رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعاشات.. جعلونى مجرمًا أمام محكمة الجنايات


لأول مرة فى حياتى أقف أمام محكمة الجنايات.. رغم أننى دخلت السجون والمعتقلات 11 مرة من قبل.. لم أكن متهمًا.. ولم يصدر ضدى قرار اتهام واحد.. لكن وقفت أمام محكمة جنايات بورسعيد متهمًا بالسب فى عدة مقالات صدرت بجريدة «الدستور» فى أبريل 2013.. تضمن جميعها السؤال عن أموال التأمينات: أين ذهبت؟.. من بددها؟.. ومن اعتدى عليها.. أيضا أين حقوق الملايين من أصحاب المعاشات؟..



فى البداية.. ذهبت إلى محكمة 6 أكتوبر فى جنحة.. ثم محكمة جنوب الجيزة الاستئنافية.. وحصلت على البراءة.. لكن الدكتور «معيط» لم يتوقف عن محاولات إسكاتى.. بل واصل تقديم القضايا ضدى.. وقفت أمام محكمة جنح بورسعيد فى ذات الموضوع.. ثم محكمة الاستئناف التى حكمت بعدم الاختصاص.

فى يوم 16/11 الماضى وقفت أمام محكمة جنايات بورسعيد بسبب موضوعات تم نشرها.. رغم أننى كتبت مئات المقالات فى المشكلة نفسها.. كان معى محامون من القاهرة وبورسعيد.. قدمت إلى المحكمة خمسة ملفات تحتوى على المستندات التى تؤكد أن هناك اعتداءً على أموالنا وتبديدًا لها وضياع حقوقنا نحن الملايين من أصحاب المعاشات.. جلست فى قاعة المحكمة من الثامنة صباحاً وحتى لحظة الغروب.. وصدر حكم العدالة برفض الدعوة المادية.. أى التعويض.. والجنائية.. أى السجن.. وتغريم «د. معيط» بالمصروفات.. خرجت إلى الشارع لأجد مظاهرة من أصحاب المعاشات قد حضروا من الجيزة والقاهرة وبورسعيد.. ارتفاع «زغاريد» النساء وهتاف الرجال كان يؤكد أن عدالة السماء دائماً معنا.

والسؤال الواجب طرحه على هؤلاء: ما الجريمة التى ارتكبتها؟!.. فهل الدفاع عن الملايين من أصحاب المعاشات الذين يعيشون الآن فى حياة لم تمر عليهم من قبل، من تجويع ممنهج ومقصود، جريمة؟!.. لقد عجز الكثير منهم عن شراء الدواء والعلاج.. فهل الدفاع عن هؤلاء يجعلنى مجرماً وأقف أمام محكمة الجنايات؟!.. نعم.. لقد دخلت السجون والمعتقلات الشهيرة ذات الخمس نجوم.. لم أهتز لحظة واحدة.. لكن هذه المرة كانت من أصعب ما مر على فى حياتى.. فكلمات وصراخ الملايين هى التى هزت كيانى كله.

من هؤلاء سيدة من «الصعيد الجوانى» قالت لى فى مكالمة هاتفية: «كنت مديرة مدرسة وخرجت إلى المعاش ومعى أولاد كبار مازلت أربيهم ولم يعد معاشى يكفى حتى الطعام و..!!.. مثل هذه الكلمات الموجعة جعلتنى مستعدًا لتقبل حكم الإعدام وليس السجن فقط.. خصوصاً بعدما أكدت لى ذات السيدة فى مكالمتها: «لقد ارتديت النقاب وخرجت كى أتسول حتى لا يتعرف على تلاميذى الذين أصبحوا رجالاً الآن».. ثم سألتنى: هل يرضيك ذلك؟!.. هذه الواقعة ما هى إلا نموذج من ملايين النماذج لأصحاب المعاشات.. فمن الذى يقبل على نفسه أن يستمع لهذه الكلمات ويصمت؟!.. يقول الصحابى الجليل أبو ذر الغفارى: «عجبت لمن بات جوعان ولم يخرج للناس شاهراً سيفه»!!.. إننى لم أدع-بالطبع- لإشهار السيف لمن تسببوا فى تجويعنا.. بل أشهر فقط كلمات مكتوبة تدافع عن الملايين المنكوبة.. فهل مثل هذه الكلمات تجعلنى أقف أمام محكمة الجنايات؟!.

إننى لم أسب أحدًا من قبل.. لكننى أصرخ بكلمات مكتوبة أو مسموعة لا تخالف القانون والدستور.. لكن للأسف الشديد وجدت من تغضبه كلماتى ولا يرضى عنها ممن جعلونا هكذا.. فالحقيقة المؤكدة التى تكشفها المستندات أن هناك 162 مليار جنيه استمرت عشر سنوات دون فوائد.. ولو أضفنا الفوائد لهذا الرقم فسيرفع الرقم إلى نصف تريليون.. إن هذا الرقم المخيف والمخفى مسئول عنه د. معيط، مساعد الوزير لشئون التأمينات. الذى أتى به إلى هذا المكان «بطرس غالى»، وزير المالية الأسبق، والهارب الآن فى لندن.. ومنذ عام 2006 حتى 2013 حدث ما حدث لأموال التأمينات على يد هذا الرجل.. ولا يستطيع أى مسئول أن يسأل عن مصير أموالنا التى نحصل منها على حقوقنا نحن أصحاب المعاشات.. ومنذ هذا التاريخ أيضاً ونحن فى حالة دفاع شرعى عن هذه الأموال وعن حقوقنا.

إن أى مسئول مهما كان موقعه إذا طلب تفسيرًا عن مصير أموالنا.. فسيرد عليه د. معيط نفسه بردود نعلمها كما يعلمها غيرنا جيداً.. إذاً لم يعد هناك طريق لاستعادة أموالنا وحقوقنا بعد أن أصبح من تسببوا فيما نحن فيه الآن هم أنفسهم وبمواقعهم ذاتها، هم الذين يديرون شئوننا فى وزارتى المالية والتضامن!!.. لقد قابلنا كل المسئولين.. بل كل الأنظمة التى تحكمنا منذ سنوات وحتى الآن.. لم نترك مسئولاً واحدًا إلا وعرضنا عليه أزمتنا.. أى أن الأبواب أصبحت مغلقة أمامنا.. وندفع الآن الثمن غاليا..والسؤال: ماذا نفعل الآن ؟!.. لقد فقدنا أكثر من نصف معاشاتنا بعد انخفاض القيمة الشرائية.. وأصبح الجنيه الواحد أقل من 50 قرشاً.. فكيف نواجه الحياة ونحن نقدر بالملايين.. فى الوقت الذى نملك فيه ثروة هائلة تصل إلى تريليون جنيه بعد إضافة الفوائد المستحقة؟!.. لقد فقدنا ثورتين وعدالة اجتماعية وحقوقًا قانونية ودستورية.. وأصبحنا نواجه ثورة مضادة توجه لنا الضربات الواحده تلو الأخرى.. ومع ذلك فلن نوافق أو نقبل بالهزيمة.. ولن نوقع على شروطها.. وسنقاوم بكل ما نملك..بالقانون والدستور وشرع الله.

إننا نوجه نداءً إلى كل الرموز الوطنية فى ربوع الوطن كله أن تشاركنا حق الدفاع عن هذه الملايين التى تتساقط الآن من الفقر المدقع والمرض الفتاك.. لقد غابت أموالنا وأصبحت فى ذمة التاريخ، ومن تسببوا فى ذلك أصبحوا الآن نجوم مجتمع ومسئولين يتحدثون فى كل مكان.. لم يحاسبهم أحد ولم يُسألوا عن شىء فعلوه.. بل حاكمونا نحن أمام محكمة جنايات!!.. إننا لا نستغيث.. بل نطالب بحقوقنا.. نعم نحن على استعداد أن ندفع ما تبقى لنا من صحة وعمر حتى وإن كان الثمن هو الطريق إلى المقابر حتى نأتى لهؤلاء المعدمين بحقوقهم.