رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوانين مشبوهة.. تساعد على سرقة وتهريب الآثار


مثل هذه الجرائم لم تكن لترتكب لولا القوانين «الكارثية» التى «طبخها» بليل أسود أصحاب المصالح من أمثال إمبراطور الحديد-الرجل الأقوى فى لجنة سياسات جمال مبارك-عندما أصر «كعضو تابع لحزب الأغلبية-فى مجلس شعب 2010على تعديل قانون الآثار 1983 بالقانون رقم 3 وآخر رقم 61 لسنة 2010 والمعروف بـ«قانون أحمد عز للآثار».

وزارة الآثار..أم العجائب والغرائب..قبل صدور قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983..كانت تجارة الآثار عندنا تتم بترخيص من الدولة..مثلها فى ذلك مثل أى تجارة.. يقوم التاجر بعدد من الإجراءات: سجل تجارى وبطاقة ضريبية بموجبها يدفع الرسوم المقررة عليه كل عام..فى باب العقوبات من هذا القانون «الشؤم» نجد أنه منع تجارة الآثار وجرمها بالسجن والغرامة طبقاً لطبيعة النشاط «تجارة.. سرقة.. تهريب.. وتربح من وراء الآثار».. وتراوحت تلك العقوبة ما بين الغرامة المالية والسجن لمدة قد تصل إلى 7 سنوات لغير الأثرى.. وضعفها إذا كان المتهم من العاملين بالآثار..لحد كده و«حلو الكلام»..لكن المفاجأة هنا أن من وضعوا هذا القانون خدموا به «علية القوم» من الحائزين فى بيوتهم على آثارنا».

فمثلاً نصت المواد: «7- 8 - 9» من ذات القانون على «جواز تسجيل الآثار التى كانت فى حوزة التجار و«الأثرياء» والاحتفاظ بها فى منازلهم بصفتهم «حائزين».. يعنى «حُراس» عليها فى بيوتهم.. شفتوا إزاى ؟!. وطبقاً لهذا القانون أيضاً تسابقت هيئة الآثار مع الزمن وأنشأت إدارة جديدة باسم «إدارة حيازة الآثار»!!..على أن يكون عمل تلك الإدارة هو القيام بتسجيل القطع الأثرية لدى التجار والأثرياء فى سجلات قيد آثار..ومن ثم تحفظ نسخة لدى هؤلاء التجار والأثرياء فى منازلهم..أما النسخة الأخرى تكون لدى إدارة الحيازة ومن ثم تقوم هذه الإدارة بالتفتيش الدورى على القطع الأثرية بمنزل كل حائز للاطمئنان على وجودها وعدم فقدانها أو تزييفها !!.. الكلام ده بقى مش جميل خااالص..تعالوا نلقى الضوء على جانب مهم من هذا القانون الكارثى.. لقد بلغ عدد القطع التى تم رصدها بسجلات قيد القطع الأثرية لدى الحائزين من تجار وكبار رجالات الدولة فى نظام مبارك أكثر من 100 ألف قطعة أثرية..وهى قطع تنتمى بجميع العصور «فرعونى فى معظمها.. وإسلامى.. وقبطى.. ويونانى.. ثم رومانى وقطع أثرية من العصر الحديث».

الطريف فى الموضوع أن أكثر من نصف هذه الآثار كان موجوداً داخل عمارة بشارع الجمهورية وسط القاهرة لدى تاجر آثار معروف «فـ - ش».. وبعد أن تم تسجيل كل ما لديه فى سجلات الآثار طبقا لقانون حماية الآثار الصادر عام 1983.. فوجىء الرأى العام بضبط عدد كبير من هذه القطع ضمن الآثار التى ضبطها رجال الجمارك فى مدريد بإسبانيا وزيورخ بسويسرا..وبدورهم أبلغوا السلطات المصرية وتولت فيما بعد استكمال الأوراق من الخارج واستلام المضبوطات من الخواجات..وقد عرفت هذه الجريمة بـ»قضية الآثار الكبرى» واتهم فيها «فـ.ش» وعدد آخر من الأثريين يتقدمهم مدير عام إدارة الحيازة «ع.ك. ش» بهيئة الآثار..وقد تم الحكم على «فـ.ش» تاجر آثار بالسجن المؤبد وغرامة 10 آلاف جنيه.. وعلى منتج سينمائى ذى صلة بتاجر الآثار ويحمل الجنسية الألمانية.. وعلى «م.ر» بالسجن 15 سنة وغرامة 10 آلاف جنيه..ثم انقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة لمدير عام إدارة الحيازة لوفاته.. ثم مصادرة القطع الأثرية المضبوطة.. وذلك بعد إدانة هذه العصابة بتهمة التزوير فى السجلات وتهريب آثار وتربح وجرائم أخرى شملها مضمون حيثيات حكم محكمة جنايات القاهرة.. ترجع وقائع القضية إلى عام 2003..عندما تمضبط 272 قطعة آثار بمطار القاهرة قبل تهريبها إلى مطار هيثرو بلندن مصحوبة بأوراق مزورة من «فـ.ش» تفيد بأن تلك القطع مقلدة..وبفحصها تبين أنتماءها للعصور الفرعونية واليونانية والقبطية والإسلامية..ومن باب العلم بالشيئ..قدر مُثمن آثار من نفس نوعية البريطانى-النصاب «ريفز» قيمة هذه القطع بمبلغ 320 مليون جنيه حينها..هذا من وجهة نظر التجار والأثرياء الذينيقدرون تاريخ مصر بالمال.. أما الوطنيون-المخلصون فأكدوا أن قطعة الآثار المصرية-الواحدة لا يمكن أن تقدر بثمن لأنها جزء أصيل من حضارة أم الدنيا..مع العلم أن لجنة الجرد التى شكلتها النيابة العامة أثبتت أن القطع المفقودة والمهربة المثبتة فى هذه القضية تجاوزت الـ 50 ألف قطعة أثرية.

مثل هذه الجرائم لم تكن لترتكب لولا القوانين «الكارثية» التى «طبخها» بليل أسود أصحاب المصالح من أمثال إمبراطور الحديد-الرجل الأقوى فى لجنة سياسات جمال مبارك-عندما أصر «كعضو تابع لحزب الأغلبية-فى مجلس شعب 2010على تعديل قانون الآثار 1983 بالقانون رقم 3 وآخر رقم 61 لسنة 2010 والمعروف بـ«قانون أحمد عز للآثار».. وتنص تلك التعديلات على «إبقاء الحيازة فى يد كل مواطن مصرى شرط أن يبلغ عن الآثار التى بحوزته ويتم تعيينه حائزاً لها فى منزله» !!..الكلام ده معناه فتح الباب أمام المزيد من «الأكابر» الذين يحتفظون فى منازلهم بآلاف من القطع الأثرية من مختلف العصور التاريخية !!.. وهو ما تنص عليه ذات المادة رقم 8 من القانون المعدل والمعمول به حتى الآن. أما المادتان 49» و50 من الدستور فتعتبر «الآثار تراث انسانى ويجب على الدولة حمايته وصيانته و......»..أما المادة 6 من قانون حماية الآثار الحالى فتعتبر «جميع الآثار من أموال الدولة العامة فيما عدا الحيازة أو الوقف» !!..هذا الكلام فى منتهى الخطورة..ويجعلنا نطرح على وزارة الآثار سؤالين، الأول: ما السبب الحقيقى لقيامها بتسجيل القطع الموجودة فى حيازة المصريين داخل بيوتهم فى سجلاتها ؟!.. والثانى:هل تعتبر الآثار فى هذه الحالة ملكية خاصة أم ملكية عامة ؟!.. ولعلمى اليقينى أن وزارة الآثار لن تجيب..لذا يمكننى القول بأن هذا القانون أعده محترفون لخدمة من يريدون ولسان حالهم يقول «لتذهب مصر وآثارها إلى الجحيم»!!.

إذن «عز» ومن على شاكلته حاولوا تفصيل نصوص حتى للقانون المعدل لصالح «علية القوم»..أى أن الحزب الوطنى دخل كطرف أصيل مع عناصر الارهابية الـ «88» فى مجلس الشعب لاستغلال نفوذهم كـنواب عن الشعب لصالح تجار الأثار والأثرياء الذين يمتلكون العديد من القطع الأثرية داخل بيوتهم..وذلك فى سابقة لم تحدث فى التاريخ.. والأغرب فى هذا الأمر أن «الوطنى والإخوان» افتخرا بإصدار القانون الكارثى-بحسب ما سبق وأكد- د.زاهى حواس فى تصريح متلفز له يقول فيه:«أن نواب الإخوان وقفوا معه ضد نائب يعمل محامياً»!!..فى هذا السياق كنت قد قرأت تصريحاً لـلأثرى سمارات حافظ-رئيس قطاع الآثار الإسلامية- لجريدة يومية يؤكد فيه إن :إدارة الحيازة بوزارة الآثار تُستغل فى الوقت الحالى كـ «بوابة» للاتجار فى الآثار وتهريبها، وزاد «سمارات» على ذلك بأن لجنة الحيازة قد «شاخت» بالفعل وأصيبت منذ زمن بعيد بشلل رباعى.. ناصحاً وزير الآثار بسرعة إطلاق رصاصة الرحمة على إدارة الحيازة خشية أن تورط الوزارة فى مشاكل مستقبلية لا يحمد عقباها..وهو الأمر الذى حفز أصحاب المصالح ومحترفى ركوب الموجة من أمثال الأثرى «الغوووول» وغيره على المطالبة حينها بإلغاء المادة الخاصة بحيازة المواطنين للآثار من قانون رجل الحديد وليس من قانون 1983مع الأخذ بعين الاعتبار أن «الغووووول» ومعه عبد الحافظ والعشماوى وآخرون كانوا أعضاء فى لجنة «عز» تحت إشراف «حواس» -أمين عام مجلس الآثار حينذاك!!.

أخونا فاروق حسنى-وزير الثقافة الأسبق كان قد أصدر هو الآخر قراراً «هزلىاً» برقم 712 لسنة 2010 فى 27 / 6 / 2010 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الآثار المعدل بصفته رئيس المجلس الأعلى للآثار حينئذ..تنص المادة 11 منه على أن «لا يمنع تسجيل الأثر من احتفاظ المالك او الحائز باسمه طالما لم يسبق اتهامه فى أى من الجرائم المنصوص عليها بقانون الآثار»..كما نصت نفس المادة على استحداث إدارة جديدة مثل إدارة الحيازة تحت مسمى «إدارة المقتنيات الأثرية» تكون مهامها هى المهام ذاتها لإدارة الحيازة فى القانون القديم..بمعنى أوضح «زيادة أعداد الآثار التى يحتفظ بها «علية القوم» فى منازلهم بطريقة يحميها قانون الآثار الذى يصفه الآثريون والخبراء بأنه «قانون سكسونيا»..ويطالبون بسرعة إلغائه واستبداله بقانون جديد يحمى تراث وحضارة مصر !!.