رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أول سيدة ومسيحية تترأس حزبًا في مصر.. أسرار خاصة من هالة شكر الله

هالة شكر الله
هالة شكر الله

حالة من الجدل صاحبت ظهورها، وحالة أكثر جدلًا أثارها اختفاؤها عن الساحة السياسية، بعد أن تولت هالة شكرالله منصب رئيس حزب الدستور، فى العام 2014، كأول امرأة وأول مسيحية تتولى رئاسة حزب سياسى فى مصر، فى تجربة لم تستمر طويلًا بعد أن تقدمت باستقالتها من رئاسة الحزب فى العام 2015، محدثةً بذلك أيضًا حالة صخب شديدة.

«الدستور» فتحت صندوق أسرار وذكريات «شكرالله»، فى حوار قدمت فيه كشف حساب عن حال حزب الدستور، وكشفت أسباب انهياره، كما قدمت «شكرالله» كشف حساب لحال الأحزاب السياسية والنخبة المثقفة فى مصر، وأزمة تجديد الخطاب الدينى.


اعتزلت العمل الحزبى وأتفرغ لكتابة مُذكراتى
«لم أكن أحلم أو أتوقع تولى رئاسة حزب سياسى».. هكذا بدأت «هالة شكر الله»، الرئيس السابق لحزب الدستور، وأول امرأة وأول مسيحية تتولى رئاسة حزب سياسى فى مصر، حوارها مع «الدستور»، بعد صمت طويل منذ استقالتها من الحزب فى العام 2015، حيث كشفت «شكرالله» أنها منذ انتهاء علاقتها بحزب الدستور، بعد تقديم استقالتها، عادت إلى عملها كمديرة لأحد مكاتب التنمية المُتخصصة فى تقديم الاستشارات بمجال التنمية والتخطيط، والتدريب لأفراد المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وهو عمل لم يستمر سوى شهرين فقط، وتم إغلاق المكتب بسبب خلافات مع مصلحة الضرائب، لتعود إلى منزلها وتبدأ فى كتابة مُذكراتها.

فى مذكراتها تتحدث شكرالله عن فترة عملها بالحياة السياسية، وفترة تكوينها وتربيتها فى مرحلة الطفولة والشباب، بعد أن عاشت فترة طويلة خارج البلاد، وبالتحديد فى كندا، لظروف عمل الوالد بالسلك الدبلوماسى، حتى عادت إلى مصر وهى طفلة بعد عام 1967، عقب النكسة، التى أثرت بشكل سلبى للغاية على المصريين فى الخارج، حيث أصيبوا بحزن شديد وخيبة أمل بعد أن كانوا يستمعون ليلًا ونهارًا للإعلام المصرى عبر الراديو، يردد نغمة انتصار القوات المصرية على الجيش الإسرائيلى، وهو ما ثبت كذبه بعد مُطالعة وكالات الأنباء العالمية، ما أصاب المصريين بالخارج بألم شديد، انطبع على وجه السفير المصرى فى كندا، وكان أحد رجال القوات المسلحة المصرية فى السابق، والذى أصيب بحزن شديد، رافضًا تصديق ما حدث، وكان له وقع الصدمة الشديدة بعد أن أعقبه تنحى الرئيس جمال عبدالناصر عن حكم البلاد.

«نشأ داخلى شعور كبير بالعودة إلى مصر والحنين إلى الوطن، وبعد عودتى فى سن الخامسة عشرة، انشغل عدد من أشقائى، حين كانوا طلابًا بالجامعة، بالنشاط فى الحركة الطلابية، والمُطالبة بالحرب وتحرير الأرض المُغتصبة، وتطبيق الديمقراطية فى البلاد، حتى جاءت إحدى الليالى المفصلية فى حياتى، بعد أن اقتحم الأمن منزلنا للقبض على أشقائى عام 1971، إبان عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وهو مشهد لم أعتد رؤيته سابقًا، بعد أن عشت طفولتى فى الخارج، وأصابنى مع باقى الأسرة بالذهول، ومن هُنا كانت لحظة فارقة سواء فى تكوينى الشخصى أو السياسى.

بدأت التواصل مع أهالى المعتقلين من أعضاء الحركات الطُلابية للتواصل مع الجهات المعنية من أجل الإفراج عن الشباب، وعقد مؤتمرات ووقفات للتعريف بالقضية، وطفت العديد من شوارع وقرى مصر، وتعرفت على أهلها، علاوة على حضورى العديد من جلسات المحاكمة للمتهمين، وكان ذلك بداية الحراك السياسى داخلى، بعد أن تم اعتقالى لأكثر من مرة مع أهالى المتهمين، وكان ذلك أيضًا بمثابة احتكاك قوى بالشارع والعمل السياسى، حتى تم الإفراج عن أشقائى، وكانت حرب 1973 التى أعادت الروح للشعب المصرى، وحينها تطوعت للعمل فى المستشفيات لعلاج جرحى المعركة، بعد أن طالبت مع العديد من قيادات الحركات النسائية بالتطوع فى صفوف الجيش المصرى للقتال ضد العدو.

التحقت بجامعة القاهرة فى كلية الآداب، وبدأ نشاطى السياسى الحقيقى من خلال الأسر ومجلات الحائط، والمُشاركة فى المظاهرات الاحتجاجية اعتراضًا على اتفاقية «كامب ديفيد»، وبعدها سافرت مع الوالد إلى الهند بعد أن تولى منصب رئيس بعثة الجامعة العربية هُناك، وتوجهت إلى لندن لاستكمال دراستى، وأذكر هُنا أن نشاطى السياسى فى الجامعة جعل الأمن على علم كبير بشخصى وبنشاطى، وأثناء وجودى فى الخارج اندلعت أحداث 18و19 يناير، وحينها تم إدراج اسمى على قوائم المتهمين بالاعتداء على الأمن فى الجامعة بالمطاوى والأسلحة، على الرغم من وجودى فى لندن، وبناءً عليه تم فصلى من الجامعة فى القاهرة، وبقيت فى الخارج خوفًا من الملاحقة.

اتخذت قرارًا بالعودة فى عام 1979 لاستكمال دراستى فى الجامعة، ومن العام 1981 عاودت مرة أخرى نشاطى السياسى، الذى سبقه زواج قوبل بأزمة كبيرة ورفض من الأسرة، ولاسيما أننى على الديانة المسيحية وزوجى مسلم، حتى تم إقناع الأسرة بالزواج، لأستعيد نشاطى السياسى بين الأحزاب والاحتجاجات، والحراك السياسى فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، والذى انتهى بثورة يناير، وبعدها بدأت فكرة تدشين حزب الدستور، والتحقت بالحزب، حتى توليت منصب رئيس الحزب قبل أن أتقدم باستقالتى من رئاسة الحزب، وهى خطوة أستبعد تكرارها مرة أخرى على الرغم من حالة الضجة الشديدة التى صاحبها انتخابى رئيسا للحزب، كأول امرأة وأول مسيحية تتولى رئاسة حزب فى مصر».


لا نمتلك أحزابًا أو نخبة ومصير حزب الدستور مجهول
تروى «شكرالله» قصتها مع حزب الدستور قائلة: «فى بداية التحاقى بالحزب كنت أتوقع وجود تفاعل بين الحزب والشارع، وتنفيذ المشروعات، إلا أن الحزب شابه ضعف النمو الحزبى، وضعف الإدراك، وافتقاد الرؤية، وانعدام التجربة لدى البعض، فى التنظيم أو القدرة على الحوار وقبول الآراء المختلفة، وعدم وجود أهداف محددة يمكن تطبيقها على أرض الواقع، أو حتى تقديم وعود بتنفيذها، علاوة على عدم الارتباط بمصالح الناس من مختلف الفئات، على الرغم أن الحزب أعلن نيته الدفاع عن مصالح وحقوق الطبقات الفقيرة والمهشمة، وبدأ فى وضع برامج لتنفيذ ذلك، إلا أن كل ذلك لم يحدث.

انشغل الجميع بالصراعات الداخلية، والسعى للسيطرة على مقاليد الحكم داخل الحزب فقط، علاوة على أنه لا يكفى هُنا للحزب أن يكون وسيلة احتجاج، ولكن عليه أن يقوم بعمل فعلى على أرض الواقع، وإن كنت أتمنى أن يعود الحزب إلى الحياة بعد فوز «خالد داود» بمنصب رئيس الحزب، على الرغم من حصوله على المنصب بالتزكية لعدم وجود مرشحين منافسين، لذلك أتمنى أن تعود قُبلة الحياة إلى الحزب بعد أن استلمته كرئيس وهو على وشك الاحتضار سعيًا لإعادة إحيائه من جديد، واستقالتى من الحزب جاءت حين وصل للحالة التى هو عليها الآن، وأعتقد أن الحزب عليه أن يعمل من جديد للعودة للحياة السياسية بعد أن تهاوى بشكل مخزٍ، ولا سيما أن الانتخابات بشكل عام يكون لها مدلول صحى فى الحياة السياسية».

وعن الأحزاب الموجودة على الساحة والحياة السياسية فى مصر، وصفت «شكرالله» الحياة الحزبية بالناضبة، قائلة: «كما أن مصير كافة الأحزاب فى مصر بل النخبة السياسية «مجهول»، ويمر بأضعف لحظاته، علاوة على عدم وجود نخبة سياسية قادرة على قيادة دفة الحياة السياسية، وافتقاد الأحزاب الترابط مع الشارع، وانفصالها عن المواطن، وانشغال الأحزاب بالصراعات الداخلية، ما لا يوفر حياة سياسية ديمقراطية سليمة، وهى نفس الأزمة التى حدثت مع شباب القوى الثورية لدى ثورة يناير، وكان يمثل بذرة أمل لشباب واعٍ قادر على العمل فى الحقل السياسى، إلا أن خبرته عجزت أمام الآراء المتنوعة داخله، وعدم قبوله للرأى الآخر والاتجاهات المختلفة، ووجود صراعات داخلية بين الشباب أنفسهم على مناصب أو قيادة، علاوة على أن الشباب لم يكن مؤهلاً من الأساس لحمل راية القيادة فى العمل السياسى، فضلاً عن دخولهم فى العديد من المعارك مع أطراف وجهات لا داعى لها، على الرغم من سلمية توجههم ونشاطهم».

الأزهر يقف ضد تجديد الخطاب الدينى وترك الساحة للإرهابيين
باعتبارها أول امرأة تتولى رئاسة حزب فى مصر، كان من الضرورى أن تقدم «شكرالله» تفنيدًا لوضع المرأة المصرية فى الوقت الحالى، والذى وصفته بغير المُرضى، فعلى الرغم من وجود العديد من النائبات تحت قبة مجلس النواب، إلا أنه عدد غير مُرضٍ ولا سيما بعد ثورتين فى تاريخ البلاد.

«كانت السيدات على رأس المظاهرات والحراك السياسى، وإن كان أفضل كثيرًا من نظام الكوتة فى عصر مُبارك، ولكن كل ذلك لا يندرج تحت بند حصول المرأة على حقها، فى ظل توغل إرهابى من قبل تيار سلفى يقف بالمرصاد للمرأة رافضًا ظهورها أو حتى عملها، علاوة على حالة جمود تنتاب مؤسسة الأزهر فى تجديد الخطاب الدينى، حتى إنها تقف عائقًا أمام تجديد الخطاب بما يحمى المرأة المصرية وكافة أطياف المجتمع، بمن فيهم الأقباط، ويخلق حصنًا يحمى المسيحيين فى مصر من فتاوى بتكفيرهم وقتلهم، وترك الساحة للتيارات السلفية تعبث بحقوق الأقباط، على الرغم من أن الدستور المصرى صان حقوق جميع الديانات بالنص على أن مصر دولة مدنية الهوى، وهُنا الأزهر الشريف كان عليه أن يتبنى أو يقود تجديد الخطاب الدينى وليس الوقوف ضد ذلك، مثلما حدث فى واقعة «إسلام بحيرى»، الذى خرج كصوت مستنير يسعى إلى تجديد الخطاب وتنقيح التراث، لكنه قوبل بالحبس والعقاب على هدفه النبيل، وهُنا يلوح فى الأفق شبح خطير ضد المرأة، وضد الأقباط، وضد المسلمين أنفسهم، بعد أن سقطوا فريسة التيار المتشدد الذى يرفض تجديد الخطاب الدينى من أجل تحقيق أهدافه، فى ظل تخاذل الأزهر وتقاعسه، وكذلك ضعف المجلس القومى للمرأة، والجمعيات الحقوقية.

الجمعيات التى تتولى قضايا المرأة والدفاع عنها، تعمل فى ظل إمكانيات ضئيلة وهو أمر مؤسف للغاية، وكل ذلك أدى للأسف الشديد إلى خيبة أمل فى تجديد الخطاب الدينى قبل السقوط فى بحر الظُلمات، ونفس الأمر هُنا ينطبق على الخطاب الكنسى الذى بحاجة إلى تجديد أيضًا، وإن كان تأثير الخطاب الكنسى يقتصر فقط على طوائف معينة، لكن لابد من الفصل دائمًا بين الخطاب الدينى وبين الدولة المدنية التى نسعى إليها جميعًا بعيدًا عن التشدد والعنف، لأنه لا يجوز أن تُبنى الدولة على أساس تمييز دينى، مثلما يحدث مع الأقباط الذين لم يحصلوا حتى اللحظة على المواطنة الكاملة، بما يتعارض مع مبادئ السلام الاجتماعى، ويؤدى لضياع حقوق المسيحيين.

على الجميع هنا الوقوف ضد تمدد التيارات الدينية وجماعة الإخوان المسلمين التى انتهجت خطاب العنف ضد الآخر، إبان فترة وصولهم للحكم، مستغلين فى ذلك نقاط ضعف الشعب المصرى، من فقر وجهل، وعدم وجود أحزاب سياسية وقوى بديلة، علاوة على انتهاجهم الخطاب الدينى، وعزفهم على وتر المظالم، فى ظل تمويل داخلى وخارجى غير محدود يحصلون عليه من أجل تحقيق أجندات خارجية، وتغيير فكر المواطن المصرى، والسيطرة على المنابر والمساجد لنشر فكرهم المتشدد».