رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعصار الأزمات يضرب الدولة.. الشارع يشهر البطاقة الحمراء في وجه الحكومة.. الوزراء نائمون في العسل.. وخبراء: لجان الأزمات "شوية موظفين" وهشام إسماعيل "فاشل"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بين خلية لإدارة الأزمة وأخري لإفتعالها، وقعت البلاد في دوامات متلاحقة من الأزمات، التي ضربت أعماق بنيتها الإقتصادية والإجتماعية والأمنية علي حد السواء، حتي أن تلك الخلايا المتنوعة المنوط بها مواجهة الأزمات والتغلب عليها، لم تزدها إلا مزيدًا من التعقيد، علي نحو تضاعفت معه معاناة المواطنين، ولعل حادث رشيد ليس ببعيد.

 

فقبل أسبوع، استيقظ المواطنون علي خبر مفجع عن غرق  أحد مراكب الهجرة غير الشرعية قبالة سواحل مدينة رشيد والذي كان يستقل مئات المهاجرين المصريين والأجانب، متجهًا صوب سواحل أوروبا، ما أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، إلي جانب عشرات المفقودين، وهو ما أعتبره الكثيرين مؤشرًا علي فشل الحكومة فى إدارة الأزمات، يستوجب رحيلها فورًا.

 

وفي مصر، يتمثل الإطار المؤسسي لإدارة الأزمات والكوارث في أربع لجان كبرى مختصة بإدارة الأزمة ومكافحة الكوارث، أولاهما قطاع إدارة الأزمات والكوارث التابع لمجلس المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء، إضافة إلي اللجنة الوزارية العليا لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية بعض الوزارات الرئيسية المعنية بالكارثة.

 

كما يوجد اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1537 لسنة 2009، فضلًا عن اللجان المصغرة التي تتبع المحافظات وكل وزارة على حده، حيث يوجد داخل كل وزارة مكتب لإدارة الأزمة ومكافحة الكوارث.

 

لكن المثير للدهشة حقًا، في أعقاب كل أزمة تعصف بالبلاد من كارثة السيول التي لازالت عالقة بالأذهان، واندلاع موجة الحرائق، مرورًا بأزمتي الغلاء وتذبذب سعر الدولار، تخرج علينا بيانات الحكومة كاشفة عن ضبط خلايا إخوانية متخصصة في إفتعال الأزمات، بدلًا من مطالعتنا برؤية لجانها لحل تلك الأزمات.. والتي نستعرض أبرزها في التقرير التالي.

 

"الطائرة الروسية"

 

وفي نوفمبر الماضي، شكلت خلية إدارة الأزمة تابعة لمجلس الوزراء بعد دقائق من قوع حادث سقوط الطائرة الروسية، توزيع الأدوار بين الوزارات المختلفة، وتوجيه تقارير رسمية الصادرة عن خلية الأزمة، إلى رئاسة الجمهورية، للإطلاع على مستجدات الأمور في الحادث.

 

"أزمة السيول"

 

مع دخول فصل الشتاء، دومًا ما يكون مصحوبًا بموجات متتابعة من الطقس السئ من أمطارغزيرة تصل إلي حد السيول، تخرج معها تصريحات المسئولين لتطمئن المواطنين بإعداد خطة للتعامل مع الأزمات المتوقعة، وتشكيل غرفة عمليات دائمة للتعامل مع أزمة السيول.

 

ولكن سرعان ما تبخرت تلك التصريحات، وغرقت أجهزة الحكومة في شبر مايه بعد أن ضربت السيول في نوفمبر الماضي محافظتي الأسكندرية والبحيرة، التي تفاقمت بوتيره متسارعه إلي أن انتهي الأمر بتدخل القوات المسلحة التي دفعت بسيارات شفط المياة من الشوارع في محاولة للسيطرة علي الأزمة.

 

ثم أعلنت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية أنذاك إلقاء القبض على خلية إرهابية مكونة من 17 من أعضاء اللجان النوعية لتنظيم الإخوان،  تبين تورط أفرادها فى سد مصارف الصرف الصحى لوقف تصريف الأمطار بالإسكندرية.

 

"حادث رشيد"

 

تعامل الحكومة المصرية في أزمة غرق مركب رشيد الأسبوع الماضي، والذي خلف وراءه ما يزيد عن قتيلًا وعشرات بين مصابين ومفقودين، لم يختلف عن سابقيه من الحوادث الأخري، فرغم وقوع الحادث المأسوي يوم الأربعاء الماضي، إلا أن مسئولي الدولة المصرية بدأوا في التحرك بعد اربعة أيام باجتماع عاجل للجنة الأمنية المصغرة برئاسة رئيس الوزراء، ثم توجه وزير الصحة أحمد عماد الدين راضي، إلى موقع الحادث لمتابعة الاستعدادات الطبية.

"لبن الأطفال"

 

 أزمة نقص ألبان الأطفال من الأسواق شغلت الرأي العام بشدة مؤخرًا، بعدما دفع تفاقم الأزمة طيلة الأيام الماضية بعض السيدات للتظاهر، قبل أن يخرج وزير الصحة بعد مرور أكثر من ثلاث أيام للحديث عن الأزمة وما تقوم به الوزارة من اجراء لحلها في أقرب وقت.

 

وبعد ذلك، أعلن المتحدث بإسم مجلس الوزراء، عن تنسيق القوات المسلحة مع وزارة الصحة، للتعاقد على شراء 20 مليون علبة من ألبان الأطفال، يتم تسليمها للصيدليات من أجل حل الأزمة.

 

"أزمة حظر الفراولة"

 

ومؤخرًا، وضعت الفراولة صادرات الغذاء المصرية إلى السوق الأميركية في مأزق شديد، بعد أن أكدت ولاية فرجينيا تسجيل 10 إصابات بحالات التهاب كبدي وبائي معروف باسم فيروس "أي" بعد تناول عصير فراولة مصرية، وتعاقب بعد ذلك قرار روسيا والسودان بحظر إستيراد الحاصلات الزراعية المصرية.

 

وعلى الفور أعلنت وزارة الزراعة عن تشكيل لجنة لبحث الأزمة برئاسة رئيس اتحاد المصدرين، وقال عصام فايد وزير الزراعة إن العينات التي تم تحليلها بالنسبة للفراولة المجمدة "خالية من جميع الأمراض"، موضحا أن التحاليل اختيارية وليست إجبارية، إلا إذا طلب المصدر إجراء التحاليل على الشحنة المصدرة.

 

قرار روسيا بفرض حظر مؤقت علي استيراد الفواكه والخضروات من مصر، جاء بعد أيام من قرار مصر رفض استلام شحنة القمح الروسي لإصابته بفطر الأرجوت، ما أرجعه المراقبون إلي حالة التخبط داخل وزارة الزراعة، وتعنت وزيرها في تسلم شحنات القمح الروسي رغم موافقته السالفة، ما أضطره امام الموقف الروسي إلي التراجع عن قراراه وتسلم القمح الروسي وفق المواصفات العالمية.

 

"أزمة الغلاء"

 

رغم أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات أصبح أزمة متكررة، وضيفا دائما علي طاولة إجتماعات الحكومة، تشكلت علي إثره اللجان ودشنت الخطط والبرامج العاجلة في محاولة للسيطرة علي الأزمة لكن المحصلة كانت مخيبة للآمال حيث قفز معدل التضخم إلي معدل هو الأعلي منذ 8 سنوات،  بنسبة 16.4% فى أغسطس الماضى مقارنة باغسطس 2015، نتيجة تذبذب أسعار الدولار وجشع التجار والاحتكار، بحسب ما أرجعه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 

ولكن نظرية المؤامرة لم تكن ببعيدة عن الأزمة السابقة، إذ أعلنت الأجهزة الأمنية قبل أيام عن ضبط خلية إخوانية تسمي "وحدة الأزمة" الغرض منها تعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من ممارسة عملها، وتفعيل للأزمات الموجودة بالفعل فى البلاد مثل أزمة الدولار وبعض الأزمات الاقتصادية الأخرى.

 

الدكتور عبد الله المغازي، معاون رئيس الوزراء السابق، أكد أن أداء الحكومة اتسم دومًا بالتخاذل والبطئ في التعامل مع الأزمات المختلفة، والتي تتركها جتي تتفاقم، مضيفًا أعتقد أن مثل هذه الحكومة لو كانت في دولة كبيرة محترمة لقدمت استقالتها علي الفور لاسيما بعد كارثة مركب رشيد.

 

وأضاف المغازي :" المهندس شريف إسماعيل هو أضعف رئيس وزراء تولي المنصب علي مدار تاريخ مصر، اداؤه باهت وضعيف في إدارة مختلف الأزمات ، وهو ما دفعني إلي تقديم إستقالتي من منصبي كمعاون لرئيس الوزراء، وهو ما لا ينفي كونه شخصية وطنية لكن قدراته ضعيفه للغاية بما لاتتناسب مع طبيعة الظروف الراهنه.

 

وشدد علي أن المرحلة الراهنه تتطلب تشكيل لجنة تابعة لمجلس الوزراء تكون مختصة برصد الأزمات قبل حدوثها دون إنتظار تتحولها إلي ازمة حقيقية علي أرض الواقع، بخلاف دورها في مواجهة الأزمات الكائنه بالفع، مضيفًا لكن للأسف تسند مهمه إدارة الأزمات في مصر إلي مجموعة من الموظفين، يرأسهم رئيس وزراء بدرجة موظف، خدمته الظروف وأصبح علي رأس الحكومة.

 

ورأي أن مصر في حاجة ماسة حاليًا إلي رئيس وزراء جديد  من اصحاب المواهب الكبيرة القوية ذو طابع اقتصادي و يحظي بمكانة سياسية، مثل الدكتور عاطف صدقي الذي استطاع ان ينتشل الدولة المصرية من عثراتها، في ظل صعوبات إقتصادية طاحنة لا تتحمل إستمرار هذاذ المشهد العبثي.

 

ولفت إلي أنه من غير المنطقي إلصاق الأزمات المختلفة إلي خلايا إجرامية تصطنع الأزمات، فلدينا علي سبيل المثال مشكلة اقتصادية حقيقية، قد تكون عامل فرعي لظهور مثل تلك الخلايا الإجرامية والتي لا يتجاوز تأثيرها ال5% ، وان صحت تلك الإتهامات فإنها تدل علي أن الإقتصاد المصري مهترأ و ضعيف لدرجة تمكن أشخاص معدودين تتسبب في أومة اقتصادية طاحنة.

 

اما الدكتور مغاوري شحاتة، رئيس لجنة الكوارث بأكاديمية البحث العلمي، أرجع تراخي دور إدارات الأزمات في مصر إلي عدم تأهيل المسئول في المناصب القيادية لتكون قادرة علي إدارة أزمات ، من أجل الوصول إلى حكومة تعمل بكفاءة القوات المسلحة في إدارة أزمات الدولة الداخلية.

 

وشدد "شحاته" علي أهمية إخضاع  الوزير قبل تولي مهام منصبه لفترة تدريب محددة على إدارة الأزمات والتعامل مع الموقف بشكل متكرر، وحال نجاحه فيها يتم اختياره وتنصيبه للحقيبة المعني بها.