رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاقتصاد الأسود.. والرشوة


تُعد حقوق العاملين الضائعة أبرز السلبيات بمؤسسات الاقتصاد غير الرسمي، بدءاً من اختيار العاملين من حيث العمر، إذ لا تمانع هذه المؤسسات فى تشغيل الأطفال، كما لا تلتزم بالتواجد فى المناطق الصناعية المعدة لذلك والتى تتوافر بها مواصفات الأمن الصناعي، فيخضع العاملون لظروف عمل غير مناسبة مما يعرضهم لكثير من الأمراض، كما لا يتمتعون بأى نوع من الحماية سواء كان على شكل تأمين صحى أو اجتماعى كما يخضعون لساعات عمل أطول، وبأجور متدنية مقارنة لما عليه الوضع فى الاقتصاد الرسمي. فضلاُ عن إضعاف منافسة الاقتصاد الرسمي، إذ عادة ما يعتمد الاقتصاد غير الرسمى على السلع المهربة من الداخل أو الخارج، فيتم عرض سلع الاقتصاد غير المنظم بأسعار تقل بفارق ملحوظ عن نظيرتها المنتجة فى الاقتصاد الرسمي، فيضعف ذلك من قدرة منافسة الاقتصاد الرسمي، وهنا باب آخر للإضرار بحصيلة الإيرادات العامة للدولة، حيث تكون السلع المهربة غير خاضعة لرسوم الجمارك.

الاقتصاد غير الرسمى ليس بالظاهرة الجديدة على المجتمع المصرى، ولكنه موجود منذ سنوات كنتيجة لسلبيات نموذج التنمية المستخدمة فى مصر على مدار السنوات الماضية، حيث كان يتم التركيز على المحافظات الحضرية، أو تنمية مدن المحافظات، وإهمال ما عداها وخاصة الريف. كما كان تعسف الإدارة المحلية وانتشار الفساد فيها دافعًا لانتشار الاقتصاد غير الرسمي. ألا ينظر إلى إصلاح الاقتصاد غير الرسمى من منطق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبية للبلاد فقط، ولكن لابد من الأخذ فى الاعتبار أن هذا القطاع يعد المشغل الأكبر فى سوق العمل المصري، فحسب دراسات أجريت منذ سنتين، تبين أن الاقتصاد غير الرسمى يوظف نحو 73% من الداخلين الجدد إلى سوق العمل المصري، وبالتالى لا بد من إشراك العاملين فى هذا القطاع والاستماع إليهم فى الإجراءات التى يقترح أن يتم التعامل بها معهم لضمهم إلى الاقتصاد الرسمي.

إن تيسير إجراءات الترخيص، وخفض الرسوم الخاصة بمنشآت الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتنسى لهذه المنشآت أن تنضم إلى الاقتصاد الرسمي، وتقديم بعض الحوافز من قبل الحكومة، مثل تخفيض التأمينات الاجتماعية للعاملين بنسبة 30 إلى 50%، على أن تتحمل الحكومة من موازنتها هذه التخفيضات، وعلى أن تكون لفترات محددة، حتى يتم تشجيع هذه المؤسسات على توفيرحماية للعاملين لديها على الجانب الصحى والاجتماعي. فضلاً عن مطالبات بتفعيل دور الأجهزة الرقابية بشكل أكبر، وعودة الأجهزة الأمنية لممارسة دورها المنوط بها فى مساعدة الأجهزة الرقابية فى القيام بدورها لمنع الممارسات الخاطئة من قبل مؤسسات الاقتصاد غير الرسمي.

ومن جهة أخرى لا بد من تفعيل دور المجتمع الأهلي، وتشجيع جمعيات حماية المستهلك، والجهاز الحكومى المعنى بهذا الجانب بتوعية المجتمع بخطورة غياب اشتراطات الصحة والسلامة لمنتجات الاقتصاد غير الرسمي، وتخفيض هوامش الضرائب على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تمثل غالب نشاط الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتمكن أصحاب هذه المنشآت منالانتقال إلى الاقتصاد الرسمي، وأن تتوافر خدمات مصلحة الضرائب ومأموريها بالأسواق التى تنتشر فيها أنشطة الاقتصاد غير الرسمي، وتتبع أطراف التعامل فيها حتى يمكن ضمهم إلى المجتمع الضريبي. كما أن الاقتصاد غير الرسمى كان -ولا يزال- يمثل أحد أهم العناصر الاقتصادية فى مصر، سواء من خلال تعاملاته مع المؤسسات والكيانات الاقتصادية للدولة أو من خلال ارتباطه الوثيق باقتصاديات الأفراد والدورة المالية والاستهلاكية والمعيشية للمواطنين ومختلف الأسر المصرية، مما يجعل من تذليل كل العقبات التى تواجهه ضرورة من أجل تيسير عملية ضمه إلى نشاط الاقتصاد الرسمي، بما يساعده على التوسُّع فى نشاطه فى إطار من الشرعية والشكل القانونى الذى لا يزال يفتقده، والذى يحفظ له كامل حقوقه المادية والأدبية، كما يحفظ للدولة حقوقها القانونية والضريبية.

فالعملة غير المنتظمة تقدر بحوالى 50% من إجمالى القوى العاملة المنتظمة فى مصر، حيث تعمل فى مختلف القطاعات بداية من قطاع المقاولات والبناء ومختلف القطاعات الخدمية، مروراً بالقطاعات الصناعية والتجارية، وانتهاء بالعاملين فى المناجم والمحاجر.كما أن الاقتصاد غير الرسمى يحتوى على ما يقرب من 40% من حجم العمالة الحقيقية بالبلاد، لافتاً إلى أن الكثير من هذه المشروعات والصناعات ذات نشاط صغير وتحتوى على الكثير من العمالة الماهرة، البعض يحتاج إلى العديد من البرامج التدريبية، حتى تكون مؤهّلة للاندماج فى المنظومة الرسمية للدولة.