"طعنة سعودية منتظرة في ظهر مصر".. تخوفات من لجوء "المملكة" إلى التحكيم الدولي بشأن تيران وصنافير.. وخبراء: "القضاء ينصف القاهرة ولكن يضرب علاقتها مع الرياض"
لمّا اختلفت مصر مع شقيقتها المملكة العربية السعودية داخل مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية، كان للأمر تبعات عدة لازالت تلقي بصداها على العلاقات التاريخية بينهم، طالت ملفات يُمكننا وصفها بالقديمة، التي بدأ الحديث عنها الآن مُجددًا، في ظل ضربات يوجهها كل طرفًا للآخر، وبات كل شيء متوقع.
"تيران وصنافير"
واحدة من الأزمات التي ضيقت الخناق على العلاقات المصرية السعودية خلال الفترة الأخيرة، وبالرغم من توقيع مصر إتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية التي بمقتضاها دخول جزيرتي "تيران وصنافير" ضمن أراضي المملكة، واعترافها بسعوديتهما، إلا أن الغضب الشعبي الذي تلا التوقيع دفع الدولة لخوض حرب قانوينة مع الشعب المصري الذي اعتبر الإتفاقية تنازل رسمي من القاهرة للرياض.
وآخر محطات المعركة التي خاضتها الدولة مع الشعب لإثبات سعودية الجزيرتان، هو حكم القضاء الإداري ببطلان إتفاقية ترسيم الحدود والتمسك بإن الجزيرتان مصريتان، لتطعن هيئة قضايا الدولة على قرار الوقف، ويقدم محامي الحكومة استشكال أمام محكمة الأمور المستعجلة على قرار البطلان.
وفي حالة تأييد الحكم، فإن السعودية قد تلجأ إلى التحكيم الدولي، وتقدم الوثائق المصرية التي تثبت سعودية الجزيريتن التي أظهرتها الحكومة مؤخرًا، في ظلت تخوفات من مسؤوليين مصريين صبت في ذلك الاتجاه.
"قضايا الدولة تتخوف"
وظهرت التخوفات من لجوء السعودية إلى التحكيم الدولي، بعد تمسك القضاء المصري في آخر أحكامه بمصرية الجزيرتان، لاسيما أن الحكم جاء في وقت توترت فيه علاقة المملكة بالرياض على خلفية أزمة مجلس الأمن وتصويت مصر للمشروع الروسي، واتجاه السعودية للقرار الفرنسي بشأن الأزمة السورية.
وهو ما أتضح في تصريحات المستشار رفيق شريف، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، التي أعلن خلالها عن خشية الهيئة من لجوء السعودية للتحكيم الدولي للمطالبة بجزيرتي تيران وصنافير، واصفًا حدوث ذلك بالمصيبة على مصر.
ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل أكد أن اللجوء للتحكيم الدولي، سيكون في صالح المملكة، مؤكدًا أن المعركة القانونية أمام المحكمة الإدارية العليا صعبة، لأن تيران وصنافير جزيرتان سعوديتان كانت تديرهما مصر لفترة ما.
وأشار إلى وجود مأزق قانوني وضعته محكمة القضاء الإداري بحكمها ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، موضحًا أن الدستور حدد الجهة التي تفصل في اتفاقية ترسيم الحدود، وهي مجلس النواب، وبالتالي فلا يجوز للقضاء أن يتطرق إليها، لكن القضاء الإداري استبقه.
و"شريف" هو المسؤول الأول عن قضية "تيران وصنافير" أمام المحاكم على اختلاف درجاتها، باعتباره عضوًا في الهيئة التي تدافع عن الحكومة أمام القضاء بشأن إثبات سعودية الجزيرتان، قبل أن يفصل فيها مجلس النواب.
"مجلس النواب"
وهو نفس التوجه الذي سبق وكرره النائب مصطفى بكري، بتأكيده أنه في حالة تأييد حكم بطلان الإتفاقية، ستلجأ السعودية للتحكم الدولي وسوف تقدم الوثائق المصرية التي تثبت سعودية الجزيريتن وينصفها القضاء، مطالبًا كل من لديه وثائق تثبت ملكية الجزيرتين لأي طرف من الأطراف بتقديمها للبرلمان.
"التحكيم الدولي"
وبعد التوتر الذي شاب علاقة مصر والسعودية، في ظل الحكم ببطلان الإتفاقية، بات السؤال الذي يفرض نفسه هل تلجأ السعودية للتحكيم الدولي؟.. من الناحية القانونية رأى خبراء القانون أن المملكة لن تسطتيع اللجوء للتحكيم الدولي ما لم تنص الإتفاقية على ذلك، واختلفوا حول انصاف المحكمة لأي من الدولتين، فيما أكد خبراء الشأن السياسي أن تلك الخطوة ستعمق الأزمة بين القاهرة والرياض.
"القضاء ينصف مصر"
يقول الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية، أن فكرة اللجوء للتحكيم الدولي لها شروط عدة، منها وجود نص أو بند في الإتفاقية يتيح للمتعاقدين اللجوء إلى التحكيم الدولي برضاء الطرفين، وهو ما يشبه الشرط الجزائي في العقود.
ويضيف: "أن السعودية بعد حكم المحكمة الإدارية ليس أمامها -حال عدم وجود شرط التحكيم الدولي في الإتفاقية- سوى انتظار موقف هيئة قضايا الدولة والحكومة المسؤولة أمامها عن تنفيذ الإتفاقية، لأن حكم المحكمة ببطلان إتفاقية ترسيم الحدود جعلها هي والعدم سواء حتى يتم النظر في الطعون المقدمة".
ويوضح أن السعودية ليس لديها ما يثبت ملكيتها للجزيرتان كذلك مصر، وبالتالي تؤول الملكية للأخيرة بسبب فرض السيادة عليها منذ سنوات حال اللجوء للتحكيم الدولي، خاصة أنه لا توجد اتفاقية بين مصر والسعودية تنص على تسليم الجزيرتين بعد فترة من سيادة مصر عليهما.
"نص الإتفاقية"
ووصف الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، تصريح نائب قضايا الدولة بغير السديد، لأنه لم يطلع على بنود الإتفاقية التي لم تنص على شرط التحكيم الدولي، ولم تحو أي آليات سياسية أو دبلوماسية أو قضائية محددة منوط بها إحداث تسوية حال وقوع منازعات بين المتعاقدين.
ويضيف: "الإتفاقية المعلن عنها لوسائل الإعلام لم تشر في موادها الثلاثة أو دباجياتها إلى التحكيم الدولي أو أي وسيلة أخرى، وبالتالي لا يمكن للسعودية اللجوء إلى القضاء الدولي، ويتحمل الطرفان إغفالهما لهذا الشرط بعدم جواز استخدام أي طرف وسيلة قضائية ليس منصوص عليها صراحةً أو ضمنًا".
"ضربة للعلاقات"
ومن الناحية السياسية، لم يستبعد السفير معصوم مرزوق، نائب وزير الخارجية الأسبق، لجوء السعودية للتحكيم الدولي، في ظل توتر العلاقات مع مصر، مؤكدًا أنها ستكون ضربة قوية للعلاقات أن تقف الدولتان أمام بعضهما في المحكمة الدولية.
ويوضح أن السعودية ليس معها ما تثبت به ملكية الجزيرتان، وبالتالي مصر ستدخل في خلاف جديد معها، وأزمة تضرب علاقتهما من جديد، أو تواجه الغضب الشعبي الذي يعتبر إتفاقية ترسيم الحدود تنازل مصري للسعودية.