رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخلاف والاتفاق الأمريكى والإيرانى فى المسألة السوريـة «2-2»


استكمالاً لمقالنا الأسبوع الماضى نشير إلى أنه بالرغم من وجود بعـض الاختلافات فى كلا المنظورين الأمريكى والإيرانى، فالولايات المتحدة قامت بتقسيم العـراق على أساس تركيبة الشعـب العراقى إثنياً وطائفياً ومذهبياً ليكون نموذجاً لباقى دول المنطقة العربية والإسلامية، بينما تريده إيران بلداً موحداً ضعـيفاً يعـج بمشاكله الإثنية والمذهبية والطائفية على الدوام  بحيث لا يشكل تهديداً مباشراً على أمنها فى المستقبل، وتريـده رخوا حتى يمكنها الهيمنة عليه أولاً، والنفاذ من خلاله إلى مناطق أخرى من العالم العربى لتحقيق مشروعها القومى وحلمها الدائم لإحياء الإمبراطورية الفارسية الساسانية.

ثانيا، وهو ما صرح به على يونسى مستشار الرئيس حسن روحانى فى منتـدى الهوية الإيرانية «انعـقـد فى طهـران يوم الأحد 8 مارس 2015» بـأن «إيران قد أصبحت بالفعـل إمبراطورية كما كانت على مر تاريخها، وأصبحت غـيـر قابلة للتجزئة مرة أخرى!، وعاصمتها حاليا هى بغـداد التى تُعـتبر مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا، وأن جميع دول الشرق الأوسط هى بلدان إيرانية كذلك وسوف ندافع عنها»، أما على شمخانى أمين المجلـس الأعلى للأمن القومى الإيرانى فقد صرح بأن «بلاده باتت على ضفاف المتوسط وباب المندب».

وبتحليل هذين التصريحين يمكن أن نخلص إلى أن إيران قد اقتربت كثيراً من تحقيق حلمها الدائم «إحياء الإمبراطورية الإيرانية الساسانية التى عاصمتها بغداد»، كما يُعـتبر إشارة صريحة إلى أن دول العالم العربى تُعـتبر من مكونات هذه الإمبراطورية، وهو ما صرح به على يونسى، خاصة بعـد أن هيمنت على أربع دول عربية هى لبنان «حزب الله» واليمن «الحوثيون» سوريا «العلويون ـ حزب الله ـ الجيش الثورى» والعراق وهو الأهم، إذ يشير الواقع إلى أن العـراق يمثل أهمية جيوستراتيجية كبرى لإيـران، فهو يشاركها السيطرة عـلى الخليج العـربى ومضيق هـرمز وخليج عـمان جغرافيا، ويُمثل الخط الفاصل بين القوميتين العـربية والفارسية حضارياً، وتعتبره سهل الهضـبة الإيرانية الذى تتكامل مـنـتجاته الزراعـية مع منتجات هضـبتها، كما يمتلك العراق مخزونا هائلا من الإحتياطى المؤكد من خام البترول يُمكَنها من أن تصبح قوة اقتصاديـة هائلة عـند إضافـتـه إلى مخزونها، كما يُمثل أهمية اجتماعية ومذهبية خاصة لإيران، حيث يضم عـتبات المراقـد المقـدسة التى يحج إليها الشيعة الإثنى عشرية.

وبالمثل فإن هناك بعـض الاختلافات الجوهرية فى المنظورين فيما يتـعـلـق بالملف السورى، حيث ترغـب الولايات المتحدة أولاً فى استكمال تجـريـد سوريـا من مصادر وعـناصـر قوتها الشاملة، خاصة قدرتها العسكريــة باستكمال تـدميـر الجيش السورى باعـتبار أنه كان من أقوى جيـوش المنطقة، ثم تسليـم سوريـا إلى التيـار الإسلامى لتحقيق مخطط التقسيم وفقا للتفاهمات التى تمت مع التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية ثانياً، والسعى الدؤوب إلى إطالة أمـد الحرب الأهـليـة السورية حتى يتم تقسيم سوريا وتحقيق مخطط إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير ثالثاً وهو الأهم، وتهيأت الفرصة لأكراد سوريا لاستكمال السيطرة عـلى منطقة شمال شرق سوريا وتوطين أكراد سوريا فيها «التقسيم على أساس عـرقى»، وهو ما فعـلته مع العـراق وقامت بتمكين أكراد العـراق من استكمال سيطرتهم على مدينة كركوك المتنازع عليها بين العـرب والأكراد، ويكون شمال غرب سوريا للجيش الحر السنى، بينما تبقى دمشق وجنوبها تحت سيطرة النظام العلوى الشيعى «التقسيم على أساس المذهب»، وبذلك تتأجج الصراعات العرقية والمذهبية والسياسية فى سوريا، حيث لا بـد وأن تقود تفاعلات هذا التقسيم إلى فوضى عارمة من الصعـب إن لم يكن من المستحيل أن تخرج سوريا منها حتى ولو على المدى البعـيـد، وهو ما يحقق لإسرائيل الأمن المطلق، وهو ما عـبـر عنه مدير المخابرات الأمريكية CIA مؤخرا، عـنـدما صرح بأنه بات «من الصعب أن تعود سوريا دولة موحدة». وللتدليل على سعى الولايات المتحدة إلى إطالة أمـد الحرب الأهـليـة السورية، فإنه يمكن ملاحظة قيامها بإمداد ما يُسمى بالمعارضة المعـتدلة بالأسلحة والمعـدات والذخائر عن طريق تركيا لقتال جيش النظام بالقدر الذى لا يسمح لأحد الطرفين حسم هذه الحرب، وحرصها.

على أن تنتهى هذه الحرب دون غالب أو مغلوب، وهو ما إتبعـته الولايات المتحدة فى الحرب العراقية الإيرانية بإمداد الطرفين بالأسلحة والمعدات والذخائر دون علم الطرف الآخر، بينما تريد إيران سوريا الموحدة المؤهلة لأن تكون إحدى ولايات الإمبراطورية الإيرانية تحت حكم الوالى الشيعى العـلوى بشار الأسـد، حيث تضع إيران فى جميع حساباتها الاستراتيجية أن سوريـا تُعـتبـر المحافظة الإيرانية رقم 35، أى ضمن التقسيمات الإدارية العـضوية لإيران، وليست إحدى ولايات الإمبراطورية الفارسية، كما تعـتبر سوريا أهـم كثيرا من إقـليـم خوزستان «الأهـواز» ذى الأغـلبية العـربـيـة «عربستان سابقا»، وهو ما عـبَر عنه «مهدى طائب» رئيس مركز عـمَار الاستراتيجى الإيرانى، بأنه «لو خسـرت إيران دمشق فلن تتمكن من الاحتفاظ بطهران، بينما لو خسرت الأهواز فإنها تستطيع إستعادتـه ما دامت تحـتـفـظ بدمشق، ولذلك فعلى إيـران إمداد سوريا بـ 60 ألـف مقاتـل مدربين عـلى حرب الشوارع والـقـتال فى المدن، إذ يفـتـقـر الجـيـش السورى إلى مثـل هـذا الـنـوع من المقاتـلـيـن»، ذلك أن سوريا تمثـل أهمية خاصة لإيـران من الناحية الجيوستراتيجية سياسياً وأمنياً واقتصادياً، حيث تعـتبـر مـنـفـذها الوحـيـد على البحر المتوسط، وتعـتبـر أيضا خط التماس مع العـراق ذات الأهـمـيـة المطلقة لإيـران كما سبق توضيحه.

فأى المنظورين سيكون أقرب للتطبيق؟ المنظور الأمريكى أم المنظور الإيرانى؟ وهل يمكن أن يتفق الطرفان ولو تكتيكيا لإيجاد حل سياسى لهذه الأزمة الطاحنة؟ وهل يُمكن للطرفين التوصل إلى هذا الحل بمنأى أو بمعـزل عن روسيا المنخرطة فى جوهر هذه الأزمة؟، وإذا تمكن الطرفان من تحقيق ذلك، فما رد الفعل الروسى المنتظر؟ وما تأثيـر ذلك على الدور الروسى فى المنطقة؟ وهل سيُؤدى ذلك إلى تعـظيم أم أفول الدور الروسى؟ وما موقف الدول العربية؟ خاصة بعـد تصريحات حسن روحانى بأن إيران مستعـدة لتقديم الدعم الكامل للعـراق إذا طلبت منها الولايات المتحدة والعراق ذلك، بل وذهب أبعـد من ذلك حين صرح بأن إيـران مستعـدة للتعاون مع الولايات المتحدة لتلعـب دوراً فاعلاً فى المنطقة لإعادة هيكلتها وتشكيلها بما يتسق مع تحقيق مصلحتيهما. وهو ما سأتناوله تباعا فى مقالات قادمة بإذن الله.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد