رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغرب يساوم مصر بـ"ورقة اللاجئين" مقابل الدولارات.. مساع أوروبية لإبرام اتفاق هجرة مع القاهرة وطرابلس.. وخبراء يحذرون: محاولة لتصدير الأزمة بعيدًا عن القارة العجوز

جريدة الدستور

أوضاع مأساوية يعايشها ملايين اللاجئين يوميًا بعيدًا عن أوطانهم، يخوضون صراعهم المرير مع المجهول على حدود الموت ينتظرون مصيرهم الحتمي بين إحتمالين لا ثالث لهم، إما المرور إلي الحياة عبر بوابات الحدود الأوروبية أو الموت بأيًا من الأشكال.

ظلت أزمة اللاجئين طيلة السنوات الخمس الماضية تؤرق الحكومات الغربية كافة، لاسيما مع تفاقم الصراعات الدائرة في العديد من بلدان الشرق الأوسط وتحديدًا في كلًا من سوريا والعراق واليمن وليبيا، ما جعلها مصدرًا رئيسيا للملايين المتدفقة سنويًا إلي الحدود الغربية هربًا من الصراعات الأهلية الدائرة في أوطانهم.

وتعد سوريا أكبر دولة تصدر لاجئين للعالم، حيث هرب من الأراضى السورية حتى نهاية عام 2015، حوالى 4872585 لاجئا، تليها أفغانستان فى المرتبة الثانية حيث بلغ عدد الخارجين من أراضيها بغرض اللجوء إلى 2666254 لاجئا، وذلك بحسب أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي لعام 2015.

ظلت دول القارة الأوروبية طيلة تلك الفترة تقف مكتوفة الأيدي عاجزة أمام تدفقات اللاجئين الهاربين من جحيم أوطانهم إليها، بطرق غير شرعية، بعد فشل الإتحاد الأوروبي إتخاذ قرار جماعي بشأن أزمة اللاجئين، ما أضطر بعضها إلي إتخاذ قرارات منفردة للحد من تلك التدفقات.

إذ لجأت دول البلقان إلي حيلة لوقف سيل اللائجين المتدفق إليها، بفرض قيود علي الحدود في فبراير الماضي، أدت إلي إغلاق شبه تام لممر البلقان الذي استخدمه أكثر من مليون مهاجر للوصول إلي القارة العام الماضي، ما أثار غضب أثينا بعد أن تقطع السبل بآلاف اللاجئين على الأراضي اليونانية.

وفي منتصف مارس الماضي، أقر قادة الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تركيا لمعالجة تدفق اللاجئين عبر بحر إيجه يقضي بإبعاد اللاجئين الجدد الوافدين لـ اليونان إلى تركيا، والذي بموجبه ستستعيد أنقرة جميع اللاجئين والمهاجرين الذين عبروا إلى اليونان بطريقة غير شرعية بينهم لاجئون سوريون، في مقابل استقبال أوروبا لبعض اللاجئين السوريين ومنح تركيا مزايا مالية وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول لدول التكتل وتسريع محادثات عضويتها في الاتحاد الأوروبي.

لكن الإعلان الأخيرة من الجانب المصري، والذي كشف عن استيعاب نحو 5 ملايين لاجئ مسجلين وغير مسجلين، ممن ينتظرون دورهم للإنتقال إلي دول أوروبا، أثار مخاوف الغرب بشأن إحتماليه تدفقهم بأعداد كبيرة بطريقة غير مدروسة.

تلك المخاوف السالفة فرضت نفسها بقوة علي قمة دول ما يسمى بـ"طريق البلقان" التي إستضافتها العاصمة النمساوية فيينا، أمس السبت، لبحث الحالة الراهنة لقضية الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، إلي حد دفع تلك الدول إلي طرح مقترح بأن تبرم بروكسل مع السلطات المصرية اتفاقا حول إنشاء مخيمات للاجئين خارج الاتحاد الأوروبي، على غرار الاتفاق مع تركيا.

وفي كلمة ألقاها خلال القمة، دعا رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، إلى إنشاء "مدينة ضخمة خاصة باللاجئين" على الساحل الليبي، موضحًا أن مثل هذه المدينة من شأنها أن تشكل مركزا كبيرا عاما لتسجيل اللاجئين الذين يسعون إلى الحصول على حق اللجوء في الدول الأوروبية ودراسة طلباتهم بهذا الشأن ليتم توزيعهم لاحقًا.

المقترح الأوروبي فسره خبراء الشأن السياسي، في تصريحات لـ"الدستور"، بإعتباره محاولة من جانب الحكومات الغربية لتصدير أزمة اللائجين إلي دول أخري، محددين العديد من العقاب التي تحول دون تحقيقه في المستقبل القريب.

فمن جانبه، أكد الدكتور مختار غباشي، الخبير السياسي، أن مدي قبول مصر وليبيا بالمقترح الأوروبي يتوقف علي عدة عوامل، منها تكلفة إيواء اللاجئين ، والأفق الزمني لإستقبالهم داخل الأراضي المصرية والليبية، تمهيدًا لإنتقالهم إلي دول أوروبا.

ولفت غباشي، إلي أن الإتفاق المبرم في الأساس بين الإتحاد الأوروبي وتركيا متأزم للغاية، بعد أن انقلبت الأخيرة علي الشروط المتفق عليها ولم تكتف بمنحها 3 مليارات دولار وفتح الباب أمامها للإلتحاق بعضوية الإتحاد الأوروبي، وكذلك الخلاف بينهما علي إعفاء مواطني تركيا من تأشيرة الدخول إلي دول الإتحاد الأوروبي.

وتوقع أن يلعب الإتحاد الأوروبي في القريب العاجل دورًا في إغراء مصر بقبول المقترح الأخير مقابل بضع مليارات من الدولارات إستغلالًا لوضعها الإقتصادي السئ، لكن في الوقت نفسه لا أتصور أن يحظي المقترح بقبول مصري، خاصة وأنها ظلت تفتح أبوابها أمام السوريين والعراقيين وفلسطينين ليعاملوا معاملة لائقة مثلهم مثل المصريين.

وبين الخبير السياسي أن العقبة الرئيسية في حل أزمة المهاجرين غير الشرعيين من منظور المقترح الأوروبي تتمثل في أن مصر ليست في الأساس قبلة المهاجرين غير الشرعين، ولا يمكن بأي حال إجبارهم علي الإقامة مؤقتًا في مصر، وتغير مسيارهم عبر البحر في رحلتهم إلي دول القارة الأوروبية.

استبعدت الدكتورة نهي بكر، استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إمكانية قبول الجانب المصري المقترح الأوروبي بشأن مخيمات اللاجئين، لاسيما أن السياسة الخارجية لمصر ثابته فيما يخص اللاجئين وحرصها علي إدماجهم في المجتمع المصري بدلًا من عزلهم في مخيمات، بل وإعطاء العرب منهم كالفلسطينين والسوريين حقوق مساوية للمصريين.

وشددت الخبيرة السياسية علي أن فكرة إنشاء مخيمات يستوعب أكثر من 5 ملايين لاجئ يدفقوا إلي مصر خلال السنوات الماضية، يحمل الدولة أعباءًا إقتصادية لا تطيقها في المرحلة الراهنة، خاصة وأن مصر تكبدت طيلة تلك الفترة تكلفة باهظة لإستيعابهم دون تلقي أية مساعدات دولية في هذا الصدد علي غرار تركيا علي سبيل المثال.

اما فيما يخص مقترح إنشاء مدينة للاجئين في ليبيا، وصفته بأنه يعيد إلي الأذهان وعد بلفور الذي اعطي ما لايملك لمن لا يستحق، مؤكده أنه كان من الأجدر أن تنشئ دول البلقان علي حدودها تلك المدينة، دون أن تصدر الأزمة إلي ليبيا، خاصة وأنه ليس هناك سلطة شرعية تتولي تنفيذ هذه الوصية غير المجدية، إضافة إلي انه يزيد من تعقيد الصراع الدائر هناك.

وأشارت إلي أن توجهات الغرب في التعامل مع أزمة اللاجئين تسير في إطار تصدير الأزمة إلي غيرهم، وحل مشكلتهم علي حساب دولًا أخري وفق حلول مؤقته، علاوة علي عدم وجود ضمانه حقيقية لقبول إعداد من هؤلاء اللاجئين لدخول الأراضي الأوروبية بعد الإبقاء عليهم في المخيمات المقترحة، مشدده علي أن الحل الوحيد يتمثل في سرعة حل النزاع في دول النازحين بتوافق دولي.