رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللعب بالقانون في قضية سيدة الكرم القبطية


كان المشهد مفزعًا منذ شهور.

مشاجرة عنيفة تتم فيها تعرية سيدة قبطية، ويتم حرق بيوت مواطنين أقباط، ينتفض المجتمع كله ويغضب، تنحاز الصحافة للسيدة المسكينة التى تم هتك عرضها علنًا، الرئيس يقدم لها اعتذارًا وترضية ويرجوها أن تقبلها، تتحول المشاجرة إلى قضية منظورة أمام القضاء، بعد حبس مجموعة من المتورطين فى الفضيحة الإنسانية.


أمس الأول السبت فقط كانت الجلسة الأولى لمحاكمة المتهمين بتعرية سيدة الكرم القبطية وحرق بيوت الأقباط، وكانت المفاجأة أن نيابة المنيا التى تحقق فى القضية أحالتها بعد استبعاد شق التعرية لعدم كفاية الأدلة، وتضارب أقوال الشهود، والاكتفاء فقط بتهمة حرق بيوت الأقباط.

استبعاد تهمة التعرية أغضب قطاعات عريضة من الأقباط داخل مصر وخارجها، وبدأوا فى وصلات من السب واللعن لكل من يقف فى طريقهم، ولم يترددوا فى إهالة التراب على الجميع، بداية من الرئيس الذى لم يتأخر عن إعلان موقفه من الواقعة، ونهاية بالمتورطين فيها، وعادت مرة أخرى أسطوانة اضطهاد الأقباط واحتقارهم واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم وبيوتهم.

وهنا لابد من وقفة واضحة وحادة مع هؤلاء الغاضبين، لأنهم أنفسهم الذين هللوا عندما تم القبض على المتورطين فى القضية وإحالتهم إلى النيابة تمهيدًا لتقديمهم إلى المحاكمة، وهو ما عكس تمكن دولة القانون التى نطالب بها جميعًا.

الوقفة الواضحة والحادة تتعلق بموقف يتناقض تماما مع القانون، فإذا كانت الإجراءات القضائية، تتوافق مع مصالحنا ونعتقد أنها صواب، نمتدح دولة القانون، لكن إذا جاءت هذه الإجراءات ضدنا، أعلنَّا الحرب على الدولة التى لا تراعى القانون، والمعنى الواضح أننا أنفسنا لا نحترم القانون ولا نريد له تمكينا من أى نوع.

حزنت فعلًا لأن تهمة التعرية لم تثبت بالأدلة أمام النيابة، لكن السؤال هو: من وقف وراء عدم إثبات التهمة؟

المبرر القانونى هو عدم كفاية الأدلة وتناقض أقوال الشهود، ومن يحقق لا يُعنى بمشاعرنا ولا مواقفنا الإنسانية، ولكن يهتم بما لديه من أوراق وأدلة، ولأنها لم تكن كافية، فقد أصدر القرار الذى اطمأن له ضميره، ولا يمكن أن نلومه على ذلك، أو نعيب عليه، فليس معقولا أن يُفصَّل القانون والإجراءات القضائية ليرضى الرأى العام، هذه كارثة مكتملة لو حدثت.

لا يرضى أحد بالإساءة إلى أى مواطن مصرى، ونحتج كثيرًا على دهس المواطنين من قبل الأجهزة الأمنية إذا جانبهم الصواب، لكن ليس معنى ذلك أن نحتج على أى قرار قضائى لأنه لا يعجبنا.

ابحثوا عن الضمائر الخربة التى قادت قضية سيدة المنيا إلى هذه النتيجة، حاسبوا من عبثوا وابتزوا ولعبوا بالقانون حتى نصل إلى هذا الموقف، وتوقفوا عن الطعن فى الجميع، ليس لأنه لن يجدى فقط، ولكن لأننا بذلك نهدم دولة القانون، وإذا كنتم غاضبين مما يجرى، فساعدوا هذه السيدة قانونيًا، حتى لا تتحول إلى ضحية مرتين، مرة عندما تعرَّت، ومرة عندما ضاع حقها.