رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا وزير الصحة.. أرجوك.. أعطنى حقى فى هذا الدواء


يقول وزير الصحة، د. أحمد عماد، إن العام الحالى سيشهد بداية تطبيق مشروع التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، بعد انتهاء دراسته اكتواريًا، وعرضه على البرلمان، تمهيدًا لإقراره..



ولم ينس الوزير القول بأن تجديد القيادة السياسية الثقة فيه، وزيرًا للصحة، فى التعديلات الوزارية الأخيرة، جعلته يشعر بأن تعبه لم يضع هباءً، ونتمنى على الوزير أن يشعرنا، نحن المواطنين، بأن صبرنا الطويل، على تهالك المنظومة الصحية فى مصر، لن يعود علينا بالحصرم، من الفعل والقرار، إذ إنه، وبعد المعاناة الطويلة للمواطن، مع منظومة العلاج على نفقة الدولة، خاصة بعد تعويم الجنيه، مازالت إدارة المجالس الطبية المتخصصة، المسئولة عن إصدار قرارات هذا النظام من العلاج، تعكف على مراجعة جميع أكواد برنامج العلاج على نفقة الدولة، ودراسة الجديد منها، لضمها للبرنامج خلال العام الحالى، لضمان عدم تحمل المرضى، أى أعباء مالية، نتيجة فرق السعر، بعد الزيادة الأخيرة فى أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، وارتفاع المستورد منها، بعد تحرير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.. إذ يقول المثل الشعبى «إحيينى النهارده، وموتنى بكرة» وصحة المواطن لا تنتظر، والمرض لا يرحم، والموت واقف على الأبواب، مترصدًا تباطؤ العلاج، بعد قدر الله.

فى واحد من المستشفيات الحكومية الكبرى بالقاهرة، أخرج الرجل المُسن، بطاقة الصراف الآلى من بين أوراقه، وقدمها لمسئول الحسابات فى هذا المستشفى، قائلًا: هذه بطاقة صرف معاشى الشهرى، الذى لا يتجاوز الأربعمائة جنيه، خذها، واحصل منها كل شهر، على ما تطلبونه منى، فرقًا بين قيمة قرار إجرائى جراحة عندكم، وتكلفتها التى تقولون عنها، «منين أجيب أربعة آلاف وخمسمائة جنيه.. لو أملك لعالجت نفسى، دون الحاجة للتردد عليكم طيلة هذه الأشهر».. وإذا بسيدة أخرى، تدخل مستندة على ابن لها، معربة عن غضبها، من تأخير تغيير مفصل لركبتها التى أكلها الروماتويد، فمن أين لهذه السيدة أن تدفع خمسة وعشرين ألف جنيه، فرقًا فى سعر المفصل فقط، الذى قررت اللجنة الثلاثية بالمجالس الطبية ثلاثين ألف جنيه، تكلفة شاملة، لشراء المفصل، ومستلزمات الجراحة والإقامة بالمستشفى!.

فى كل مرة، كان رد مسئول المستشفى المالى يتلخص فى أن ارتفاع سعر الدولار هو السبب، والقرارات تصدر بناءً على أسعار بروتوكولات علاج، بين المستشفيات والمجالس الطبية، قبل تعويم سعر الجنيه، ومازالت المجالس مصرة على هذه الأسعار، رغم الفارق الكبير الذى أصبحت عليه أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، وغيرها مما يحتاجه المواطن للعلاج أو إجراء الجراحات، والمستشفيات لا تملك موارد خاصة، تسد بهًا هذه الفجوة التى تتسع على الراقع كل يوم، ووزارة الصحة غير عابئة بما نعانيه نحن، وما يتحمله المواطن من عنت الإنتظار، أو الاضطرار إلى الاستدانة لدفع هذه الفروق. نحن لا نحاسب أحدًا، فهناك جهات مسئولة عن ذلك، أعتقد أنها بدأت التحرك مؤخرًا، ولكننا نُذكر بما عليه أحوال الخدمات الصحية فى مصر.. وللحق، يجب أن نذكر أن منظومة العلاج على نفقة الدولة الآن.. وأكرر «الآن»، تظل هى الحسنة الظاهرة فى أداء الحكومة، مهما دار حولها من سلبيات، لأن ما كان يحدث فيها، فى الماضى، يندى له الجبين، من فساد وصفقات، يمتص فيها المنتفعون أموال الدولة، ومعها دماء المرضى، وكان حق الغلابة يذهب للأغنياء وأصحاب الحظوة والمحسوبية.. وأذكر يوم احتاج أحد، ممن أعرف ثراءهم، العلاج فى الخارج، من مرض عضال، فانبرى أحد المسئولين فى إصدار قرار لعلاجه على نفقة الدولة، وحتى لا يضيع الوقت فى الإجراءات، سافر من ماله، وأنجز مهمته، وعندما عاد صرفوا له قيمة العلاج، ربع مليون جنيه بالكمال والتمام، أوائل الألفية الثالثة، يوم أن كان الجنيه جنيهًا!.

كان ذلك شكلاً من أشكال المافيات التى تشكلت حول يزنس قرارات العلاج على نفقة الدولة، تحكمت فى إصدارها، وتربحت منها، رشاوى وعمولات ومحسوبيات، جاءت كلها على حساب المريض الفقير، الذى أُنشئت المنظومة أصلًا لخدمته، والتى أصبحت بدورها الآن، فى حاجة ماسة للإسراع بإلغائها واستبدالها بمنظومة التأمين الصحى التى تشمل جميع المواطنين، لأن المصرى مازال يشعر بالإهانة المقترنة بالألم والمرض، حينما يجد نفسه أمام إجراءات روتينية للحصول على قرار علاج، لعدم وجود مظلة تأمين صحى، تحفظ عليه كرامته، وهو ما يدعو للعجب، إذ كيف يحتاج المواطن قرارًا، حتى يُعالج فى وطنه؟!.. لقد نص الدستور على أن «العلاج حق لكل مواطن مصرى، دون الحاجة إلى إصدار قرار لعلاجه»، ونصت المادة 18 من الدستور على «التزام الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين، يُغطى كل الأمراض، ويُنظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفائهم منها، طبقًا لمعدلات دخولهم، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة، لكل إنسان، فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة».

مشكلة الصحة فى مصر تكمن فى أن هناك 45 مليون مواطن لهم حق إصدار قرارات على نفقة الدولة، دون وساطة أو محسوبية، وأن الذى رصدته الحكومة لتغطية نفقات هذا العلاج، خلال 2015، لم يتجاوز الـ 2.8 مليار جنيه، وقد تراكم على الحكومة مليار ومائتا مليون جنيه، ديونًا للمستشفيات، مقابل قرارات علاج، تم تفعيلها وتنفيذ ما جاء فيها، ولم تتلق المستشفيات قيمتها المالية من الحكومة.. كما تكمن المشكلة فى أن جميع الأمراض ليست مدرجة فى بروتوكولات العلاج، وأن هناك غيابًا للوعى الجماهيرى، بما هو متاح للعلاج من غيره.. وقد أعلنت وزارة الصحة مؤخرًا، أن المجالس الطبية المتخصصة تدرس إدخال خطوط علاج أورام، وخطوط علاج ما بعد زراعة الكلى والنخاع إلى برنامج العلاج على نفقة الدولة، بعد دراسة الميزانية، للتأكد من تغطية البرنامج علاج تلك الحالات.

وبعد.. فإن وزير الصحة لم يعترف بأن هناك إخفاقات فى فترة وزارته السابقة، رغم معرفتنا بها، لكنه يؤكد أنه أخذ دروسًا من عمله بالوزارة، سيستفيد منها فى الأيام المقبلة، لتحقيق إنجازات فى مجال الصحة بمصر.. ونحن ننتظر، لكن ليعلم الوزير أن الوقت يمر.. والمرض لا يرحم.. عافانا الله وإياكم شر المرض.. ونقطة، ومن أول السطر.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.