رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإصلاح الاقتصادى.. ضرورة ملحة


إن الرئيس السيسى راهن على شعبيته فى تمرير هذه القرارات الصعبة، وسيتحمل العبء فى امتصاص الآثار السلبية لخطة الإصلاح الاقتصادى، مع انتشار اليأس وفقدان الأمل بالقضاء على الفساد وحالات التردى الأخلاقى والانحراف الذى يزداد يوما بعد آخر بين أفرد المجتمع ومكوناته ومع ازدياد ظاهرة الفساد المالى والإدارى فى معظم المرافق والدوائر الحكومية، «وهذه أمور تحاول أن تزرعها الجهات المستفيدة منها فى المجتمع».

مع هذه الحالات كلها يزداد المصلحون يأسا وقنوطا وتراجعا، تاركين مهمة الإصلاح لمن هم ليسوا أهلا لهذه المهمة ولاهم أهل لحملها، والسبب ضبابية الأوضاع وتردى الواقع وتراجع القيم الإنسانية وظهور قيم بديلة لها، لا تمت للإنسانية بصلة، لكن يبقى الأمل موجودا بقوة، إن الخلل فى الميزان التجارى وانخفاض الإيرادات العامة، خاصة من قطاع السياحة، ضغط على سعر صرف الجنيه، لذلك كان لابد من حل الأزمة بالعمل على خفض عجز الموازنة والدين العام، عبر برنامج إصلاح اقتصادى مصرى بنسبة 100%.

ويمكن قياس الفقر فى مصر بمقياس نسبى، ولكن هل نقبل مستوى للفقر يقل عن ذلك المستخدم فى أفقر بلاد العالم كما طبقه البنك الدولى؟ وهل نقبل مستوى للفقر أقل من الصحراء الإفريقية مثلاً؟ ولعل الصورة تتحسن نسبياً إذا أضفنا حجم دخل الاقتصاد «السرى» أو «اقتصاد الباطن» فى مصر فإن ذلك يزيد من إجمالى الدخل القومى الرسمى، وبالتالى متوسط دخل الفرد. ولكناقتصاد الباطن يفيد غير الفقراء فقط ويزيد الفجوة بين الغنى والفقير فى مصر.

أى أنه يسير قضية العلاقة بين ظاهرة توزيع الدخل وظاهرة الفقر. إن الأمل يلى التقشف. وإن الشدة ستزول قريباً ولما تفاحل الفقر بلا بصيص من الأمل فى الدول النامية عدل البنك الدولى موقفه مستخدما مفهوم «التضحية من أجل التنمية»، ولخصت أحدث دراسات البنك الدولى لتسعة وعشرين دولة افريقية أن معظمها لن تستعيد دخل الفرد السابق لتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادى قبل مالا يقل عن 40 أو 50 عام وأوصت بدعم الصندوق الاجتماعى فالخلاص إذن لم يتم على يد البنك الدولى بل يتم فقط بواسطة البلدان المعنية نفسها، فالأمل يخلق ولا يفرض ومن هنا جاءت ضرورة الحرب على الفقر فى مصر وبمصر ولمصر.

أنه لابد أن تعيد الحكومة النظر فى شبكة الحماية الاجتماعية مثل الحد الأدنى للأجور ومعاش الضمان الاجتماعى ومعاشات التقاعد، وتخفيض الأسعار، وكل ما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية خاصة الطبقات الفقيرة»، وأنه لكى لا ينحرف البرنامج عن الأهداف المطلوبة لابد من شبكة حماية اجتماعية تصمم بحرفية تحمى محدودى الدخل، حتى لا يخرج المواطنون إلى الشارع فى مظاهرات، وتضطر الحكومة إلى لصق الاتهامات بصندوق النقد الدولى، وإلى أنه يوجد 25٪ من الشعب المصرى يعيشون فى فقر مدقع، وهؤلاء يحصل الفرد منهم على دولار ونصف الدولار فى اليوم أى 45 دولارًا فى الشهر ثم توجد فئة الفقراء من محدودى الدخل ويمثلون 40٪ من باقى الشعب، وهؤلاء يحصلون على 2٫5 دولار فى اليوم أى 75 دولارًا فى الشهر، وبعد تطبيق الحد الأدنى للأجور ارتفع إلى 1200 جنيه وهؤلاء يعملون فى الحكومة، ولابد أن يعاد النظر فى الحد الأدنى للأجور بعد زيادة الأسعار، وهذا يعتبر تحديًا كبيرًا مع عجز الموازنة. المصريون أذكياء وراغبون فى أن يكون مستقبل أولادهم أفضل من ماضيهم، ولكنهم كالمبصر الذى يبحث عن ضوء، على الدولة أن تقدم الضوء

وأنه يمكن تحقيق النهضة الاقتصادية من خلال التوسع فى تشغيل المصانع المتعثرة والمتوقفة واستحداث جديد لزيادة الإنتاج المحلى الذى يزيد بدوره من الصادرات وجلب العملة الصعبة، وأن هذه الخطوة تمثل حلا أساسيا لمواجهة ارتفاع أسعار الدولار وسداد قيمة قرض صندوق النقد الدولى المتفق عليه حالياً.

تستمد الأهمية القصوى لنجاح مشاريع الإصلاح والتطوير الراهنة، من أنها ترتبط بأهم مقدرات البلاد والعباد على الإطلاق، والدرجة العالية لحساسيتها لا من حيث وزنها النسبى، ولا من حيث عوائد نجاحها المأمول أو فشلها، لا قدر الله، وكونها ترتبط بتحديد اتجاه الإطار الكلى لوجودنا ومصيرنا المستقبلى، وكل هذا لا يمكن القبول حوله بأى تهاون أو تفريط أو تواكل أو إهمال أوبأى نوع من هذا القبيل مهما تضاءل حجمه، بل لا بد من التشدد المتين تجاهه على جميع المستويات، وأن يكون «مقابل» تلك السلطات شبه المطلقة للأجهزة التنفيذية المسئولة عن تصميم وتنفيذ سياسات وبرامج التحول والإصلاح والتطوير، أؤكد الأهمية القصوى بأن يكون مقابل تلك السلطات إجراءات إشراف ورقابة ومتابعة ومحاسبة تفوق سلطتها واستقلاليتها الممنوحة للأجهزة التنفيذية، والطرف المعنى هنا بأداء تلك الإجراءات هو «الفريق الرقابى» التابع مباشرة لصانع القرار!

الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى اختارت النظر إلى المستقبل لتعويض ما فات مصر من مشروعات التنمية والبناء والتعمير.. مشروعات ستنقل البلاد نقلة حضارية كبرى لم تشهدها منذ عصر محمد على من خلال إنشاء شبكة طرق حديثة وبناء 800 ألف وحدة سكنية للإسكان الاجتماعى تستوعب ملايين الأسر والقضاء على ظاهرة العشوائيات ونقل القاطنين فى المناطق الخطرة وغير الآمنة إلى مناطق سكنية عصرية وزراعة المليون ونصف المليون فدان وإقامة العديد من المدن الجديدة وتنمية وتطوير محور قناة السويس وكلها مشروعات قد لا يشعر المواطن بعائدها اليوم، وإنما سيشعر بأهميتها وقيمتها فى الغد القريب!