رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لغز "الهروب الكبير" من سجن المستقبل بالإسماعيلية.. شبهات "الرشوة والتواطؤ" تحيط قوات الأمن.. ‏وتكرار الواقعة يثير الشك.. وخبراء: "لابد من تفكيك الخلايا الخطيرة داخله"‏

جريدة الدستور

لا يثير الشك أن ينجح مجموعة من السجناء والإرهابيون في التخطيط لعملية هروب كبرى من سجن ما، ‏لكن علامات التعجب تحيط بالواقعة حال تكرارها للمرة الثانية خلال عامين فقط في نفس السجن، وهو ما ‏يشي باحتمالين لا ثالث لهما، اما أن يكون الإهمال متفشي في ذلك السجن، أو أن التواطؤ شعار رجال ‏الأمن داخله.

"سجن المستقبل"‏
ما نتحدث عنه، ينطبق على سجن "المستقبل" بمحافظة الإسماعيلية، الذي آثار الشكوك حول قوات التأمين ‏المتواجدة بها، بعدما مرت أمام أعينهم عمليتان هروب خلال عامين فقط، ونجاح مجموعات متفرقة من ‏السجناء في أوقات متباعدة من تنفيذ عمليتا الهروب.‏

بداية.. سجن "المستقبل" المركزي يقع بمدينة المستقبل، ويبعد عن محافظة الإسماعيلية 10 كيلو مترات، وهو في ‏الأصل أنشيء منذ سنوات ليكون سجنًا مركزيًا للترحيلات فقط، وتحول بعد ذلك إلى سجن مركزي لقضاء ‏عقوبات بمدد مختلفة.‏

ويحوي السجن عناصر إجرامية خطيرة، فداخله متهمون منذ أحداث مجزرة استاد ‏بورسعيد منهم 12 متهمًا محكومًا عليه بالإعدام جميعهم في عنبر يستوعب 45 سجينًا فقط، وفقًا ‏لتصريحات سابقة لمأمور السجن الأسبق العميد وائل عزام، الذي سبق وأكد أن السجن يسمح للسجناء ‏بدخول التليفونات واللاب توب والتليفزيون.‏

"الواقعة الأولى"‏
في مساء إحد أيام شهر يوليو عام 2014، سجل سجناء "المستقبل" أول نجاح لهم ضد قوات الأمن، بعدما ‏تمكن عنصرين إجراميين شديدي الخطورة من الهروب داخل السجن، بعدما صدر ضد إحداهم حكمًا ‏بالإعدام، وبالمؤبد على الثاني.‏

إلى هنا كان الحادث من الوارد أن يقع، لكن النيابة العامة أثناء التحقيق كشفت مفاجأة لم تكن ‏متوقعة، وهي تواطؤ قوات التأمين مع المساجين لتهريبهما، حيث تمكنا من الهرب بمساعدة أمين شرطة ‏ثبت تلقيه رشوة مالية، قام بتهريبهم عبر سيارته.‏

النيابة توصلت إلى تلك المفاجأت عبر كاميرات المراقبة، التي كشفت أن المتهمين الهاربين خلعا ملابس ‏السجن قبل ركوب السيارة، وارتديا ملابس مدنية أحضرها لهما أمين الشرطة في السيارة، التي قادتهما ‏خارج السجن.‏

والتهم توزعت بين الإهمال والتواطؤ، حيث أسندت النيابة إلى مأمور السجن ونائبه ومعاون مباحث ‏السجن، تهم الإهمال الجسيم في أداء واجباتهم، وإلى أفراد الشرطة ‏تهم الإهمال في تأمين بوابات السجن، والسماح بدخول تلك السيارة وعدم تفتيشها.‏

أما أمناء الشرطة فكان تقاضي رشوة مالية، والتربح، والإضرار العمد بمصالح جهة العمل، هي التهم التي وجهتها النيابة العامة إليهم، وفي ‏النهاية قضت محكمة الجنح بالحبس 3 سنوات وكفالة 5 آلاف جنيه على 12 ضابطًا وأمين شرطة من قوة ‏التأمين. ‏

وكانت الاعترافات التي خرجت بها النيابة حينها، كفيلة بإن يعاد هيكلة السجن بأكمله، بعد تفشي الفساد ‏والإهمال به، حيث أكد رقيب شرطة داخل السجن للنيابة، أن الهاربين كان يتم معاملتهما معامله خاصة، ‏ويسيران دون قيود ويتعاطيان المخدرات داخل السجن ومعهما أجهزة موبايل ولاب توب.‏

كما أن أفراد أسرتي المتهمين كانوا يحضرون بسياراتهم الخاصة ويدخلون بها داخل السجن ولا أحد ‏يمنعهم، وكانت الأسرة تدفع في كل زيارة مبالغ مالية تتراوح من 2000 إلى 3000 جنيه رشوة في كل زيارة، ‏وفقًا لشهادته

"الواقعة الثانية"‏
تكررت الواقعة، في صباح يوم الجمعة الماضي، حين فوجىء سجن "المستقبل" بمحاولة هروب أخرى، بعدما تمكن محتجزين ‏من مغافلة طاقم الحراسة والاستيلاء على سلاح أحد أفراد الشرطة المكلفين بتأمين العنابر، والهروب ‏خارج السجن، عقب إدعاء إحداهم المرض.‏

وعند محاولة الشرطي المدعو "محمد أبو الفتوح"، المكلف بالتأمين، فتح الحجز للتعرف على حالته المرضية ‏اختطف أحد المحتجزين السلاح الشخصي الخاص بـ"ابوالفتوح" وأطلق النار علي قدميه، وهرب خلالها ‏مسجونين اثنين .‏

وإلى الآن تعكف النيابة العامة في التحقيقات مع طاقم تأمين السجن والمسؤلين عن حراسته، حول كيفية ‏هروب المساجين للتأكد من وجود شبهة إهمال أو فساد من عدمه، حيث أعلنت أنه في حالة ثبوت تقصير أو أهمال ‏سيتم محاسبة المسئولين عنه.‏

"اعترافات من داخل السجن"‏
ما دفع بشكوك الإهمال والتواطؤ للإحاطة بالواقعة الثانية، بغض النظر عن تكرارها خلال عامين فقط، ‏هو اعترافات أمناء الشرطة ومجندين بالسجن، خلال تحقيقات النيابة في الواقعة الأولى عام 2014، حين ‏أكدوا أن السجن يدار بالأموال وأن أي سجين يمكنه أن يفعل أي شيء طالما يملك المال .‏

"إثارة الشكوك"‏
ومن هنا أثيرت الشكوك حول قوات التأمين، التي سمحت بتكرار الواقعة للمرة الثانية، وهو الأمر الذي لم ‏يستبعده خبراء الشأن الأمني في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، مؤكدين أن الوقائع تدل بلا شك على ‏وجود إهمال متفشي في السجن، وتواطؤ من قبل بعض قياداته الفاسدة التي لا بد من استبعادها.‏

"تفكيك الخلايا"‏
فلم يستبعد اللواء نبيل فؤاد، الخبير الأمني، ومساعد وزير الداخلية الأسبق، تؤاطو قيادات السجن أو وجود ‏بعض الرشاوي التي تسهل هروب العناصر الإجرامية مثلما يحدث في أي مكان، لاسيما مع تكرار ‏الواقعة، كما أن أمناء الشرطة ليسوا بعيدين عن تلك الأفعال.‏

ويرى أن العناصر الإجرامية داخل السجون دومًا ما تبحث عن ثغرة في الاجراءات الأمنية المحيطة ‏بالمكان لتمكنها من تحقيق هدفها بالهروب، لاسيما أن القاعدة الأمنية المتعارف عليها تؤكد عدم وجود نظام أمني محكم ‏‏100%.‏

ويضيف: "معظم العناصر الإجرامية في سجن المستقبل على خلفية تهم جنائية، وهو ما يؤصل فيها العنف ‏والنجاح في استقطاب عناصر داخل السجن في صفها، فضلًا عن أن أطراف محافظة الإسماعيلية يسكنها ‏عناصر قبلية على اتصال دائم بقبائل سيناء وجلب الأسلحة منهم والتخطيط لعمليات هروب ذويهم".

ويؤكد أن الحل في زيادة تأمين السجن إذا ما ترأى ذلك لوزارة الداخلية، وتطهيره من العناصر الفاسدة ‏سواء أمناء شرطة أو قيادات كبيرة، وتفكيك السجناء الموجودن به بنقل بعضهم إلى سجون أكثر تأمنيًا، ‏لتفرقة الخلايا الخطيرة التي يشكلونها.‏

"العقاب الرادع"‏
وإلى نفسه التوجه، ذهب اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الدخلية الأسبق، مؤكدًا أن "المستقبل" يحوي ‏عناصر إجرامية خطيرة تحتاج إلى تأمين مكثف لاسيما مع تكرار الواقعة داخله، الأمر الذي يؤكد وجود ‏قصور أمنية سواء كانت فساد بتلقي رشاوي أو إهمال في الدور التأميني الذي اتسم بالتراخي.‏

ويشير إلى أن العقاب الرادع للمسؤول الذي تكشف تحقيقات النيابة العامة مسؤوليته، هو الحل الوحيد حتى لا تتكر ‏تلك الوقائع مع زيادة تأمين حول السجن.‏