رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دولة الإخوان العقارية «٢-٢»


استعلم قليلاً عن الذين سافروا مع محمد مرسى إلى الصين حينما كان رئيساً، ومن ذا الذى جهَّزَ طائرة رجال الأعمال وحملهم على بساط الريح ليحققوا أهداف الإخوان، حينئذ سنعرف جميعا إلى أى مدى وصلت إمبراطورية الإخوان الاقتصادية.


فى المقال السابق بدأنا الحديث عن ثروات الإخوان وفكرتهم فى السيطرة على الاقتصاد المصري، وكان من ذلك فكرتهم فى السيطرة على السوق الدولارى والسوق العقاري، ولأن هذا المقال عن الاقتصاد فرغماً عنا يجب أن نتحدث بلغة الأرقام، فحقائق الأموال هى الأرقام. يقول قادة الإخوان فى كل المناسبات: إن أموال الإخوان من جيوبهم.. وهذا الطرح صحيح إلى حد ما، فاللائحة تلزم كل أخ بسداد اشتراك شهرى يدفعه قربى لله وعبادة له يرفع بها شأن جماعته التى تسعى فى ظنه المتوهم إلى «تطبيق الإسلام» واستعادة «أستاذية العالم» كما أن الأخ يقوم طواعية بسداد زكاة المال لجماعته لتصريفها فى الوجه الشرعى الذى تراه الجماعة، وإذا كانت جماعة الإخوان وستظل تخفى «حجم ميزانيتها وتطور العضوية فيها حتى إن معظم بل غالبية أفراد الإخوان لا يعلمون شيئا ًعن أموالها» فإننا سنضطر إلى الحديث بشكل تقريبى، ولكنه التقريب الذى هو أقرب ما يكون إلى الحقيقة.

يبلغ حجم اشتراكات أعضاء الجماعة - وهو البند الأول فى ميزانية الجماعة - ما يقرب من مليار جنيه سنوياً على وجه التقريب، يدفعها 400 ألف عضو عامل منتظم وفقا لآخر إحصاء داخلى بالجماعة لسنة 2008 ، حيث تصل قيمة الاشتراك الشهرى الذى تحدده لائحة الجماعة إلى 8 % من إجمالى الدخل الشهرى للعضو يقوم بسدادها أول كل شهر، وبالتالى ونظراً لتفاوت الدخول بين أعضاء الجماعة وبعضها فإن قيمة هذه الاشتراكات الشهرية دائماً ما تأتى متفاوتة، حتى الفرد نفسه فأحياناً ما يسدد قيمة معينة وأحياناً أخرى يسدد قيمة مختلفة. ولكن بحسبة بسيطة نجد أن متوسط الاشتراك الشهرى لعضو الجماعة يصل فى الغالب إلى مائتى جنيه، فإذا ما قمنا باستبعاد الطلبة والفقراء يكون دخل الجماعة الشهرى قيمته 80 مليون جنيه تقريباً، أى مليار جنيه سنوياً كدخل ثابت للجماعة من اشتراكات الأعضاء فقط. وإذا كانت الجماعة قد دخلت إلى سوق المال الدولى وأصبحت تستثمر جزءاً كبيراً من أموالها فى الخارج ـ وفقا للدراسات التى أعدها بعض رجال الاقتصاد ـ فقد بات حتميا على حسب هذه الدراسات أن تحصل الجماعة على ثلاثة أرباع مليار دولار سنوياً تقريباً نسبة عائد على استثماراتها فى تركيا وقطر وهونج كونج وألمانيا وبريطانيا، فعبر سنوات طويلة ظلت الجماعة تجنى مواردها ثم تقوم باستثمارها مما كوَّن لها رصيداً معتبراً.

وحين قررت الجماعة توجيه استثماراتها إلى السوق العقارى أسندت الأمر فى المقام الأول لابنها البار حسن مالك، ومن بعده خيرت الشاطر، وكان المسار الاستثمارى الذى وجه فيه مالك أموال الإخوان هو شراء الأراضى فى المدن العمرانية الجديدة بحسب أن هذه الأراضى هى مستقبل مصر الحقيقي، ومن أجل تحقيق أهدافه استخدم حسن مالك ومعه خيرت الشاطر أدوات إخوانية لهم كى لا يظهر اسم أحدهما فى هذه المضاربات، وكان هؤلاء الإخوان من الثقاة الذين يعملون فى شركاتهما ويدينون لهما بالطاعة العمياء والثقة المطلقة، فضلاً عن بضعة قروش يستفيدون منها من جرَّاء استخدام أسمائهم فى شراء هذه الأراضى. وبالتالى ظل شراء الإخوان لعدد كبير من الأراضى فى المدن العمرانية الجديدة حينما كانت المسألة تخضع للعرض والطلب لا للقرعة، فامتلك الإخوان مئات الأراضى فى مدن بدر وأكتوبر والشيخ زايد والقاهرة الجديدة والعبور والشروق وغير ذلك فى محافظات مصر، وحينما اشترطت إدارة تلك المدن أن يقوم أصحاب الأراضى بالبناء عليها أقام الإخوان عقارات هيكلية تبدو من الخارج أنها معدة للسكن ولكنها مدخرة لوقت الحاجة، حيث يتم استكمال بنائها، ومن هذه الأراضى أقام قادة الإخوان قصوراً وفيللات، وأشهرهم حسن مالك وخيرت الشاطر ومهدى عاكف وممدوح الحسينى وأحمد شوشة وهشام المحمدى وأسعد الشيخة وغير هؤلاء كثير من القيادات الكبرى فى الجماعة.

واستمر الأمر لسنوات إلى أن تطلبت وزارة الإسكان إجراء قرعة، وكانت القرعة فى البداية عقبة أمام الإخوان، إلا أنهم استطاعوا التغلب عليها عن طريق التقدم بآلاف الطلبات للشراء، ووفقاً للنسب الإحصائية فإنه كان من المقدر أن تصيب القرعة عدداً معقولاً منهم، وحققت هذه الطريقة مستهدفها فى البداية إلا أنها كانت لافتة للنظر فخافت الجماعة من انكشاف أمر خطتها فكان أن أقام الإخوان علاقات مشبوهة مع بعض المسئولين المختصين بإجراء هذه القرعة. وإن طالعنا أنباء آخر قرعة تمت منذ شهور قليلة سنجد أن الشبهات طالتها، والشكاوى بشأنها تعددت، وتناقلت الصحف أخبار الغضب الذى أصاب المتقدمين حتى كاد أن يتحول إلى ثورة أمام هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وبنك الإسكان والتعمير بسبب التلاعب فى هذه القرعة، وكان أغرب ما طالعته أنا شخصياً هو أن شخصاً يدعى «عبد السلام بشندى» وهو أحد قيادات الإخوان، وكان متهماً فى أحداث كرداسة، وكان قبلها عضواً بمجلس الشعب عن الإخوان، تقدم حينما كان بالسجن! هو وأخوته وأخواته وأبناء أعمامه فى قرعة بنك التعمير والإسكان، والغريب أنه فاز هو وكل أقاربه! وحينما ضج الناس بالشكوى قال وزير الإسكان إن القرعة كانت عادلة ولم يكن بها أى تلاعب! كان هذا بعضاً من كل، فما خفى كان أعظم، ومن الذى خفيَّ اشتراك قيادات للإخوان فى بناء «كومبوندات» سكنية بالشيخ زايد والتجمع الخامس، وقد دخلوا أيضاً عن طريق حلفائهم الذين يطلقون عليهم «حصان طروادة» إلى مدينة المستقبل المتاخمة للعاصمة الإدارية الجديدة، وشاركوا بعض أباطرة «الكومبوندات» سراً فى معسكراتهم السكنية، ثم خرجوا إلى الساحل الشمالى والعين السخنة ورأس سدر بغية السيطرة على قراها السياحية، وإذا أردت أن تعرف مدى تغلغلهم فى تلك القرى وهذه الكومبوندات فانظر إلى أسماء أصحابها الكبار، من ذا الذى كان منهم بوابة للإخوان فى أحد الأندية ثم أصبح رئيساً مباشراً لخيرت الشاطر فى مؤسسة اقتصادية حكومية؟ ومن ذا الذى كان منهم فى جمعية ابدأ، لا تهتم كثيراً بكل من كانوا فى تلك الجمعيةالإخوانية الاقتصادية فكثير منهم دخلوها نفاقاً ومن أجل الحفاظ على ثرواتهم، ولكن انظر للذين دخلوا شركاء لحسن مالك وخيرت الشاطر فى شركاتهما، أو انظر للذين دخل الشاطر ومالك كشركاء معهم فى مؤسساتهم، وانظر أيضاً لهؤلاء الذين شاركوا بأموالهم ورجالهم فى اعتصام رابعة، واستعلم قليلاً عن الذين سافروا مع محمد مرسى إلى الصين حينما كان رئيساً، ومن ذا الذى جهَّزَ طائرة رجال الأعمال وحملهم على بساط الريح ليحققوا أهداف الإخوان، حينئذ سنعرف جميعا إلى أى مدى وصلت إمبراطورية الإخوان الاقتصادية، وإلى أى مدى استطاعوا التحكم فى سوق العقارات. ولذلك يبدو أن مقولة البعض بأن الإخوان يستطيعون شراء مصر بما فيها من خلال مؤسساتهم المالية الضخمة وشركات المقاولات وشركات الإنتربيلد والأثاث والمنسوجات التى يمتلكها قيادات الجماعة الآخرين هى مقولة خالية من المبالغة فأموال الجماعة تجعلهم الرأسمالى الأكبر فى تاريخ مصر، ولكن الأخطر من كل هذا وذاك هو سيطرتهم الحقيقية على سوق العقارات ولكِ الله يا مصر.