رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا ديكتاتورية فى مصــر 2-2


تحت العنوان نفسه من الأسبوع الماضى عرضنا الجزء الأول من المقال.. أما الجزء الأخير من الرسالة، فهو موجه إلى الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، وللقائد السياسى الأمريكى القادم «التقى الرئيس مرشحى الرئاسة الأمريكية»، بضرورة إيجاد حل عادل ومتكافئ ودائم للقضية الفلسطينية باعتبارها السبب الرئيسى فى تأجيج الصراع العـربى- الإسرائيلى على أساس حل الدولتين، وهو الحل الذى وعـد به أوباما، لكنه كالعادة حنث به، فقد وعد الجميع بكل شىء...


.. لكنه لم يعـط أحدا أى شىء، وهو الحل العادل الأكثـر رشدا وحكمة، وهو ما نادى به الرئيس فى مبادرته السابقة فى مايو الماضى، والتى لاقت ترحيباً كبيراً من جميع الأطراف، حتى يسود الاستقرار والأمن المنطقة وهما العنصران المفقودان فى المنطقة منذ عقود طويلة من الزمان، وأن مصر تمد يدها بالسلام للجميع، ويمكنها أن تلعب دوراً محورياً لمساعـدة أطراف القضية لتحقيق هذا الحل.

أما الرسالة الثانية التى وجهها الرئيس فى لقائه فتتعـلق بالوضع الداخلى لمصر، وهى موجهة للعالم بأسره خاصة إلى أولئك الذين يتعمدون وصف النظام الراهن فى مصر «بالنظام الديكتاتورى»، إذ يُمكن ملاحظة أن الرئيس قام بانتقاء مفردات هذه الرسالة باتقان شديد، ودقة متناهية، حيث أوضح الرئيس أن الشعب المصرى « أراد» التغـيير فى 25 يناير 2011، بينما «قرر» تصحيح إرادته فى 30 يونيه 2013، وأن مصر أصبح لديها دستور لا يسمح ببقاء الرئيس يوما واحدا بعـد انتهاء مدة رئاسته، وأنه جاء بانتخابات خضعت لجميع المعايير العالمية من حيث النـزاهة والـشفافية، وتفوق على منافسه بحصوله على 23 مليوناً و780 ألفاً و114صوتاً بنسبة 96,91 % من إجمالى الأصوات الصحيحة، بعد استبعاد الأصوات الباطلة، وهو ما أكدته اللجنة العليا للانتخابات، بينما حصل المرشح الرئاسى المنافس على نسبة 3,07 % من أصوات الناخبين المشاركين فى التصويت، وأن هناك انتخابات رئاسية قادمة سيتم إجراؤها بحلول منتصف 2018، لانتخاب رئيس جديـد، أو إعادة انتخاب الرئيس، وبالتالى فإنه لا يوجد بمصر ديكتاتور.

وفيما يتعلق بحقوق الإنسان فقد أكد الرئيس فى رسالته أن جميع الأمور يتم التعامل معها فى إطار القانون، وأن هناك أكثـر من 40 ألف منظمة غـير حكومية تعـمل فى مصـر تقـدم خدماتها للمجتمع المصرى وتشارك فى تحقيق التنمية المجتمعية، وأن مصر استطاعت أن تحافظ على إستقرارها السياسى والأمنى، وسط محيط إقليمى شديـد التوتر والاضطراب بفضل تماسك مؤسساتها، ووعى شعبها الذى استطاع الحفاظ على دولته الوطنية بما يعنى أن يحمل وجدانه الجمعى والتراكمى فرص الإصلاح والتقدم والإزدهار.

وأما الرسالة الثالثة التى وجهها الرئيس فتكمن فى أن الإعلام لا يقدم الحقائق بشكل دقـيـق، حيث تقع مصر بين شقى الرحى، بين إعلام خارجى مغرض، وإعلام داخلى يفتقر إلى المهنية «إلا فيما نـدر»، وهذه الرسالة موجهة لجميع القوى القائمة على تنظيم تلك الحملة الإعلامية المحمومة للتصعـيـد ضد مصر، والتى تهدف إلى التأثير بالسلب على جموع الشعب المصرى، وإفقاد هذه الجموع الثقة فى قياداتها ومؤسسات الدولة، وتعجل من إسقاطها من الداخل، حيث تعاقدت هذه القوى مع شركات عالمية متخصصة فى إعـداد وتسويق الخطط الإعلامية، ورصدت لها أموالا طائلة لتشويه الصورة الذهنية لكل ما هو مصرى على نحو عام أمام الرأى العام العالمى والإقليمى والداخلى فى مصر، وصورة القائد السياسى والجيش والقضاء على نحو خاص، وقامت بالاختيار الدقيق لوسائل الإعلام العـالمية التى تتمتع بمعدلات نشر واسعة أو معدلات مشاهدة عالية مثل BBC البريطانية وCNN الأمريكية وقناة الجزيرة، وهى القناة العـربية الوحيدة التى تبث رسائلها باللغة الإنجـلـيـزية لجماهـيـر أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا، حيث قامت بوصف الانتخابات الرئاسية بـ «معركة اللجان الخاويـة»، والتركيز على بيان تحالف «صباحى ـ أبو الفتوح ـخالد على»، الذى يشكر فيه الشعب على ما وصفـوه بـ«المقاطعة منقطعة النظير للانتخابات»، وركزت أيضا على تصريح حمدين صباحى بأن الأرقام المعلنة لنسب المشاركة ليس لها «مصداقية»، ونشرت جريدة « نيويورك تايمز» واسعة الانتشار أن الإقبال على الانتخابات الرئاسية جاء مخيبا لآمال أنصار السيسى فى منحه شرعية جديـدة، أما صحيفة « التليجراف» البريطانية، فقد نشرت أن تمديـد التصويت جاء بعد أن « أحرج» انخفاض نسبة المشاركة أنصار السيسى، وأن ما شهدته اللجان كان أقل من المتوقع بكثير، كما أشارت إلى أن غياب الشباب كان بشكل ملحوظ.

أما فيما يتعلق بالإعلام الداخلى الذى أشار إليه الرئيس، فإنه يمكن ملاحظة أنه بالرغم من تعـدد وسائله، وبالرغم من أنه يُعـد أحد أهم أدوات القوة الناعـمة للدولة، إلا أنه قـد ظل عاجزا حتى الآن عن بناء استراتيجية إعلامية واضحة، تهدف إلى تشكيل وحشد الرأى العام الداخلى لصالح الأمن القومى للدولة، وإلى إستعادة السلوك القويم، وإحياء القيم الأصيلة فى المجتمع المصرى، خاصة فى هذه المرحلة الراهنة التى تتسم بالحساسية والتعـقيـد، فجميع الوسائل الإعلامية تسعى إلى تغـليب مصالحها الآنية، فافتقـرت إلى المصداقية، خاصة فى غياب المعايير الحرفية والضوابط المهنية التى تُنسق وتضبط حركية هذه الوسائل لصالح الأمن القومى المصرى وفى يقينى أيضا أن هذه الرسائل الثلاث قـد وجهها الرئيس ليُذكر الرئيس الأمريكى الجديـد ـ بـعـد أن التقى المرشحين ـ إلى ضرورة الخروج من شرنقة القوة الوحيـدة التى وضع فيها الرئيس أوباما نفسه داخلها طوعا، دون أن يشعـر بما يجرى خارجها من تحولات فى النظام الدولى، فألقت بضوئها الكاشف على وضع القائد السياسى الأمريكى والروسى، إلى الحد الذى أبرزت فيه مؤشرات استطلاع الرأى ارتفاع شعـبية بوتين إلى أعلى مستوياتها فى روسيا، بينما تدنت شعـبية أوباما إلىأدنى مستوياتها فى الولايات المتحدة، حتى أصبح يبدو وكأنه القائد السياسى الأكثر فشلا فى إدارة شئون أقوى دولة فى العالم.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد