رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللقاحات المضروبة.. سر نفوق الدواجن في مصر

نفوق الدجاج
نفوق الدجاج

> مرتبات شهرية من شركات الاستيراد لمسئولي «الخدمات البيطرية» لتمرير اللقاحات الفاسدة

> رجلا أعمال يحتكران 95% من سوق التحصينات بالتعاون مع مسئولين بوزارتي الصحة والزراعة


أكوام من الدواجن النافقة متراكمة على الأرصفة بين المزارع والأراضى الزراعية فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، مغطاة بأكوام من الأتربة، فى محاولة لحجب رائحتها، بجوارها يجلس أصحابها المربون فى حالة من الصدمة بعد نفوق 95% من دواجنهم، لانتشار بعض فيروسات الدواجن فى مزارعهم على مستوى المحافظة، وغيرها من المحافظات، وعدم توافر الأمصال واللقاحات المناسبة لهذه الفيروسات، خاصة أن اللقاحات والأدوية المتاحة غير فعالة، بل تسببت فى ضراوة المرض، حسبما قالوا لـ«الدستور».


واتهم مربو دواجن تعرضوا لخسارة وصلت إلى100%، على حد قولهم، الهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، بأنها تقاعست مع شركات الأدوية والأمصال عن توفير بعض اللقاحات المطلوبة بشدة فى هذه الفترة، ما تسبب فى نفوق الدواجن بالمزارع وتعرضوا لخسائر فادحة، وعلى الجانب الآخر يؤكدون أن اللقاحات المتوفرة غير فعالة و«مضروبة» تسببت فى ضراوة المرض، وهو ما أطلقوا عليه سياسة «تعطيش السوق لصالح كبار شركات الدواجن».


خسائر بالملايين والسبب نقص المصل

مصطفى دسوقى، صاحب مزارع للدواجن، يقول إنه خسر ما يزيد على 6 ملايين جنيه هذا الموسم، بسبب عدم توافر اللقاحات، وتوقف شركات الأدوية عن استيرادها، خاصة اللقاحين IB برايمر، IB فيرانت، والمطلوبين بشدة فى هذا الوقت لحاجة جميع المزارع لهما، وتوافر لقاحات فاسدة، عبر شركات الاستيراد التى تتعاقد بعضها مع وزارة الزراعة، فبالإضافة إلى الأسعار المرتفعة جدا؛ لعدم وجود صناعة محلية لهذه اللقاحاتوالتحصينات، فإن هذه الأمصال غير فاعلة بالمرة. لكن محمود أحمد، أحد مربى الدواجن من قرية إشنا واى بمدينة طنطا، قال إن سياسة تعطيش السوق من الأدوية واللقاحات المطلوبة فى هذه الفترة رد فعل من مافيا الاستيراد على قرار الحكومة بالتراجع عن رفع الجمارك عن الدجاج المستورد، وبالتالى يتم تدمير المنتج المحلى، وتقليل كمية الإنتاح المحلية، ثم إتاحة الفرصة للمستوردين للعمل بأريحية تامة فى كمية الاستيراد والسعر.


يضيف أحمد لـ«الدستور» أن الأزمة الكبرى هى أن شركات الأدوية بالتعاون مع وزارة الزراعة وغيرها من الجهات المسئولة تستورد لقاحات غير مناسبة للعترات المصرية «أنواع الفيروسات التى تصيب الطيور»، مضيفا: «ما علمته بعد ذلك أن لكل دولة عترة خاصة بها، ولابد من عمل مسح للأمراض والفيروسات الموجودة فى هذه الدولة لعمل مصل أو لقاح يواجه الفيروس، لكن ما يحدث فى مصر هو استيراد أمصال ولقاحات من الخارج لا تتوافق مع طبيعة الفيروس، وتتسبب فى تحوره وجعله أكثر ضراوة».


أمصال لا تعالج الدواجن بل تقتلها

يوضح محمد سعد، مربى دواجن من المنطقة ذاتها، أن الدواجن من عمر 24 إلى 35 يوماً تنفق بصورة غير مسبوقة، فجأة تستيقظ صباحا تجد العنبر بالكامل نافقا، آلاف الدواجن تنفق، رغم اتخاذ كافة الإجراءات الخاصة بالتحصين، وأهمها تحصين الدواجن فى عمر 14 يوماً بتحصينات تعرف بتحصينات الميت، لكن ما يحدث العكس فى عمر 24 يحدث نفوق جماعى للدواجن، بعد أعراض كالدوران وصوت من الزور، والإسهال وعدم الأكل. مضيفا: «مفيش حد كسب دورة واحدة»، وهذا ما دفع «سعد» إلى ترك تربية الدواجن وفتح محل لبيع الأدوية البيطرية بعد خسارته 300 ألف جنيه.


ورصد مربو طنطا قائمة بالفيروسات المنتشرة والتى تسبب فى دمار مزارع الدواجن، وعلى رأسها «ib، ونيوكاسل، والجمبور، والإنفلونزا»، وبالنسبة للأمهات والبياض فيروسات «ilc، الكلورا، والكلوليزا»، بينما التحصينات الفاسدة وغير الفعالة فهى «جمبورو، هتشنر، جمبورو ibd، لاسوتا، كولون 30، nd\6، واللقاح 4\91، واللقاحcr 88، واللقاح « ج 274»، وكذلك اللقاح رقم «1\96»، بالإضافة إلى تحصينات الميت بصفة عامة والتى يتم حقن الكتاكيت بها فى عمر 14 يوماً، لمواجهة الفيروسات وتقوية المناعة فى عمر 24 يوماً.


واتهم المربون مسئولين بعينهم فى وزارة الزراعة بالتورط مع شركات استيراد لقاحات وأمصال واحتكار سوق الاستيراد، وتعطيش السوق من ناحية، وفتح الباب للقاحات الفاسدة للمرور إلى مزارع الدواجن، إضافة إلى الفيروسات أو اللقاحات الفاسدة التى تستوردها هذه الشركات، من ناحية أخرى. وشملت القائمة أربع شركات أخرى، هى «الدولية» للتبادل التجارى الحر والمتخصصة فى استيراد أدوية بيطرية من الصين، و«سيفا»، وهى شركة عالمية ومديرها الإقليمى فى مصر والسودان، و«إنترفبت»، و«ميزاك» مصنع التحصينات المصرى.


الفاسدون بالأسماء والمناصب

قال «أ. ع» صاحب شركة استيراد، طلب عدم نشر اسمه، إن عمليات الفساد فى التحصينات واللقاحات والأمصال تتمثل فى لجنة التحصينات بالهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، التى يتم عقدها وتشكيلها وأخذ القرارات فى الاجتماعات الخاصة بها، من خلال رجل أعمال مستورد تحصينات معروف بالوزارة ويحتكر90% من سوق استيراد التحصينات، التى تعد «مضروبة»، وهو السبب الرئيسى فى تدمير الصناعة بالكامل.


وأضاف أن رجل الأعمال صاحب الشركة المحتكرة لسوق التحصينات، يتصل بالمسئولين فى الوزارة ويطالبهم بعقد اجتماع للجنة لأخذ قرار معين باستيراد تحصينات من الخارج، ويهدد المسئولين بالهيئة قائلا: «كل واحد يلتزم علشان منفتحش على بعض، والقرارات اللى تقرر فى اللجنة هى التى أطلبها».


ويسرد صاحب شركة الاستيراد أن البداية كانت مع ظهور إنفلونزا الطيور فى 2006، ودخول تحصينات ولقاحات بكميات كبيرة غير مناسبة، متهما مسئولين فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية بتقاضى مرتبات شهرية من شركتى استيراد تحتكران 95% من التحصينات المستوردة».


ويوضح صاحب الشركة المستوردة أن الأزمة هى أزمة احتكار، وتتلخص فى أن الشركات المستوردة للتحصينات تتقدم بطلب لمعهد بحوث صحة الحيوان للعترات المحلية المصرية، للسفر بها إلى الخارج لتصنيع تحصينات على أساسها والعودة بها مرة أخرى وتوزيعها على المربين لمواجهة الأمراض، لكن لتحقيق ذلك لابد من موافقة الهيئة العامة للخدمات البيطرية، التى ترفض وتماطل فى إعطاء الموافقة لـ99% من الشركات المتقدمة بطلبات لصالح شركتين، يملكهما رجلا الأعمال «م. ح» و «م. س»، الأول هو مسئول فى اتحاد صناعة الدواجن ولجنة التحصينات والأدوية، ويبيع سنويا بأكثر من 2 مليار جنيه تحصينات غير مطابقة للمواصفات، والعترات المصرية»، والثانى صاحب شركة استيراد متخصصة فى استيراد التحصينات الخاصة بالدواجن».


وأكمل المصدر حديثه لـ«الدستور» أن هاتين الشركتين تحصلان على الموافقة للسفر بالعترات إلى الخارج لتصنيع التحصينات فى نفس اليوم، مؤكداً أن جميع الأعضاء اللجنة العلمية التى تسافر لإجراء «ماستر فايف» وهو عبارة عن معاينة المصنع الذى سيتم تصنيع اللقاحات به من تجهيزات وأدوات ومعدات وفقا للمعايير والمواصفات الخاصة بذلك الشأن من عدمه، جميعهم مستشارون فى الشركتين المذكورتين سابقا.


ملايين المستثمرين أهم من الدواجن

 أشار مسئول بمعهد بحوث صحة الحيوان فى معمل تحليل عينات التحصينات، إلى أن المسئولين بالهيئة يتعمدون إخفاء هوية العينات الخاصة بالتحصينات المستوردة، عبر تسمية العينات بأرقام وليس بأسماء الشركات، وهو ما يصعب على المعهد معرفة الشركات المخالفة لتقديمها إلى الجهات الرقابية، وهو ما حدث فى شحنة تحصينات ولقاحات تم استيرادها وأرسلت الهيئة عينات للشركات المستوردة معلمة بأكواد وليس أسماء، وبعد ظهور نتائج سلبية تفيد بعدم صلاحية التحصينات المستوردة، رفضت الهيئة سحب التحصينات من السوق، قائلة: «الشركات ستخسر ملايين الدولارات إذا تمت إذاعة الخبر وسحب التحصينات، وبالفعل حدثت أزمة بين هيئة الخدمات البيطرية ومعهد بحوث صحة الحيوان، وتدخلت الرقابة الإدارية ولم تخرج بنتيجة». وأوضح المصدر المسئول أن الرقابة الإدارية لديها ملف كامل تحت مسمى «فساد منظومة التحصينات» تقدمت به مجموعة من الشركات العاملة فى مجال استيراد التحصينات، لكن الرقابة الإدارية كان ردها «لن نستطيع محاسبة أحد إلا إذا تم القبض عليه متلبسًا بتقاضى رشوة». ويقول عبدالخالق النويهى، رئيس الجمعية المصرية لمربى الدواجن، إن هناك ما يقرب من 4 ملايين مزرعة تربية دواجن، لـ4 ملايين مربٍ، ويعمل فى كل مزرعة ما يقرب من 4 عاملين، يعيشون الآن كارثة بسبب نفوق 95% من الدواجن على مدار 4 دورات متتالية الفترة الماضية.


وأشار النويهى إلى أن أسعار الدواجن ارتفعت فى السوق إلى 28 جنيهاً للكيلو، وبحلول الشهر المقبل ستتخطى الـ 30 جنيهاً وأكثر بسبب ضعف الإنتاج، لافتاً إلى أن وزارة الزراعة ممثلة فى معهد العباسية خرجت من اللعبة، وتركت الأمر لشركات الاستيراد، ومافيا الأدوية المغشوشة التى ارتفعت بنسبة 60%، وأصبحت الأمصال التى ينتجها المعهد تخرج لناس بأعينهم، منوها بأنه خسر نحو 3 ملايين جنيه خلال الأشهر الأربعة الماضية.


مسئول سابق بوزارة الزراعة، طلب عدم ذكر اسمه، يقول إنه منذ ثلاثة أعوام كانت تجارة الدواجن منتطمة، بعد السيطرة على إنفلونزا الطيور، ولكن بعد عام 2011 ظهر مرض «الآى بى»، وهو التهاب شعبى معدٍ، إضافة إلى مجموعة من الفيروسات الأخرى، التى كانت فى حاجة للأمصال أو اللقاحات، بعد ذلك فوجئنا بدخول لقاحات ضد هذا الفيروس «ib»، وأنها سلالات مغايرة، وتعد هذه السلالات خطيرة جدا لأنها تتحور بسرعة وتتحد مع الفيروسات الموجودة أصلا أو القادمة معها، أدى ذلك لنفوق ما يزيد على 80% من الثروة الداجنة».


وأضاف المصدر، أن هذه اللقاحات بالمعنى البسيط تؤدى إلى إنتاج فيروسات خطيرة، ولا تقوم بدورها الأساسى وهو التحصين ضد الفيروسات، وذلك لخدمة مافيا كبيرة يديرها مسئولون بهيئة الخدمات البيطرية، بالتعاون مع رجال الأعمال، والشركات المحتكرة للاستيراد.


مربون: خسرنا كثيرا

فى استطلاع رأى أجرته «الدستور»، بمشاركة نحو 200 مربى دواجن، عبر موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، حول مدى تحقيق أرباح أو التعرض للخسارة فى الثلاثة أشهر الأخيرة، وما السبب فى الحالتين، قال 126 مربياً منهم إنه بدأ بالفعل فى مشروع تربية الدواجن الفترة الماضية، لكنه تعرض للخسارة وتوقف عن العمل فى مجال تربية الدواجن، وأن السبب وراء ذلك كثرة الفيروسات وعدم وجود لقاحات مناسبة لها، وأن اللقاحاتالموجودة لا تناسب الفيروسات المصرية وغير فعالة فى القضاء على المرض.


وقال 39 مربياً إنهم لم يجازفوا من الأساس فى تربية الدواجن، بسبب الوضع الراهن التى تعانى منه الصناعة، وعدم اهتمام الدولة بالمربى الصغير، وسيطرة رجال الأعمال والمستوردين على الصناعة، حيث قال أبوراما، وهو مربى دواجن: «أنا خسرت 150 ألف جنيه، ومعاهم خسرت شبابى وضحكتى». على الجانب الآخر، قال 22 مربياً إنهم حققوا أرباحا من وراء تربية الدواجن، مرجعين ذلك لـ«الحظ»، بينما أكد عدد آخر أنهم سيستمرون فى العمل، بالرغم من تعرضهم للخسارة.


درويش: توفير نواقص اللقاحات قريبا

قال الدكتور نبيل درويش، رئيس اتحاد منتجى الدواجن، إنه تم الاجتماع مع الهيئة العامة للخدمات البيطرية، وتم الاتفاق على توفير اللقاحات الناقصة من السوق، خاصة «iB برايمر وعترة الميرينت»، وأنه سيتم توزيعها على مستوى الجمهورية فى مده اقصاها عشرة أيام من الآن، لافتا إلى أنه بالفعل تم دخول «عترة الـiB بريمر» وهى الآن بالمصل واللقاح بالعباسية، وخلال أسبوع سيتم انتشارها على نطاق الجمهورية.


وأضاف «درويش» أنه من المنتظر توفير «عترة الميرينت» فى مده أقصاها أسبوع لدخول مصر ليتم توزيع اللقاحين معا؛ للسيطرة على الأمراض المنتشرة الآن، وتساءل: من المسؤول عن دمار صناعة الدواجن فى مصر؟ ولماذا لا تتم محاكمته بعد عدم توفير لقاح «IB برايمر iB برايفت؟» ولمصلحة من يمنع استيراده؟.


وطالب المهندس عبدالعزيز إمام، عضو لجنة إدارة أزمة الدواجن باتحاد منتجى الدواجن، بمحاكمة المسئولين فى هيئة الخدمات البيطرية لعدم استيراد اللقاح، مما أدى إلى نفوق الدواجن بالمزارع وتبديد ثروات ومقدرات البلد، مؤكدا تسببهم فى إغلاق المزارع وضياع استثمارات بـ50 مليار جنيه.