رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفساد السياسي


قيل مرة إن طفلًا سأل والده: «ما معنى الفساد السياسى؟». فأجابه الوالد: «لن أخبرك يا بنى لأنه صعب عليك فى هذه السن فهم معنى الفساد السياسى، لكن دعنى أقرب لك الموضوع. سأطلق على نفسى اسم «الرأسمالية» لأننى أنا الذى أنفق على البيت.. وسنطلق على «أمك» اسم «الحكومة» لأنها تنظم شئون البيت.. وسنطلق عليك لقب «الشعب» لأنك تحت تصرف أمك.. وسنطلق على أخيك الصغير لقب (المستقبل) لأنه هو أملنا.. وسنطلق على (الخادمة) لقب (القرى الكادحة) لأنها تعيش على ما نعطيه لها.. والآن، اذهب يا بنى وفكر فيما قلته لك، عساك تفهم يومًا معنى «الفساد السياسى»!!!..



فى الليل.. لم يستطع الطفل النوم من بكاء أخيه الصغير، فنهض من سريره وذهب إلى أمه يستدعيها، فوجدها غارقة فى نوم عميق، كما لم يجد والده نائمًا فى الغرفة.. ذهب الطفل يبحث عن والده فى المنزل فوجده فى المطبخ يلهو مع الخادمة!!.

فى اليوم التالى، قال الولد لأبيه: «لقد عرفت الآن يا أبى معنى الفساد السياسى: عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة، وتكون الحكومة نائمة فى سبات عميق، عندئذ يصبح الشعب قلقًا تائهًا، هكذا يكون الفساد السياسى»!!... صدقت يا بنى.. هذا هو الفساد السياسى الذى تختلف مظاهره من بلد لآخر، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنه منتشر ومتفش فى مصر وفى كل البلدان العربية بل بعض الدول الأجنبية أيضًا!!.

هذا هو حال الوطن العربى، الذى يتم تقسيمه وتفتيته الآن! الوطن العربى الذى يذبح على يد أبنائه بالإرهاب وباسم الدين وباسم الفساد السياسى من السياسيين ومن النخبة السياسية ومن حكمائه!.

«الفساد» هو أكبر مشكلة تواجهها مصر الآن.. وكشفت الأجهزة الرقابية عن كثير من قضايا الفساد.. وإن كان ينقص تلك الأجهزة بعض القوانين لسد ثغرات كثيرة فى القوانين الحالية البالية تستغل لصالح المتهم، الراشى، المغتصب لأراضى الدولة.. وغيرها من أنواع الفساد.. لكن على الدولة أن تواجه جميع أنواع وأشكال الفساد السياسى المعروفة بـ«سيطرة فئة قليلة فاسدة على مفاصل مؤسسات الدولة المختلفة».. فضلاً عن الإساءة فى استخدام السلطات الممنوحة لصالح فئة أو شخص أو طبقة على حساب الشعب.. ثم تعسف استخدام الصلاحيات الممنوحة لأطراف النظام السياسى المختلفة.. كفساد طبقة الساسة وقادة الأحزاب والإثراء غير المشروع لرجال الأعمال على حساب مصلحة الشعب.. على سبيل المثال: دفع رشاوى لامتلاك أراضى الدولة أو للحصول على صفقات أو عقود أو امتيازات أو تراخيص أو موافقات تجارية وأيضاً زيادة ثروة المسئولين والطبقة الحاكمة على حساب الشعب بسبب فساد النخبة وفساد أصحاب القرارات فى الوزارات.

والأخطر من كل هذا أن بعض نواب الشعب يمارسون نوعًا آخر من أنواع الفساد السياسى بقبولهم «رشاوى» من الغرفة التجارية عبارة عن تسديد تكاليف نفقاتهم وسفرهم!!.. أيضاً عندما يرفضون إشراف الجهاز المركزى للمحاسبات عليهم.. وعندما ينفقون فى ستة أشهر فقط أكثر من نصف مليار جنيه ويطلبون المزيد دون الإحساس بناخبيهم!!..» الشعب فى واد.. وهم فى واد آخر!!.. لذا لابد من مواجهة «الفساد السياسى» المتوغل الآن فى معظم مفاصل الدولة.. رغم اعترافنا بصعوبة القضاء عليه نهائياً.. لكن يجب أن نحذر من عواقبه الوخيمة على الدولة مثل إضعاف شرعية النظام السياسى، تقويض أسس الديمقراطية، القضاء على سيادة القانون واستقلال القضاء، القضاء على الطبقة الوسطى التى تعد رمانة الميزان لأى مجتمع.. استبعاد الكفاءات فى جميع مؤسسات الدولة واستبدالها بالضعفاء والفاسدين.. تغذية التطرف الدينى والفكرى.. زيادة نسبة الفقر فى المجتمع.. تراجع مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن نتيجة لفساد القائمين على الخدمات.

سيدى الرئيس.. عليك بالتركيز على مبدأ الفصل بين السلطات.. نزاهة الإدارات والمسئولين.. إدارة شريفة لإدارة الممتلكات والأموال العامة للدولة.. تفعيل دور الأجهزة الرقابية العديدة للدولة بتشريعات جديدة فعالة.. إصدار قانون الإعلام سريعاً ليصبح الإعلام مع القانون هما أدواتك الفعالة فى كشف الفساد السياسى والقضاء عليه.. موعدنا الإثنين المقبل إن شاء الله.