رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"لماذا تموت الكاتبات كمدا؟"

الدكتور عزوز علي
الدكتور عزوز علي اسماعيل

سؤال " لماذا تموت الكاتبات كمداً؟" للكاتب الأستاذ شعبان يوسف، قد فاجأ الجميع وعرى المجتمع الذكوري أمام تلك الإهانات التي لحقت بالمرأة قديما وحديثا، ومدى الذل والتهميش بل والاضهاد الذي نالها سواء أكان من الساسة أم من الأدباء الرجال وهو ما عزف عليه الأستاذ شعبان يوسف في هذا الكتاب الرائع حقيقة والذي يعتبر الوحيد من نوعه انتصر للمرأة وأخذ حقبة ليست بالهينة وهي منذ بداية القرن الماضي وحتى وقتنا هذا، بدءا من قضية تحرير المرأة عند قاسم أمين وما ناله في هذا الاتجاه وانتهاء بالكاتبة ابتهال سالم منذ وقت قريب. 

 يبحث عن تلك الحقوق المهضومة مستشهدا بأسمائهن جميعا بل ويعرج أحيانا كثيرا عبر الكاتبات الغربيات مثل فرجينيا وولف التي انتحرت غرقا في أربعينيات القرن الماضي لأسباب اجتماعية واضطهاد إنساني ولم يرحمها النقاد وقد شنت عليهم حربا شعواء في كتابها " القارئ العادي " وإصابتها بانهيار عصبي لتلقي بنفسها في الماء وتفارق الحياة، ويشن هجوما على أولئك الاشتراكيين الذي نصبوا أنفسهم دعاة للحق والفضيلة.

 وقد طاف وجال هنا وهناك باحثا ومنقبا عن الأنثى الكاتبة التي أضيرت من كتاباتها، ويلوم كتابا كبارا عما فعلوه إرضاء للسياسة مثل سلامة موسى ولطفي السيد بل وعميد الأدب العربي طه حسين حين كتب مقالته الشهيرة " العابثات " إشارة منه إلى ما قامت به " درية شفيق" حين اعتصمت هي وبعض النساء الأخريات في مبنى نقابة الصحفيين بعد يوليو 1952.

 وأثيرت أحداث ليست بالهينة نظرا لأن الداعي إلى الحرية يقف في وجه درية شفيق وأمثالها فكتب الكثيرون ضد طه حسين ومن حذا حذوه في هذا الشأن. وكذلك الأمر عند سميرة موسى تلك العالمة التي لو قدر الزمان بقاءها لأتت بما لم تستطعه الأوائل، حيث ظلمت ظلما بينا من الجميع وما يشفع لها أن هناك كتابات ثورية لها كانت تكتبها في جريدة " البلاغ الأسبوعي" وبثت في مقالاتها حبها لوطنها العظيم مصر ومحاربتها للإنجليز ومن عاونهم ولها مسرحية رائعة" الفضيلة المضطهدة " تناولت فيها الوطن وهموم الوطن وما يجب أن يكون عليه.

ويلوم الكاتب المترجم عبد الغفار مكاوي لأنه لم يضمن كتابه " البلد البعيد " كاتبة من الكاتبات الغربيات حيث انحاز إلى الذكور فكتب عن تشيكوف وشيلر وبرخت وألبير كامي وغيرهم. وكذلك الحال عند نعمان عاشور في كتابه " مع الرواد " حيث ذكر العديد من الرواد في الفن والأدب مثل نجيب الريحاني ومحمود حسن إسماعيل ونجيب سرور. لقد كان الكاتب على وعي بما كتب عن المرأة وما لم يكتب عنها فحاول هذه المحاولة الرائعة في رصد الحراك الأدبي النسائي المهمش ومدى الاضهاد الذي نالته المرأة خاصة إذا ما كانت قامة من القامات في الفكر مثل ملك حفني ناصف " باحثة البادية " التي خدعت من زوجها وعائشة التيمورية و" مي زيادة " التي كان اسمها ملء العين والبصر وكان يلتف حولها كبار الساسة والكتاب والأدباء والمثقفين وانبروا جميعاً يكتبون في جمالها وأدبها ولكنهم جميعاً تركوها حين كانت في أمس الحاجة إليهم ولم يقف معها سوى أمين الريحاني وعلى الرغم من التدليل المتعدد من قبل من عرفوا مي زيادة إلا إن الجميع تخلوا عنها حين بدأت كتاباتها تثير بعض القلاقل للساسة وتعبير رائع قاله الأستاذ شعبان يوسف عنها حيث تخلى عنها الجميع " وبدأت تموت أمام أعينهم ببطء أولئك الذين كانوا يحرقون البخور لجمالها ولأنوثتها الطاغية".

هذا الكتاب قد أثار حفيظتي وجعلني أقرأه مرة ثانية بتأنٍ لأنني كنت متابعاً له عبر جريدة أخبار الأدب أما لماذا قرأته ثانية لأنني أكتب الآن عملا نقديا سسيولوجيا تحت عنوان " الألم في الرواية العربية " وبحثت في هذا الكتاب لأجد ما تألمت من أجله الكاتبات ودون عبر الرواية فوجدت أكثر من عمل فضلاً عما دونته سابقاً وكتبت عنه عن نعمات البحيري في " يوميات امرأة مشعة " والتي ماتت بسبب هذا المرض اللعين فوجدت هنا ما كتبته " أوليفيا عبد الشهيد الأقصرية " حيث أصدرت كتاباً يحمل عنوان " العائلة " ولكنها طوردت واضطهدت بسبب هذا الكتاب. أمنى من الأستاذ شعبان يوسف أن ينتصر لبني جنسه من الرجال مثلما انتصر للنساء المضطهدات.