رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏"طعنة سعودية منتظرة في ظهر مصر".. تخوفات من لجوء "المملكة" إلى التحكيم الدولي بشأن تيران ‏وصنافير.. وخبراء: "القضاء ينصف القاهرة ولكن يضرب علاقتها مع الرياض"‏

جريدة الدستور

لمّا اختلفت مصر مع شقيقتها المملكة العربية السعودية داخل مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية، كان ‏للأمر تبعات عدة لازالت تلقي بصداها على العلاقات التاريخية بينهم، طالت ملفات يُمكننا وصفها ‏بالقديمة، التي بدأ الحديث عنها الآن مُجددًا، في ظل ضربات يوجهها كل طرفًا للآخر، وبات كل شيء ‏متوقع.‏

‏"تيران وصنافير" ‏
واحدة من الأزمات التي ضيقت الخناق على العلاقات المصرية السعودية خلال الفترة الأخيرة، وبالرغم ‏من توقيع مصر إتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية التي بمقتضاها دخول جزيرتي "تيران وصنافير" ‏ضمن أراضي المملكة، واعترافها بسعوديتهما، إلا أن الغضب الشعبي الذي تلا التوقيع دفع الدولة لخوض ‏حرب قانوينة مع الشعب المصري الذي اعتبر الإتفاقية تنازل رسمي من القاهرة للرياض.‏

وآخر محطات المعركة التي خاضتها الدولة مع الشعب لإثبات سعودية الجزيرتان، هو حكم القضاء ‏الإداري ببطلان إتفاقية ترسيم الحدود والتمسك بإن الجزيرتان مصريتان، لتطعن هيئة قضايا الدولة على ‏قرار الوقف، ويقدم محامي الحكومة استشكال أمام محكمة الأمور المستعجلة على قرار البطلان.‏

وفي حالة تأييد الحكم، فإن السعودية قد تلجأ إلى ‏التحكيم الدولي، وتقدم الوثائق المصرية التي تثبت سعودية الجزيريتن التي أظهرتها الحكومة ‏مؤخرًا‎، في ظلت تخوفات من مسؤوليين مصريين صبت في ذلك الاتجاه.

‏"قضايا الدولة تتخوف"‏
وظهرت التخوفات من لجوء السعودية إلى التحكيم الدولي، بعد تمسك القضاء المصري ‏في آخر أحكامه بمصرية الجزيرتان، لاسيما أن الحكم جاء في وقت توترت فيه علاقة المملكة بالرياض ‏على خلفية أزمة مجلس الأمن وتصويت مصر للمشروع الروسي، واتجاه السعودية للقرار الفرنسي بشأن ‏الأزمة السورية.‏

وهو ما أتضح في تصريحات المستشار رفيق شريف، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، التي أعلن خلالها ‏عن خشية الهيئة من لجوء السعودية للتحكيم الدولي للمطالبة بجزيرتي تيران وصنافير، واصفًا حدوث ذلك ‏بالمصيبة على مصر.‏

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل أكد أن اللجوء للتحكيم الدولي، سيكون في صالح المملكة، مؤكدًا أن ‏المعركة القانونية أمام المحكمة الإدارية العليا صعبة، لأن تيران وصنافير جزيرتان سعوديتان كانت ‏تديرهما مصر لفترة ما.‏

وأشار إلى وجود مأزق قانوني وضعته محكمة القضاء الإداري بحكمها ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود ‏البحرية بين مصر والسعودية، موضحًا أن الدستور حدد الجهة التي تفصل في اتفاقية ترسيم الحدود، وهي ‏مجلس النواب، وبالتالي فلا يجوز للقضاء أن يتطرق إليها، لكن القضاء الإداري استبقه.‏

و"شريف" هو المسؤول الأول عن قضية "تيران وصنافير" أمام المحاكم على اختلاف درجاتها، باعتباره ‏عضوًا في الهيئة التي تدافع عن الحكومة أمام القضاء بشأن إثبات سعودية الجزيرتان، قبل أن يفصل فيها ‏مجلس النواب.‏

‏"مجلس النواب"‏
وهو نفس التوجه الذي سبق وكرره النائب مصطفى بكري، بتأكيده أنه في حالة تأييد حكم بطلان الإتفاقية، ‏ستلجأ السعودية للتحكم الدولي وسوف تقدم الوثائق المصرية التي تثبت سعودية الجزيريتن وينصفها ‏القضاء، مطالبًا كل من لديه وثائق تثبت ملكية الجزيرتين لأي طرف من الأطراف بتقديمها للبرلمان.‏

‏"التحكيم الدولي"‏
وبعد التوتر الذي شاب علاقة مصر والسعودية، في ظل الحكم ببطلان الإتفاقية، بات السؤال الذي يفرض ‏نفسه هل تلجأ السعودية للتحكيم الدولي؟.. من الناحية القانونية رأى خبراء القانون أن المملكة لن تسطتيع ‏اللجوء للتحكيم الدولي ما لم تنص الإتفاقية على ذلك، واختلفوا حول انصاف المحكمة لأي من الدولتين، فيما أكد خبراء الشأن السياسي ‏أن تلك الخطوة ستعمق الأزمة بين القاهرة والرياض.‏

‏"القضاء ينصف مصر"‏
يقول الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية، أن فكرة اللجوء للتحكيم الدولي لها ‏شروط عدة، منها وجود نص أو بند في الإتفاقية يتيح للمتعاقدين اللجوء إلى التحكيم الدولي برضاء ‏الطرفين، وهو ما يشبه الشرط الجزائي في العقود.‏

ويضيف: "أن السعودية بعد حكم المحكمة الإدارية ليس أمامها -حال عدم وجود شرط التحكيم الدولي في ‏الإتفاقية- سوى انتظار موقف هيئة قضايا الدولة والحكومة المسؤولة أمامها عن تنفيذ الإتفاقية، لأن حكم ‏المحكمة ببطلان إتفاقية ترسيم الحدود جعلها هي والعدم سواء حتى يتم النظر في الطعون المقدمة".‏

ويوضح أن السعودية ليس لديها ما يثبت ملكيتها للجزيرتان كذلك مصر، وبالتالي تؤول الملكية للأخيرة ‏بسبب فرض السيادة عليها منذ سنوات حال اللجوء للتحكيم الدولي، خاصة أنه لا توجد اتفاقية بين مصر ‏والسعودية تنص على تسليم الجزيرتين بعد فترة من سيادة مصر عليهما‎.

‏"نص الإتفاقية"‏
ووصف الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، تصريح نائب قضايا الدولة بغير السديد، لأنه لم ‏يطلع على بنود الإتفاقية التي لم تنص على شرط التحكيم الدولي، ولم تحو أي آليات سياسية أو دبلوماسية ‏أو قضائية محددة منوط بها إحداث تسوية حال وقوع منازعات بين المتعاقدين.‏

ويضيف: "الإتفاقية المعلن عنها لوسائل الإعلام لم تشر في موادها الثلاثة أو دباجياتها إلى التحكيم الدولي ‏أو أي وسيلة أخرى، وبالتالي لا يمكن للسعودية اللجوء إلى القضاء الدولي، ويتحمل الطرفان إغفالهما لهذا ‏الشرط بعدم جواز استخدام أي طرف وسيلة قضائية ليس منصوص عليها صراحةً أو ضمنًا".‏

‏"ضربة للعلاقات"‏
ومن الناحية السياسية، لم يستبعد السفير معصوم مرزوق، نائب وزير الخارجية الأسبق، لجوء السعودية ‏للتحكيم الدولي، في ظل توتر العلاقات مع مصر، مؤكدًا أنها ستكون ضربة قوية للعلاقات أن تقف ‏الدولتان أمام بعضهما في المحكمة الدولية.‏

ويوضح أن السعودية ليس معها ما تثبت به ملكية الجزيرتان، وبالتالي مصر ستدخل في خلاف جديد ‏معها، وأزمة تضرب علاقتهما من جديد، أو تواجه الغضب الشعبي الذي يعتبر إتفاقية ترسيم الحدود تنازل ‏مصري للسعودية.‏