رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تكنولوجـيــا الطباعة المجسمة ثلاثـيــة الأبـعاد «١-٢»


يرتبط تقدم ورقى الإنسان ارتباطاً طردياً بمدى التطور التكنولوجى الذى يطرأ على مر التاريخ، ويشيـر الواقع إلى أن البشريـة لم تشهـد على مر تاريخها تطوراً تكنولوجياً مثل الذى شهدتـه فى النصف الثانى من القرن العشرين والسنوات المنصرمة من القرن الحالى إذ يُعـد التقدم العـلمى والتكنولوجى الهائـل الذى حدث فى هذه الفـتـرة من أبـرز المتغـيـرات التى أثرت تأثيـراً بالغـاً فى فى حياة البشريـة، خاصة تلك التقنيات التى حدثت فى علوم الفضاء، وفى أدوات ووسائل وأجهزة الاتصالات، خاصة تلك التى حدثت فى وسائل التواصل الاجتماعى «ثورة المعـلومات والاتصالات»، فأصبح العالم يعيش فى كوكب ضيـق يزداد ضيقاً يـوماً بعـد يـوم، وتعتبر تكنولوجيا الطباعة المجسمة ثلاثية الأبعاد أبرز التقنيات الحديثة التى سوف تؤثر تأثيراً بالغاً فى حياة البشرية فى المستقبل القريب.

وبالرغم من أن التقدم العلمى والتكنولوجى قد أوجد منافع كثيرة للبشرية، إلا أنـه قـد أوجـد أيضاً فجـوة واسعـة بين الشمال والجنوب، تلك الفجوة الآخذة فى الاتـساع بمرور الـزمن، فأحدثت كثيراً من المتناقضات فى العلاقات الدولية، حتى أصبحت العـلاقات الدولية تحكمها الـقـوة والمصالح غالبا، كانعكاس صريح للتقدم التكنولوجى المذهل الذى أحدث تطوراً هائلاً فى صناعة وسائل الصراع الـمسلح، وأدى إلى تصنيع وإنتاج الأسلحة ذات قدرات فائقة على إحداث الدمار الشامل، وأدى بالتالى إلى إيجاد سباقات تسلح محمومة لتحقيق التفوق على الآخرين، فإزدادت العلاقات الدولية تناقضاً، حيث أصبح السعى الـحثيث لتحـقـيـق الهـيمنة هو السمة المميزة لهذه العلاقات، فتعاظمت التوترات والصراعات، خاصة فى المنطقة الملتهبة من العالم «منطقة الشرق الأوسط» التى تتسم قضاياها بالحساسية والتعـقيـد.

ويشير الواقع إلى أن اليابان قد استخدمت تكنولوجيا الطباعة المجسمة ثلاثية الأبعاد على نطاق محدود منذ عام 1981، ثم حدثت طفرة هائلة مع بداية القرن الحادي والعشرين، حيث تم استخدام هذه التقنية على نطاق واسع فى جميع المجالات، وتتمحور فكرة استخدام هذه التقنية حول طباعة نموذج المجسمات الحقيقية المصنعة من المواد المختلفة المعدنية والخرسانية، حتى الخلايا الحية على جهاز الكمبيوتر له خاصية تصوير المجسم بأبعاده الثلاثة «الطول ـ العرض ـ الارتفاع»، ثم يتم إنتاج جميع المنتجات بدقة متناهية وفقاً للبيانات الرقمية للمجسم الأصلى، وقد انتشر هذا النوع من الطابعات انتشاراً واسعاً فى الأسواق العالمية منذ عـدة سنوات مضت، بسبب انخفاض أسعارها فى الأسواق العالمية، خاصة بعـد أن دخلت الصين بقـوة كمنافس فى تصنيع وإنتاج وتسويق هذا النوع من الطابعات.

ولا ريب فى أن تقنية الطباعة المجسمة ذات الأبعاد الرقمية الثلاثة ستهيئ الفرص للبشرية للاستفادة منها فى جميع المجالات استفادة عظيمة على جميع المستويات، سواء كانت هذه الاستفادة على مستوى الدول أو الشعوب أو الأفراد، إذ يمكن للدولة الاستفادة الكاملة من هذه التقنية فى تنفيذ جميع مكوناتها وعناصر خطط التنمية الشاملة للدولة فى زمن محدود، وبجودة عالية، وبأقل تكلفة لتحقيق أعلى عائد، سواء الخطط التى تتعلق بالتنمية العمرانية، أو التنمية الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالتنمية البشرية الضرورية لتقدم الدولة، أو التنمية الاقتصادية بجميع قطاعاتها سواء القطاع الاستخراجى أو الإنتاجى أو حتى القطاع الخدمى، وبالتالى يُمكن للدولة تحقيق التقدم والازدهار، حيث تُعتبر المقدرة الاقتصادية هى المحور الذى يتمحور حوله جميع مقدرات الدولة.

ويبدو لى أن أكثر المجالات استفادة من هذا النوع من الطابعات سيكون المجال الطبى، باعتباره أكثر المجالات التى تعتنى بالحالات الصحية والإنسانية لاستمرار الوجود البشرى إلى ما شاء الله سبحانه، إذ تشير جميع الدراسات إلى أن هذه التقنية يمكن استخدامها فى استخدامات طبية عـديـدة كإنتاج النظائـر المشعة اللازمة للتشخيص والعلاج والتعـقـيـم، وكذا فى المعـالجات المكملة والغـذائية، كما يُمكن استخدامها فى العمليات الجراحية المعـقـدة التى تجرى لدواعى إنقاذ الحياة، كما يُمكن استخدامها أيضاً فى تصنيع وإنتاج الأجهزة التعويضية، وإنتاج الأعضاء ذات الوظائف الحيـوية بطباعة وإنتاج الخلايا الحـيـة اللازمة لتكوين أعضاء جديـدة لاستبدال الأعضاء التى توقفت عن أداء وظائفها الحيوية «الكبد ـ البنكرياس ـ الرئة ـ الكلى إلى غير ذلك» والتى يمكن أن تُخفف كثيراً من آلام البشر.

صحيح أن هذه التقنية ستكون ذات فائـدة متعاظمة للبشريـة على جميع المستويات، إذ يُمكنها تحقيق أعلى عائد ممكن فى جميع المجالات عند استخدامها لصالح البشرية ، لكن هل يُمكن أن ينتج عن استخدامها سلبيات أو مخاطر على حياة البشرية؟ وفى حالة ما إذا كان ينتج عنها ذلك، فما هى هذه التحديات والتهديدات التى يمكن أن تنتج عن استخدامها؟، وهل يُمكن أن تتخلى البشرية عن استخدام هذه التقنية إذا نتج عن استخدامها هذه المخاطر؟