رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خسائر لعبة "البوكر" الروسية في سوريا.. أمريكا وألمانيا يهددان بفرض عقوبات اقتصادية عليها بسبب ‏مذابح "حلب".. حرب وشيكة مع السعودية.. وتركيا "الحليف المتأرجح"‏

جريدة الدستور

ما أن وطأت القوات الجوية الروسية أراضي سوريا، منذ اندلاع الحرب بها عام 2011، وهي تتكبد ‏الخسائر الواحدة تلو الأخرى، والتي لم تكن على الصعيد المادي والتكلفة العسكرية فقط، ولكن على ‏مستوى علاقاتها بدول العالم، الذين كانوا حلفائها يومًا ما، وأضحوا اليوم يزيدون الخناق عليها.‏

‏"أمريكا"‏
تعد أمريكا أولى الدول التي دخلت علاقة روسيا معها في نفق مظلم، فمنذ ظهور موسكو كقوة إقليمية ‏كبيرة في الشرق الأوسط وهي تنافس غريمتها الأمريكية للسيطرة على العالم، وهو ما ظهر جليًا في ‏احتدام الأمر بينهم على الأراضي السورية.‏

فعند الحديث عن العلاقة بين أمريكا وروسيا، نجد أن الأزمات واختلاف الرؤى هو السمة الأساسية ‏فيها، ‏بعدما عمقت الأزمة السورية الخلاف بينهم، بسبب تنوع الرؤى والمصالح في حلب، والتي بدأت مع ‏تدخل الطرفان في الأزمة.‏‎

ففي الوقت الذي تدخلت فيه موسكو لدعم الأسد عبر ضربات جوية ضد داعش عام 2015، لم تكن هذه ‏الضربات في إطار التحالف الدولي الذي شكلته الولايات أمريكا ضد التنظيم بل كان أشبه بالفعل المنفرد ‏دعمًا للرئيس السوري بشار الأسد ولمصالح روسيا في المنطقة.‏‎

اشتد ذلك الخلاف ووصل إلى أوجه، في آخر مفاوضات جمعت الطرفين خلال الهدنة السورية التي ‏تم ‏الإتفاق عليها في جنيف، والتي كشفت عن عدم توافق وجهات النظر بينهما، بل وصل الأمر بهم إلى ‏حد ‏تبادل الإتهامات والتراشق داخل مجلس الأمن الدولي.‏‎

واتهمت روسيا نظيرتها بإنها تدعم داعش في الخفاء وتعرقل مسار الحل السياسي، وهددت ‏واشنطن بإن ‏توقف التعاون بينهم في سوريا، ما لم يتم وقف القصف في حلب، وهو الأمر الذي اعتبرته ‏الخارجية ‏الأمريكية يؤثر على العلاقات بينهم ويقودها إلى الهاوية، ويضرب بالتنسيق بينهم عرض ‏الحائط.‏‎

الخلاف الكبير بينهم بشأن سوريا، دفع الكثيرون للتوقع بتحول الحرب الباردة بينهم إلى حرب عسكرية، ‏وهو ما أعلنت واشنطن أنها لا تمانع فيه، وتفاجىء موسكو العالم كل يوم بأسلحة متطورة وجديدة في ‏سوريا تحسبًا لأي حرب أمريكية.‏

لاسيما أن أوكرانيا ‏جمعتهم في أزمة جديدة خلال عام 2014، وهو ما قامت على إثره واشنطن بوقف ‏التعاون الاقتصادي مع ‏موسكو، لفترة معينة تعبيرًا عن الاستياء من غزو روسيا لأوكرانيا آنذاك.‏

وآخر الاحتدامات التي جمعت الطرفان، ما أعلن عنه البيت الأبيض، أمس الجمعة، بدراسته إمكانية فرض ‏عقوبات على موسكو، بسبب عملياتها العسكرية في سوريا، والمذابح التي تتم بسببها تحديدًا في حلب ‏السورية.‏‎

‏"ألمانيا"‏
ومنذ خمسة أيام، كانت الجمهورية الألمانية، سابقة بشأن الحديث عن فرض العقوبات، فقد أعلنت أن إصرار ‏روسيا على مواصلة عملياتها العسكرية بسوريا، أوصل المستشارة الألمانية أ"نجيلا ميركل" لمستوى ‏من الاستياء البالغ والعزم على حث القادة الأوروبيين لفرض عقوبات على موسكو‎.‎

‎ونقلت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" عن مصادر من الدائرة اللصيقة بالمستشارة الألمانية أنها تلقت ‏اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، الذي أكد لها تأييده لرد فعل بالغ القسوة على نظيره ‏الروسي "فلاديمير بوتين" في حال اتفق الأوروبيون على توسيع إجراءات العقوبات الاقتصادية على ‏روسيا‎.‎

ما يثير التخوف، هو قوة ونفوذ ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، والتي تسطتيع قيادة جبهة قوية وأغلبية ‏ضد روسيا بفرض عقوبات عليها، لاسيما أن علاقة موسكو مع برلين لم تكن محمودة قرابة العامين، ‏بسبب أزمة شبه جزيرة القرم، التي نشأت بعد الثورة الأوكرانية عام 2014، واحتلتها القوات الروسية.‏

وفي مطلع العام الحالي، قامت روسيا بطرد دبلوماسي يعمل بالسفارة الألمانية لدى موسكو، كرد فعل ‏انتقامي على أوامر برلين بترحيل جاسوس روسي مشتبه به في وقت سابق، وهو ما يجعل ألمانيا دومًا ‏تقف في صف أمريكا ضدها.‏

‏"فرنسا"‏
كذلك تساقطت فرنسا من جبهة حلفاء الدب الروسي، بسبب تصعيده من ضرباته في سوريا وخاصة ‏حلب، وهو ما ظهر جليًا، في تأكيد فرنسا منذ اللحظة الأولى رفضها للعنف الروسي في سوريا، وهو ما ‏أعلنه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال عام 2012 أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين، بإن فرنسا تحاول ‏إحداث تغيير في الموقف الروسي من الأزمة السورية‎.‎

كذلك فقد سبق ووقفت باريس عقبة في وجه برلين، أمام مشروع قدمته الأخيرة إلى مجلس الأمن يقوض ‏بالتدخل التركي في سوريا مطلع العام الحالي، إلا أن الأزمة بين البلدين تعمقت خلال جلسة الأمن الشهر الماضي، وذلك على ‏خلفية استخدام روسيا حق النقض الفيتو ضد المشروع الفرنسي بوقف الحرب في حلب.‏

واستاءت فرنسا وشعرت بإحراج من تصويت الروس ضد قرارها في مجلس الأمن، وصاحب ذلك توتر ‏في العلاقات، وهو ما ظهر جليًا في إلغاء الرئيس الفرنسي زيارته إلى موسكو، التي كان مقرر لها 15 ‏من الشهر الجاري لافتتاح كنيسة أرثوذكسية روسية ومركز ثقافي بباريس.‏

ولم يقف الأمر إلى هذا الحد، بل لوحت فرنسا باللجوء للمحكمة الدولية ‏وفتح تحقيق بشأن ارتكاب جرائم حرب، وهو ما يعتبر تهديدًا مباشرًا أيضا لموسكو‎.‎

وبعيدًا عن ذلك، فإن العلاقات الفرنسية الروسية لم تكن خلال السنوات الأخيرة في أحسن أحوالها، فهناك مسألة ‏أوكرانيا وضم روسيا لجزيرة القرم وما تبعها من تأزم في العلاقات السياسية، ناهيك عن العقاب الذي ‏أوقعته فرنسا على موسكو عندما أقدمت على إلغاء صفقة الميسترال في 2015.

‏"السعودية"‏
أما السعودية، فقد وصل التوتر بينها وبين روسيا إلى مدى بالغ الخطورة، لاسيما أن لكلًا منهم وجه نظر مختلفة عن ‏الأخرى، فروسيا تتمسك بالأسد حلًا للأزمة، والسعودية لا ترى في وجوده أي مستقبل سياسي لسوريا، ‏فضلًا عن كون المملكة إحد أهم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، بغض الطرف عن التوتر الأخير.‏

وسبق وحذرت المملكة مرارًا وتكرارًا من التصعيد الروسي في سوريا، وهو ما علق عليه المنسق الروسي لمؤتمر موسكو 2، بإن روسيا لم تكن تتوقع من الرياض أن يكون موقفها بهذه السلبية على ‏حملتها العسكرية "ضد الجهاديين" في سوريا نظرًا الى أن هؤلاء يهددون أمن المملكة.‏

ومطلع العام الحالي، وصل الأمر إلى حد تهديد "بوتين" بضرب السعودية والدخول معها في حرب وشيكة، بعد ‏رفضها الانضمام إلى القوات العسكرية في سوريا، وأدعى أنها تدعم داعش، إلى جانب ‏الاعتراف الروسي بمجلس الرئاسة في اليمن أغسطس الماضي نكاية في المملكة.‏

‏"تركيا"‏
ويُمكننا إطلاق وصف "الحليف المتأرجح" على تركيا، التي شاب علاقتها مع روسيا التغيير الشديد، ففي ‏البداية كان خلاف قوي بين روسيا وتركيا على الأزمة السورية، بسبب وقوف أنقرة في جبهة مناهضي ‏الأسد، بل أنها هددت أكثر من مرة بالتدخل البري في حلب وضرب القوات الروسية.‏

حتى جاءت واقعة ضرب القوات الجوية التركية لإحدى الطائرات الروسية بدعوى اختراقها للمجال ‏الجوي، وهو ما نجم عنه قطع العلاقات بينهم وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، إلى أن جاء الانقلاب التركي ‏الفاشل في يوليو الماضي، وبدا أن تركيا انجرت إلى جبهة روسيا وإيران من داعمي الأسد، وهو ما ظهر ‏في عقد لقاء ثلاثي بينهم مؤخرًا، أعلنت أنقرة على إثره تخفيف حدة موقفها تجاه الرئيس السوري.‏

‏"بلجيكا"‏
ويبدو أن هناك أزمة جديدة، تلوح في الآفق، بعدما تم استدعاء السفير البلجيكي في موسكو "إليكس فان ‏ميوين"، الجمعة الماضية إلى وزارة الخارجية الروسية، فيما يعتبر آخر مظاهر الخلاف الدبلوماسي بين ‏البلدين بسبب الاتهامات التي وجهتها روسيا إلى بلجيكا بعمليات قصف مدمرة في سوريا.‏