رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رعاة الإرهاب على أرض سيناء


فى المقال السابق، تحدثنا عن «حركة حماس» كرأس للحربة فى خاصرة الأمن بسيناء، وحضورها المبكر منذ العام 2011م بدور محورى فى فصل تشكيل التنظيمات المسلحة بشمال سيناء، وتكفلتها بالدعم طوال المرحلة الانتقالية، لتنتقل معها إلى آفاق أكثر تعقيدًا وخطورة فى عام حكم الإخوان «2012 +2013»، تمثل ذروة الخطر فيه عندما كانت عناصر حماس الاستخبارية ضالعة فى عملية نقل وتهريب الأسلحة، من مخازن الجيش الليبى إلى سيناء بالتعاون مع عناصر من الإخوان فى ليبيا ومصر.



وعندما كانت شحنات الأسلحة تصل إلى سيناء وتصبح بأيدى التنظيمات الإرهابية حديثة النشأة حينئذ، يتم اقتسامها على النحوالآتى: قسم منها يتم تمريره إلى غزة عبر الأنفاق لصالح كتائب القسام الذراع العسكرية للحركة، والقسم الثانى الذى يمثل نوعيات متطورة وأغلبها قذائف صاروخية وأنواع من القنابل والألغام، فكان يتم تخزينها بمناطق جبلية وتحت الأرض فى مخازن سرية لحساب «حركة حماس»، وتمثل تلك الأسلحة والذخائر النوعية القوة الضاربة لكتائب القسام، ولخشية الأخيرة من رصد إسرائيل لدخول تلك النوعية من الأسلحة واستهدافها، أوكل للتنظيمات الإرهابية فى سيناء مهمة تخزينها وحراستها وضخها عبر الأنفاق فى حال احتياج حماس لها.

يبقى القسم الثالث من الشحنات حيث يتم تزويد التنظيمات الإرهابية فى سيناء به، البعض بمقابل أموال تم دفعها من قبل الإخوان فى ليبيا، والبعض الآخر مقابل خدمات التهريب والنقل والأهم مقابل القيام بأعمال الحراسة لمخازن الأسلحة والمفرقعات السالف ذكرها.

هذه المنظومة من العمل السرى المعقد، استلزمه تطوير هائل فى منطقة الأنفاق الموجودة أسفل الشريط الحدودى ما بين سيناء وقطاع غزة، لتشهد تلك المنطقة فى الفترة ما بين «2011 ـ 2013» ما سمى حينها بـ«ربيع الأنفاق»، حيث وصلت الأنفاق إلى ما يقارب «1000 نفق» تعمل بصورة محمومة فى نشاطات متنوعة، فحركة حماس تملك من الخبرة والتقنيات الهندسية المدربة عليها ما يوفر لها بناء نفق فيما لا يزيد على خمسة أيام، ويتم استخدام وسائل متعددة فى عملية الإخفاء والتمويه لفتحات الأنفاق فى كلا الجانبين، وقد استثمر هذا الربيع المزعوم فى تطوير قدرات التنظيمات الإرهابية بالصورة التى أهلتها لخوض نشاط إرهابى مكثف فيما بعد ثورة 30 يونيو2013م، تمثل هذا التأهيل فى تدريب كوادر منتقاة من تلك التنظيمات داخل قطاع غزة على استخدام الأنواع المختلفة من الأسلحة، ومنها يعودون لتطوير مهارات عناصر تنظيماتهم داخل سيناء فى الوقت الذى كان هناك أكثر من تنظيم يتنافس فى إحراز مركز الصدارة للعمل الإرهابى. قبل أن يتوحدوا جميعا تحت راية التنظيم الأكبر «أنصار بيت المقدس» فيما بعد ثورة يونيو2013م ووصول قوات الجيش إلى تلك المنطقة لأول مرة من أجل تطهيرها وكسر شوكة تلك المنظومة التى لم تكن عشوائية أو بدائية على أى نحو، فلم تكن الخطوات جميعها التنظيمية والعملياتية تتخذ وتتبلور إلا وفق نسق مدروس مبرمج بمهارة فائقة من الخارج.

طرف الخيط البعيد الذى ذكرناه فى ليبيا، كان يمسك به عناصر الاستخبارات القطرية، فهم الذين وضعوا أيديهم على أسلحة الجيش الليبى فيما بعد سقوط نظام القذافى ورحيل قوات الناتو، وكانوا فى هذا الوقت المبكر يديرون نشاطا هائلا على أراضى ليبيا المفتوحة، بدأت بضخ أموال سخية للميليشيات الليبية كى تسيطر على مخازن السلاح وتنقل استحواذها إلى القرار القطرى، وتلك هى التى تم النقل منها إلى سيناء كما أسلفنا. والطرف الآخر كان قابعا داخل غزة منذ «قافلة مرمرة» 2010م متمثلًا فى عناصر استخبارات تركية وضباط نظاميين انخرطوا سرا للإشراف على «كتائب القسام»، فدخلوا غزة ولم يخرجوا منها وصاروا أصحاب الكلمة العليا فيما بعد، وحتى اليوم القرار والتخطيط فى كل ما يخص النشاط السرى بداخل غزة وخارجها بيد هؤلاء، ولم يكن التخطيط التركى بعيدًا على الإطلاق عما يدور فى سيناء، فهم من بداية تأهيل التنظيمات وصولًا إلى دفعها للتوحد ثم إعلانها مبايعتها لتنظيم «داعش»، كانت تلك قرارات وتكتيكات تركية خالصة ومباشرة.