رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"رأس الحسين" حائرة بين القاهرة و كربلاء وعسقلان.. سلفى : وجودها بمصر أكذوبة .. وشيعى :الأوقاف تأكدت من دفنها بالمسجد

الحسين
الحسين

"الثلاثاء الأخير من شهر ربيع الآخر"، فى مثل هذا اليوم من كل عام يحتفل المصريون بمولد الإمام الحسين، ولم يكن هذا التاريخ موعد وصول الإمام للحياة، بل تاريخ وصول رأسه الشريفة إلى مصر، بعد مقتله في كربلاء وقطع رأسه، ويحى المصريون هذه الأيام للإحياء ذكرى وصوله رأسه الشريفة إلى مصر، ودفنها في القاهرة.

"مقتل الحسين"
وعلى الرغم من الاحتفال الكبير الذي يُقام في هذا اليوم، إلا أن وجود رأس الحسين في مصر بالفعل أم لا ما زال يثير الجدل ، فقد بدأت قصة مقتل الحسين بن علي بعدما بايع الناس شقيقه الحسن خليفة لوالده علي بن أبي طالب بعد مقتله على يد عبد الرحمن بن ملجم.

وأرسل الحسن إلى معاوية بن أبي سفيان لمبايعتة والدخول في الجماعة لكنه رفض، مما اضطر الحسن إلى القتال، وعلم معاوية بذلك فاستعد له، ولكن صعب على الحسن أن يقتتل المسلمون فكتب إلى معاوية شروطًا للصلح، كان أهمها أن يتولى الحسن الحكم من بعده، وإذا حدث حادث في الحسن فيتولى الحسين، ورضي معاوية فترك الحسن الخلافة وسلم الأمر لمعاوية، ورفض الحسين نزول شقيقه عن الخلافة.

وتوفى الحسن عام 50 هـ، وحافظ الحسين على عهد شقيقه حتى استلم معاوية الحكم، وأخذ يمهد لبيعة ابنه يزيد، وبدأ إعداد الأمر لابنه في المدينة المنورة، وعندما أعلن معاوية عما يدور في رأسه، اعترض البعض على مبايعة ابنه يزيد، وكان أكبر المعارضين الحسين بن علي، وتوفى معاوية وبويع يزيد بالخلافة وأراد يزيد الحصول على مبايعة الحسين حتى وإن كانت بالقوة، فرحل الحسين عن المدينة دون أن يبايعه بالخلافة، واتجه إلى مكة المكرمة سرًا مع أصحابه وأهله.

وصلت أنباء رفض الحسين مبايعة يزيد إلى الكوفة، ورأت بعض التيارات في الكوفة أن الفرصة حانت لتولي الحسين للخلافة، واتفقوا على الكتابة للإمام الحسين للقدوم ليسلموا الأمر له، ويبايعونه بالخلافة، وبعد وصول رسائل أهل الكوفة إليه قرر أن يستطلع الأمر فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل ليكشف حقيقة الأمر له، وشعر بن عقيل بجو من التأييد لخلافة الحسين، فأرسل رسالة إلى الحسين يعجل بوصوله، وعلم الخليفة الأموي بما يدور فهدد الموالين للحسين، وبالفعل تفرق الناس عن مبايعة الحسين، وانتهى الأمر بمقتل ابن عقيل.

علم الحسين بمقتل ابن عقيل وهو في طريقه إلى العراق، وأثناء استكمال طريقه إليها اعترضه الجيش الأموي بقيادة عمرو بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن تميم، وبدأ الجيش يمطر الحسين وأصحابه بوابل من السهام، واستمرت المعركة في كربلاء، وتساقط أصحاب الحسين الواحد تلو الأخر، وقرب انتهاء المعركة ركب الحسين جواده يتقدمه شقيقه العباس، ليقع العباس شهيدًا ولم يتبق في الميدان سوى الحسين.

أُصيب الحسين بسهم فاستقر في قلبه، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسد الحسين، وقام شمر بن ذي جوشن بفصل رأس الحسين عن جسده باثنتي عشرة ضربة بالسيف في محرم عام 61 هـ، ومنذ ذلك الحين وتختلف الأقاويل حول المكان الذي دفُنت فيه رأس الحسين.
.

"روايات عن رأس الحسين"

جدل كبير يُثار حول المنطقة التي دُفنت فيها رأس الإمام الحسين، وتظل الرأس حائرة بين كربلاء وعسقلان ومصر ودمشق والمدينة.

"كربلاء"
يعتقد الشيعة الإمامية أن الرأس دفُنت في كربلاء بعد أن عادت مع السيدة زينب إلى كربلاء بعد أربعين يومًا من مقتله، وهو يوم الأربعين الذي يجدد فيه الشيعة حزنهم، واستند الشيعة في ذلك إلى قول القزويني عالم عربي مسلم، وأبو ريحان البيروني العالم المسلم، والمؤرخ أبو الفرج بن الجوزي.

"الشام"
وفي روايات أخرى ذكر مؤرخون أن الرأس دُفنت في دمشق بعد وصولها من كربلاء، وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام، حيث قال إن الأمويين ظلوا محتفظين بالرأس يتفاخرون بها أمام الزائرين حتى أتى عمر بن عبد العزيز، وقرر دفن الرأس وإكرامه في دمشق، واختلف المؤرخون حول مكان دفن رأسه فجاءت الأماكن بين حائط دمشق ودار الإمارة والمقبرة العامة لدفن المسلمين وداخل باب الفراديس المسمى بمسجد الرأس، وجامع دمشق وسمي المكان برأس الحسين ويزوره الناس حتى الآن.

"عسقلان"
في حين تذكر روايات أخرى أن موضع الرأس في عسقلان، وقال العالم الشبلنجي والعالم الفارقي ذهبت طائفة إلى أن يزيد أمر أن يُطاف بالرأس في البلاد فطيف به حتى انتهى إلى عسقلان فدفنه أميرها بها، وروى المقريزي شيخ المؤرخين المصريين، أن بعد دخول الصليبيين إلى دمشق واشتداد الحملات الصليبية قرر الفاطميون أن يبعدوا رأس الحسين ويدفنونها في مأمن من الصليبيين، خاصة بعد تهديد بعض القادة الصليبيين بنبش القبر، فحملوها إلى عسقلان ودفُنت هناك.

"المدينة"
ويرى أخرين أن رأس الحسين في البقيع بالمدينة المنورة إلى جانب أمه فاطمة الزهراء، حيث أكد بن تيمية أن جميع المشاهد بالقاهرة وعسقلان والشام مكذوبة، مستشهدًا بروايات بعض رواة الحديث والمؤرخين مثل القرطبي والمناوي، وأكد أن الرأس المزعوم في مصر ليس في الأصل سوى رأس راهب.

"القاهرة"
وروى المقريزي أيضا أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من باب الفراديس في دمشق إلى عسقلان ومنها إلى القاهرة في 10 من شهر جماد الآخر عام 548 هـ، وبنوا له مشهدًا كبيرًا في حي الحسين في القاهرة، وذلك بعد دخول الصليبين إلى دمشق واشتداد الحملات الصليبية، وذكر العالم والفقيه الشعراني أن الرأس نُقلت إلى مصر على يد العقيلة زينب بنت علي ودفنته فيه.

وترصد "الدستور" أقاويل الطوائف المختلفة حول رأس الحسين، واستطلاع رأي أساتذة التاريخ الإسلامي حول الرواية الصحيحة..

داعية سلفي: وجود رأس الحسين بالقاهرة روايات شيعية كاذبة

أوضح الشيخ سامح عبد الحميد، الداعية السلفي، أن الإمام الحسين رضي الله عنه مات عام 61 هجريًا في كربلاء، والمقام الذي أُقيم له في الحسين أنشأ عام 490 هجريًا، متسائلًا "ما الذي نقل نقل رأس الحسين بعد كل هذه السنوات من قبره في كربلاء إلى الحسين؟".

وتابع عبد الحميد، في تصريحات لـ"الدستور"، أنه لا يوجد دليل صحيح على أن رأس الحسين في مسجد الحسين، والروايات التي يعتمد عليها الصوفيين شيعية، فهم يقولون إنه أثناء غزو الصليبين شعر الفاطميون بالخوف على رأس الحسين فنبشوا عليها وأحضروها، وحتى هذا القول غير مقبول فكيف ينبشون على رأس الإمام الحسين؟.

وأضاف الداعية السلفي، أن الصليبيين دخلوا الشام والعراق، وهذه الدول بها أجساد صحابة آخرين فلماذا لم يخرجوا سوى رأس الحسين؟، مستكملًا "هذه الرواية كذب في كذب، وهم يقولون إن الرأس كانت متواجدة في عسقلان، على الرغم من أنه قُتل في كربلاء في العراق، فما الذي نقلها إلى عسقلان؟".

وأكد أن بن تيمية ينقل الحقيقة في هذا الأمر، وأنه قال إن الرأس نقلت إلى البقيع المدفون فيه الصحابة وأهله في المدينة المنورة، أما الأقاويل الأخرى كاذبة وغير صحيحة على الإطلاق، وقد أجمع العلماء على ذلك، ويترتب على هذا الكلام أن كل الذين يتعاملون مع مسجد الحسين على أن به رأس الحسين خاطئين، وزيارتهم واحتفالاتهم على أساس ليس له وجود وأشياء غير حقيقية.

وأشار عبد الحميد، إلى أن الزيارات لرأس الحسين متواجدة في عدة دول، ففي مصر يدعون أن رأس الحسين في مسجد الحسين بالقاهرة، ويقيمون الموالد من أجلها، وفي العراق يذهب الشيعة لمسجد أيضًا يُقال إن فيه رأس الحسين، فأين رأس الحسين في كل هذه الأماكن؟.

قيادي شيعي: علماء "الأوقاف" تأكدوا من وجود رأس الحسين بالمسجد

وقال أحمد راسم النفيس، القيادي الشيعي، إن المقريزي روى قصة وصول رأس الإمام الحسين إلى مصر، وشرح فيها كيف وصلت الرأس الشريفة إلى القاهرة في منتصف القرن السادس الهجري، لافتًا إلى أنه عندما حدث التمدد الصليبي إلى فلسطين، تم الاستيلاء على عسقلان، ودب الخوف في نفوس الفاطميين، فقاموا باستخراج رأس الحسين خوفًا عليها، ومن ثم قاموا بنفلها إلى مصر.

وأضاف "النفيس" في تصريحات لـ"الدستور"، أن هناك مصادر مصرية عديدة تؤكد على وصول الرأس إلى مصر، بالإضافة إلى الكتب الآثرية التي توجد بها مساجد مصر، كذلك تحقق علماء وزارة الأوقاف من هذا الأمر، وتأكدوا من وجود الرأس الشريفة في مسجد الحسين.

مؤسس شباب الطرق الصوفية: كتاب بالمتحف البريطاني كشف وصول رأس الحسين لمصر

في حين قال مصطفى زايد، مؤسس شباب الطرق الصوفية، إن كل عام ومع الاحتفال بمولد الحسين رضي الله عنه يخرج علينا من يقول بإن رأس الحسين لا توجد في مصر، وقد تعودنا على ذلك ونؤكد أن كلام هؤلاء لن يلتفت إليه الصوفية أو المصريين عامة، لانهم على قناعة بل وتأكيد أن رأس الحسين موجودة بالمشهد المقام لها بداخل مسجد الحسين بالقاهرة.

وتابع زايد في تصريحات لـ"الدستور"، أن الشيخ محمد ذكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية ذكر في كتابه "مراقد أهل البيت بالقاهرة" من الأدلة والبراهين القطعية التي لا ينكرها إلا كاره لأهل البيت وجاحد عليهم، ومن هذه الأدلة ما عُثر عليه الباحثين بالمتحف البريطاني في لندن من سنوات علي نسخة خطية محفوظة من كتاب "تاريخ آمد"، لابن الأورق المتوفي عام 572 هجريًا، وهي مكتوبة عام 560 هجريًا، أي قبل وفاة المؤرخ بأثنى عشر سنة، ومسجلة بالمتحف المذكور تحت رقم 5803 شرقيات.

واستكمل مؤسس شباب الطريق الصوفية حديثه، قائلًا "قد أثبت صاحب هذا الكتاب أن رأس الحسين عليه السلام نُقل من عسقلان إلى مصر عام 548 هجريًا، أي في عهد المؤرخ وتحت سمعه وبصره وبوجوده ومشاركته ضمن جمهور مصر العظيم في استقبال الرأس الشريف للإمام الحسين".

رئيس جمعية الدارسات التاريخية: نكران السلفيين وجود رأس الحسين بالقاهرة لأغراض لهم

وأوضح أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر ورئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أن رأس الإمام الحسين ترجع لآخر عصر الفاطميين، وكانت مدفونة في عسقلان في فلسطين، وكانت أخر ممتلكات الفاطميين في الشام، وعندما بدأ الصليبون التقدم شعر الفاطميون بالخوف على الرأس من أن يدخل الصليبيون عسقلان ويخربونها، فنقلوا الرأس إلى مصر في عام 548 هـ.

وأضاف "فؤاد" في تصريحات لـ"الدستور"، أن الفاطميين قاموا بنقل رأس الحسين إلى مصر وكانوا سيدفنونها في البداية خارج باب زويلة، لكن أصرت بعض الشخصيات الهامة في القصر أن تُدفن داخل القصر في قبة الديلم، التي يؤدي إليها باب الديلم، باب القصر الفاطمي الكبير، والذي يسمى الآن بالباب الأخضر.

وشن أستاذ التاريخ الإسلامي هجومًا على من يدعي أن رأس الحسين لم تصل إلى مصر، قائلًا "إن السلفيين هم من يدعون أن رأس الحسين لم تأت إلى القاهرة، وهم ليسوا بمؤلفين ولم يدرسوا شيئًا وليس لديهم خبرة، ويستندون في كلامهم إلى ابن تيمية، وهو ليس بعالم في التاريخ.

وشدد على ضرورة أن تؤخذ المعلومات التاريخية من المؤرخين والمصادر التاريخية وليس من أي شخص هكذا في الهواء، فعلى كل شخص الحديث في تخصصه فقط، لافتًا إلى أن السلفيين لديهم أغراض، وأنهم ضد فكرة أن يكون هناك مقام من الأساس، لذلك يسعون إلى إلغاء هذا المكان.