رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ممحاة الحياة


يُحكى قديماً أن «حكيماً» زار ابنه «العريس» وطلب منه أن يحضر ورقة وقلماً وممحاة «أستيكة».. فقال الأب لابنه: اكتب، فقال الشاب: ماذا أكتب ؟. فقال الأب: اكتب ما شئت.. !! فكتب الشاب جملة، فقال له أبوه: امح ما كتبت.. فمحاها الشاب!! فقال الأب مرة أخرى: اكتب.. فكتب الشاب جملة جديدة.. فقال له الأب: امح.. فمحاها، فقال له الأب للمرة الثالثة: اكتب.. فقال الشاب: إنى أسالك بالله أن تقول لى يا أبى لم هذا ؟، فقال اله الوالد «هل ما زالت الورقة البيضاء ؟. فقال له الشاب: نعم، ولكن ما الأمر؟، قال الأب الحكيم: الزواج يا بنى يحتاج إلى ممحاة.. !!

صدقت يا حكيم... إذا لم تحمل فى زواجك «ممحاة» تمحو بها بعض المواقف التى لا تعجبك فى زوجتك.. وإذا لم تحمل زوجتك معها ممحاة تمحو بها بعض المواقف التى لا تعجبها منك. فإن صفحة الزواج ستمتلئ سواداً فى عدة أيام، فلابد أن تسود المودة والرحمة بينكما، وأن يتقى كل منكما الله فى الآخر.

فممحاة الحياة الزوجية لابد أن تمحو كل ما يعكر جو «الحب الغبى» فقد يحب الكثير منكم بعضهم بعضاً بغباء فيفقدون الشريك.. فعليكم أن تعيشوا «الحب الذكى» الذى يسوده الصفاء، الاحترام، الود، السكينة، الرحمة، العطاء بلا حدود، العطاء بلا شروط، التسامح، الضحكة، الرضا، الاقتناع بالآخر، اختيار الموضوع والتوقيت المناسب والطريقة المناسبة، واللغة وطبقة الصوت المناسبة فى الحوار...

لكن... الأهم أن «الحياة» نفسها بحاجة إلى ممحاة نمحو بها كثيراً من المواقف.. كثيراً من العثرات.. كثيراً من الناس.. حتى نبدأ صفحة جديدة معهم...

«ممحاة الحياة» أو «أستيكة الحياة» كلنا بحاجة لها.. لنمحو بها لحظات القلق على الحاضر وعلى المستقبل، لحظات الخوف من غدر الزمان.. لحظات اليأس التى تصيبنا أحياناً.

«ممحاة الحياة» نمحو بها وجوه الفاسدين، الظالمين، المنافقين، الحاقدين الذين التقينا بهم حتى وإن كانوا علمونا «فن قراءة البشر»..

«ممحاة الحياة» نمحو بها لحظات الإساءة من الأقارب ومن الأصدقاء.. مع أن تجاهل الإساءة ليس عن ضعف منا ولكن حتى لا ننحدر إلى مستوى أخلاقهم «إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى ستنتهى الإساءة؟» غاند؟.

«ممحاة الحياة» نمحو بها لحظات حوار وجدل، مع حاقد أو غبى أو أحمق، لأنها لم تجلب لنا إلا المشاكل والقيل والقال..

«ممحاة الحياة» نمحو بها لحظات فقدان ورحيل ناس كانوا لنا «رفقاء الدرب».. «توءم الروح » ولكنهم رحلوا عنا بإرادتهم أو بالموت.. فنمحو بها الدموع على هؤلاء الغاليين.

«ممحاة الحياة» نمحو بها من ظننا أنهم يحسنون قراءتنا جيداً، يفهموننا، وكنا لهم كتاباً مفتوحاً فمحوا بغدرهم كل كلمات ومعانى الكتاب..و الآن.. ألا تتفق معى أننا بحاجة جميعاً إلى هذه «الممحاة» لنستطيع أن نحيا بسلام مع النفس ومع الآخرين ؟.