رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعاشات.. أزمة مقابر وارتفاع أسعار الكفن


حتى أنت يا موت.. أصبحت تُشكل لنا أزمة حتى فى الرحيل!!.. فلم يتم للآن زيادة المقابر.. أو توسيعها رغم أن الحكومة تتحدث دائما عن السكن الاجتماعى والتعاونى.. ولم تذكر ولو كلمة واحدة عن أزمة المقابر.. رغم أنها تعمل بكل جهد من أجل سرعة رحيلنا حتى يمكن خفض عجز الموازنة!!.



لكن المهم هو الارتفاع المستمر فى أسعار الكفن.. أصبحت أزمات الموت تلاحقنا.. ولم نعد نتحمل هذه الأزمات، بعد أن نكون قد تركنا لكم الدنيا.. لقد انخفض الجنيه إلى أقل من خمسين قرشًا.. وأصبح الدولار هو عملة الاستمرار فى الحياة من عدمه.. كما أصبحنا عبئًا على الحكومة والملاحق التابعة لها كـ«البرلمان» وغيره.. وذلك بعد أن استولت هذه الحكومة وكل الحكومات السابقة على كامل أموالنا.. لقد طمعوا فى أموالنا وتركونا نواجه أزمة الرحيل دون كلمة وداع..!!

آخر تصريحات حكومة رجال الأعمال وزعيم الخزانة العامة، أننا نمتلك 684 مليار جنيه.. ولم يذكر قائد الخزانة العامة أن نصف هذه الأموال استمر تحت قيادته لمدة عشر سنوات دون فوائد.. ولم يذكر أيضاً أنه هو المسئول الوحيد عن ذلك.. وبكل الحسابات والفوائد أصبحنا نمتلك «التريليون جنيه».. أى أننا نمتلك تريليونًا على الورق منزوعًا منه الحياة!!.. وأصبح الملايين منا يطاردهم الموت يومياً.. بعد أن أصبحت تلاحقنا موجات متتالية من أسعار غير مسبوقة فى: الدواء والعلاج.. حتى الطعام نفسه أصبح من الممنوعات!!.

فى ظل هذا المناخ غير المسبوق فى حياتنا.. فقدنا الأمل نهائيًا فى الحاضر ودخل المستقبل فى دائرة المستحيل.. نحن أصحاب «التريليون».. ما الجريمة التى ارتكبناها حتى نُعامل بهذه القسوه ؟!.. لقد طرقنا كل الأبواب.. قابلنا كل المسئولين بلا استثناء.. لكنهم للأسف الشديد لم يسألوا فينا.. بل ردوا علينا بعنف مدعين أننا «حصلنا على كل حقوقنا وأكثر بكثير مما تستحقون»!!.

لقد أعلنت وزيرة التضامن أنها منحت أصحاب المعاشات 5 أضعاف ما كانوا يحصلون عليه خلال السنوات الخمس السابقة.. وللأسف الشديد لم نستطع حتى الرد عليها!!.. لذا نسألها: هل تصدقين ذلك؟!.. أم أنك تقولين هذه التصريحات من أجل إخفاء حقيقة ما ارتكب ضد أموالنا؟!.. اسألوا أى محاسب فى العالم: هل يمكن لمواطن يعول أسرة أن يتقاضى 500 جنيه أو 1000 جنيه أو حتى 2000 حنيه، فى هذه الظروف المعيشية الصعبة هو وأسرته بهذا المبلغ؟!.. فى ظل موجات الغلاء المتوحشة وارتفاع التضخم القاتل.. هل يمكن لأسرة-أى أسرة- أن تتحمل كل هذا؟!.. كان يمكن أن نعيش حياة أفضل من ذلك بكثير رغم كل المصاعب التى مرت على الوطن.. لكن إدارة أموالنا تمت بأساليب وطرق جعلتنا ندفع الفاتورة وحدنا.

إن كل المسئولين الذين أداروا شئوننا.. فى الماضى وأصبحوا هم سبب الأزمة فى الحاضر.. جميعهم بلا استثناء، هم أنفسهم بذات أسمائهم ومواقعهم.. الذين يديرون شئوننا الآن!!.. فى ظل زمن أصبح فيه النقد محظورًا.. والعتاب ممنوعًا.. والحرية مؤممة.. فى ظل هذا كله نتكلم.. وندفع ثمن الكلام!!.. بسبب الوحشية والقسوة التى طبقت علينا تقابلها المقاومة الضعيفة منا.. وقفنا أمام كل جهات التحقيق.. حتى أصبحنا نقف أمام كل درجات المحاكم.. من يصدق أنه بسبب هذه الكلمات نُعاقب بالوقوف أمام عدد كبير من محاكم الجنح والاستتئناف.. حتى محكمة الجنايات.. «يا ساتر يا رب».. كل هذا بسبب دفاعنا عن النفس؟!

إن كل الذين اعتدوا على أموالنا وتسببوا فيما نحن فيه الآن، ينعمون بمواقعهم الوظيفية.. بل تم ترقيتهم إلى مناصب أعلى كمكأفاة لما ارتكبوه ضد الملايين من أصحاب المعاشات؟!.. إننا أصبحنا نتعرض الآن لسياسة دائمة وثابتة من التجويع الممنهج والمقصود.. حتى الدواء والعلاج أصبح بالنسبة لنا رفاهية ولابد من التخلص منها !!.. لقد عشنا كل أزمات الوطن السابقة.. حتى أيام الهزيمة والنكسة لم تفعل بنا ما فعلوه بنا هذه الأيام!!.

طبعاً.. نحن نعلم حقيقة الأزمة وما يتعرض له الوطن.. لكن هل ندفع نحن وحدنا الثمن ؟!.. إن الجميع، بلا استثناء، عليه أن يشارك فى ضريبة الدفاع عن الوطن بدلاً من أن ندفع الفاتورة وحدنا.. إن توزيع الفقر أصبح من نصيب من لا يملكون.. كما أن عدالة الفقر أصبحت هى التى تطبق علينا، الأمر الذى أزعج الفقر نفسه!!.. حتى مواد الدستور التى تتحدث عن العدالة الاجتماعية.. منحوها إجازة مفتوحة.. لقد استبدلوا العدالة الاجتماعية بما يسمى «العدالة الاقتصادية»!!.. بصراحة.. أصبحنا فى واقع يؤكد أن «من يملك تكاليف علاجه يعيش ويستمر فى الحياة.. ومن لا يملك فعليه أن يستعد للرحيل.. هذا إن لم يكن قد رحل فعلاً.. ومن لا يملك قوت يومه.. فعليه أيضا أن يرحل».

من هنا حدثت الأزمة.. أزمة المقابر وعدم توسيع ما هو قائم منها.. وأصبحت أسعار الأكفان لا تُطاق.. فهل يعقل أن نذهب إلى المقابر دون كفن؟!.. إن هذا الأمر يُخالف نتائج ثورتين، كل ما تحقق منهما هو الرحيل دون تنظيم أو نظام.. إننا نناشد كل المسئولين عن المقابر والحانوتية والمغسلين، أن يُسهموا معنا- نحن المقرر رحيلنا-بخفض أسعارهم حتى يمكن أن نسهم فى خفض عجز الموازنة؟!.. كلمة أخيرة..لقد ارتفع عجز الموازنة أكثر مما كان قبل الإصلاح الاقتصادى.. فهل بعد هذا كله يتحدثون عن عجز الموازنة فيما يتجاهلون المسئولين عن ذلك؟.