رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تشويه الصورة الذهنية لمؤسستنا العسكرية..الأسباب والأهداف والأدوات «2»


استكمالاً لما بدأناه فى الأسبوع الماضى تحت نفس العنوان نؤكد أن قواتنا المسلحة قادرة أيضاً على تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى للعالم العربى الذى يُعتبر المكون الرئيسى للنسق الإقليمى للشرق الأوسط، وقادرة عـلى صيانة الأمن القومى للدولة وحماية مسارها الديمقراطى...


... عازمة على المشاركة الفاعلة فى المسارات السياسية والاقتصادية بل والاجتماعية لتحقيق عـملية نهضة الدولة، وتسعى بإخلاص وتفانٍ إلى حماية جميع هـذه المسارات بما يضمن عـبـورها إلى مرحلة الانطلاق نحـو التنمية الشاملة بما يضمن إستعادة مكانة الدولة المصرية القوية التى فقدتها إبان عام الظلام الذى استولت فيه الجماعة الإرهابية على الحكم، وبالرغـم من التحديات الصعبة التى تمر بها مصر، والتهديدات الموجهة إليها من جميع الاتجاهات الإستراتيجية الثلاثة، فقد إستطاع الجيش المصرى أن يرتقى مرتبة متقدمة فى قائمة ترتيب أقوى الجيوش العالمية فى تصنيف مراكز الدراسات والبحوث الإستراتيجية، حيث تبوأ المرتبة العاشرة عالمياً فى تقييمات بعضها، والمرتبة الثانية عشرة فى تقييمات البعـض الآخر، الأمر الذى أزعج بعض القوى العالمية والقوى الإقليمية غـيـر العـربيـة فى المنطقة، فكان لا بـد من أن تبث سمومها وتحرك عملاءها الذيـن قاموا بتدريبهم على إثارة الفوضى والفتن، لتشويه الصورة الذهنية للقائد السياسى المصرى ذى الخلفية العسكرية، وتشويه الصورة الذهنية للجيش المصرى ، وهما الصورتان اللتان إنطبعتا فى وجدان الشعب المصرى منذ فجـر التاريخ، خاصة قيادات التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية الذين اتخذوا من الدين ذريعة، ومن القرآن حجة، ومن السنة جسراً لتثبيت حكمهم، وظنوا أن الدنيا قد خلت لهم، وأن نواميس الحياة لا تسرى عـليهم، ونسوا ما ذكروا به، وفرحوا بما أوتوا، ذفحكموا عـلى معارضيهم بالكفـر والإلحاد، ونسوا أن احترام رأى جموع الأمة واجب، والتمسك بالرأى عـناد، والرجوع إلى الحق فضيلة، والإصرار على الخطأ نقيصة، والتعايش مع الجموع ضرورة .

هذه هى الأسباب الحقيقية لشن هذه الحملة المسعورة التى تقوم بها هذه القوى وتلك، والتى تهدف إلى تشويه الصورة الذهنية للقائد السياسى المصرى ذى الخلفية العسكرية، والصورة الذهنية للجيش المصـرى الذى سيظل مرابطاً إلى يوم الدين، خاصة بـعـد أن تمكنت هذه القوى من تدمير الجيش العراقى واستنزفت الجيش السورى، وهما الجيشان اللذان كانا يُعتبران من أقوى جيوش المنطقة، ولم يكن هذا التدمير وذلك الاستنزاف إلا لتحقيق الأمن المطلق لإسرائيل كانت هذه هى الأسباب الحقيقية لشن هذه الحملة المسعـورة الموجهة ضد مصر وقائدها السياسى، وجيشها العظيم، ويتبقى لنا تحديد أدوات هذه الحملة، إذ يمكن ملاحظة استغلال هذه القوى لحالة التراجع الحاد فى البعـد السلوكى والقيمى للمجتمع المصرى نتيجة للانكشاف الأمنى الذى شهدته البلاد بعـد انهيار الشرطة بعـد أحداث 25 ينايـر، والأزمات الاقتصادية التى مرت بها مصر حتى الآن، فعملت أولاً على تجنيد بعض من سولت لهم ضمائـرهم، ونسوا حضارتهم، وتخلوا عـن قيمهم، وهانت عـليهم بلادهم، فشوهوا تاريخ مصـر حتى أصبحت وكأنها بلا تاريخ، وأظهروا شعـبها وكأنه شعـب يفتقـر إلى مقومات التقدم والنماء، وعملت هذه القلة على تهيئة البيئة المناسبة لتغـيير ثوابت وقيم وهـويـة المجتمع، خاصة عـنـد الشباب، بما أدى إلى التأثير السلبى فى ثوابت القيم الدينية الراسخة، والقيم الأخلاقية، وقيم الولاء والانتماء والتسامح والتعاون، وكان التركيـز الأكبر على تدنى قيمة العمل حتى تنتشر البطالة، وتسود الفوضى، ويعم الفساد، مع السعى الحثيث لإحلال القيم السلبية كبديل للقيم الإيجابية، خاصة قيم الاستعلاء والاستقواء والاستعداء التى تجر المجتمعات إلى منزلقات التناحر والتقاتل، حتى يسود العنف واتخاذه وسيلة للتفكير والتدبيـر والتعبير بل وربما التغييـر.

وقـد استخدمت الولايات المتحدة وتوابعها لتهيئة البيئة المناسبة لتغـيير ثوابت وقيم وهوية المجتمع، أدوات ووسائل قوتها الناعمة Soft Power، إذ يُمكن ملاحظة أن الأداة الأولى كانت تتمثل فى التخطيط الدقـيـق لخطة إعلامية متكاملة واضحة ودقيقة، وتعـاقـدت مع بعـض شركات الدعاية العالمية المتخصصة لإعـداد وتسويق هذه الخطة، ورصدت لها أموالاً طائلة لتشويه صوررة مصـر ومؤسساتها وأركانها على نحو عام، وصورة جيشها على نحو خاص أمام الرأى العام الداخلى بما يؤدى إلى اهتزاز الثقة بين هذه المؤسسات والشعب، وأمام الرأى العام العالمى بما يؤدى إلى اكتساب التأييد لأى إجراءات تتخذها الولايات المتحدة وتوابعها ضدها، وارتكزت هذه الخطة على توجيه رسائل إعلامية محددة موجهة إلى الرأى العام الخارجى والداخلى على حد سواء، فكان الهدف من الرسالة الأولى إبراز أحداث ثورة 30 يونيو على أنها انقلاب عسكرى ضد الشرعـية، وهو قـول مغـلوط إذ تُـشير تفاعلات هذه الأحداث إلى أن جموع الشعب المصرى قدمت للعالم بأسره نموذجاً فـريـداً فى التعـبئة والحشد السلمى، لم تشهـده البشريـة من قـبـل نموذج استحق أن يطلق عـليه مصطلح الثورة الشعـبية البيضاء متكاملة الأركان، وارتكزت الرسالة الثانية على تزييـف حقائق عـمليتى فـض اعتصام ميدان النهضة ورابعة العـدوية، وتصويـرهما عـلى أنهما اتسمتا بالعـنف المفرط، ثم اتخذت من عـملية فض اعـتصام رابعـة شعاراً تم الترويج له فى جميع وسائل الإعلام.

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد