودائمًا وفى كل دول العالم يكون مقر المحكمة العليا بعاصمة الدولة. وإذا كان هناك أى مقترح قديم أو جديد فى هذا الشأن فهو «مرفوض»؛ لأن مفهوم المحاكم المتعددة يختص فقط بالمحاكم الاستئنافية أو الجزئية أو الابتدائية، ولا يجوز أن نقوم هنا فى مصر بمثل هذا الأمر غير المسبوق فى استقرار المحاكم العليا فى العالم؛ لأن مصر لها دور بارز فى النظام القضائى العالمى، ويجب أن نضع ذلك فى الاعتبار.

■ موضوع «رد المحاكم والقضاة» واستخدامه فى إطالة أمد التقاضى من جانب بعض المحامين.. هل يمكن علاجه؟

- أسلوب رد المحكمة أو القاضى الذى ينظر القضية فى الأساس تم تضمينه للقانون «حصانة للناس وليس القاضى»، لكن طريقة استخدامه من جانب بعض المحامين تجعل منه عبئًا كبيرًا على طريق سرعة الفصل فى القضايا، وعلاجه أيضًا لن يكون بنظام تشريع المناسبات، لكن من خلال استخدام هذا الحق القانونى بطريقة صحيحة.

■ ست سنوات كاملة على أحداث ثورة يناير 2011.. كيف ترى المشهد الآن؟

- الكل يعرف أن البذرة الأولى كانت لمجموعة شباب يريد تحقيق بعض المطالب، والمؤامرة الآن أصبحت واضحة المعالم، وعُرف من هم المشاركون فيها، سواء من جانب الأمريكان أو حزب الله أو الإخوان وحركة حماس، وما يتم الآن ضد مؤسسة القضاء ومؤسستى الجيش والداخلية هو استمرارية لنهج المؤامرة التى حيكت ضد الدولة فى الخامس والعشرين من يناير، وما يتم الآن من عمليات استهداف، سواء إعلامية أو غيرها ضد الدولة، أعتقد أن من يقومون بها «مغرضون» من بقايا تيار يناير؛ لأنهم يعلمون تمامًا قيمة الدولة المصرية التى تحترم خصوصيتها وتنوعها. فالدولة المصرية حافظت على اليهود والأقباط والمسلمين، ورسخت لمبادئ التسامح الدينى.

■ وصفت المجموعة التى خرجت عن أعراف القضاء والمعروفة باسم «قضاة رابعة» بأنهم «قلة منحرفة».. هل لا يزال هناك بقايا للإخوان داخل مؤسسة القضاء؟

- أرى أن هناك عددًا يمثلون خلايا نائمة للإخوان فى القضاء، ويجب بترهم جميعًا بنص القانون، وهذا بالطبع من خلال المجالس العليا للهيئات القضائية؛ لأنه لا عقاب دون نص، أما إذا كانوا لا يفصحون عن أفكارهم علانية، فلا يمكننا معاقبة شخص على أفكاره.