رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التضخم وسياساتنا المالية والاقتصادية


تعود مشكلة الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة بالأذهان إلى الكساد الكبير الذى حدث نتيجة التلاعب فى سوق الأوراق المالية، وتعود فصولها إلى منتصف عشرينيات القرن الماضى وتحديدًا فى عام 1925.. وذلك عندما بدأت أسواق الأسهم فى الولايات المتحدة الأمريكية بالارتفاع الكبير حتى بلغت قمتها فى عام 1929، وقد شجعت تلك الارتفاعات الكبيرة والمتلاحقة عامة الشعب على الدخول إلى البورصات وشراء الأسهم طمعاً فى تحقيق أرباح طائلة، ونتيجة الانخفاض الحاد فى أسواق الأسهم الأمريكية، أقبل الجميع على بيع كل شىء، دون وجود من يرغب فى الشراء، مما أدى إلى إفلاس الأفراد جراء خسارتهم فى أسواق الأسهم، وتبعهم الكثير من البنوك والمؤسسات المالية إلى إعلان إفلاسها، وفقد الأفراد مدخراتهم وأصبحوا غير قادرين على شراء احتياجاتهم الأساسية، ونتيجة لذلك تكدست السلع والبضائع فى المتاجر والمصانع ولم تجد من يشتريها، وتوقفت المصانع عن الإنتاج وأغلقت المتاجر أبوابها وسرّحت العاملين بها، أما المزارع فقد انخفضت إنتاجيتها إلى النصف.



ومع انخفاض معدلات النمو فى الولايات المتحدة الأمريكية اعتبارًا من عام 2006 بدأ الحديث حول إصابة الاقتصاد الأمريكى بحالة من الركود، وبدلاً من لجوء مسئولى أمريكا لاتخاذ بعض الإجراءات الاحتوائية لمواجهة ذلك الركود، استمرت عمليات منح الائتمان بشكل منفلت، وظهر العديد من الأخطاء وعدم الانضباط وقصور الرقابة، كما تم فى البداية الإعلان عن بعض الخسائر المحدودة، أعقبها اضطرار الحكومة إلى التدخل فى محاولة منها لإنقاذ بعض المؤسسات الكبرى.. وذلك من خلال عمليات الدمج القسرى، إلى أن تفجرت الأزمة فى شهر سبتمبر عام 2008، حين سمحت السلطات الأمريكية بإفلاس وانهيار بنك ليمان براذرز الذى يعد رابع أكبر بنك استثمارى أمريكى، فكان ذلك بمثابة الإعلان الرسمى عن بداية الأزمة المالية العالمية الكبرى الحالية.

كذلك فإن اقتصادنا يعانى حالياً العديد من مشكلات جمة أبرزها زيادة عجز الموازنة العامة للدولة، وزيادة العجز فى ميزان المدفوعات، وارتفاع معدلات البطالة..بالإضافة إلى وجود اختلالات هيكلية بين السياسات المالية والنقدية، ولذلك تكمن مشكلة البحث فى دور أدوات السياسات المالية والنقدية فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية على هيكل نشاطنا الاقتصادى.

وانطلاقاً من المشكلة البحثية ونتيجة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية العالمية، تبنت حكومتنا سياسات إدارة الطلب من خلال زيادة الإنفاق الحكومى وعرض النقود للتغلب على تلك الآثار السيئة، ولذلك يهدف البحث إلى التعرف على ملامح السياسات المالية والنقدية المطبقة على هيكل النشاط الاقتصادى المصرى، وما آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على الناتج المحلى الإجمالى والمتغيرات الاقتصادية الأخرى مثل الاستثمارات والاستهلاك والأجور والتضخم والعمالة.

فمعدل التضخم الحالى فى مصر وفقًا لبيانات الجهاز المركزى هو 10.9% فى شهر أبريل 2016. وهو ما ترفضه شرائح كبيرة من المواطنين لشعورهم بأن الرقم الفعلى لمعدل التضخم ربما يتجاوز ضعف الرقم الرسمى.. ويستند من يؤيد هذا الرأى إلى العديد من الحجج أهمها أن هناك العديد من السلع والخدمات لا تدخل فى حساب معدل التضخم لعدم وجود أرقام قياسية لها.. أو لصعوبة رصدها مثل: الدروس الخصوصية وارتفاع أسعار المساكن.. فهناك تباين كبير جدًا بين الإيجارات القديمة والإيجارات الجديدة.. أيضاً وجود خدمات أخرى بعضها مدعوم والآخر غير مدعوم كقطاعى التعليم والصحة، فالتعليم الخاص يُقدم بأسعار مرتفعة جدًّا، وكذلك الخدمات الطبية المقدمة من القطاع الخاص.

كما أن قانون الإحصاء المصرى الحالى الذى يعمل به الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لا يلزم أى جهة فى الدولة بالتجاوب مع الجهاز وإجابة كل الاستمارات وإتاحة المعلومات، وبالتالى لا توجد أى مسئولية قانونية من جراء الامتناع عن التعاون مع الجهاز، أو لمن يدلى ببيانات ومعلومات خاطئة، وهو ما يشكك فى دقة بيانات الجهاز ومنها طريقة احتساب معدل التضخم.

فى هذه الحالة ينبغى على البنك المركزى التدخل لإحداث توازن بين الدولار والجنيه، وذلك من خلال طرح الدولار فى الأسواق مقابل شراء الجنيه. ويعتمد البنك المركزى فى هذا الطرح على ما يمتلكه من دولارات تم تحصيلها إما من المصادر الدولارية المعروفة مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين العاملين فى الخارج، وإما من خلال المنح والودائع من الخارج. فعندما تقل إيرادات هذه المصادر يعجز البنك المركزى عن التدخل لإحداث مثل هذا التوازن، ومن ثم لا يمكنه السيطرة على ارتفاع معدلات التضخم... كذلك فإن نتيجة انخفاض القوة الشرائية للجنيه المصرى.. وذلك فى حالة طباعة المزيد من العملة دون زيادة فى الناتج المحلى.. يلجأ البنك المركزى إلى هذه الحيلة لسد العجز فى الموازنة العامة حتى يُمكن وزارة المالية من دفع الرواتب والأجور وتسديد ديونها المحلية، وهو ما يسمى فى علم الاقتصاد «التمويل التضخمى» لعجز الموازنة... وعندما يطبع البنك المركزى المزيد من الجنيه المصرى.. فإن ذلك يؤدى إلى زيادة حجم المعروض النقدى من الجنيه دون زيادة حقيقية تقابلها فى الإنتاج.. وبالتالى تقل قيمته وتنخفض قوته الشرائية.. على سبيل المثال؛ كيلو اللحم كان يمكن شراؤه بـ70 جنيهًا، وعندما تذهب حاملًا الـ70 جنيهًا تفاجأ بأن سعره قد ارتفع إلى 90 جنيهًا، وبالتالى انخفضت قدرة الـ70 جنيهًا على شراء كيلو اللحم، وأصبحت فى حاجة لإضافة 20 جنيهًا أخرى حتى تستطيع الشراء.