رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كبش فداء» .. الإخفاق الأوليمبى


انتهت الدورة الأوليمبية، وبدأ مهرجان «الولولة للجميع»، وهو المهرجان الذى اعتدنا عليه كل أربع سنوات، عقب انتهاء كل دورة أوليمبية، لم نحقق فيها النتائج المرجوة، والتى تليق بمصر، وفى كل مرة تُعلق المشانق، وتبدأ المحاكمات، وتتحول مصر إلى سرادق عزاء كبير، تسبقه جنازة للرياضة المصرية ويبدأ المعددون «الولولة» وتعداد الدول التى سبقتنا فى رصيد الميداليات والترتيب العام، ومنها دول لم تكن موجودة على الخريطة حين شاركنا فى أوليمبياد استوكهولم عام 1912...

... ويشرع المعددون فى حصر الأموال التى أهدرت على إعداد الأبطال الأوليمبيين، والتى بلغت 400 مليون جنيه خلال أربع سنوات، ولم تؤت ثمارها حصلنا فقط على ثلاث ميداليات برونزية، بما يعنى أن الميدالية الواحدة «وقفت علينا» بـ 130 مليون جنيه.

وكما يحدث فى كل مرة، لابد من تقديم كبش فداء، وأقوى المرشحين دائماًلهذا الدور هو وزير الشباب والرياضة، ممثل الحكومة، التى يبغضها الناس عادة، لأسباب لا علاقة لها بالإخفاق الأوليمبى، وإنما لها علاقة بالغلاء، وفواتير الكهرباء، وضريبة القيمة المضافة، وأشياء من هذا القبيل، ناهيك عن أن علاقة الناس بالحكومة عادة ليست على ما يرام، بينما مسئولية الوزير تقتصر على توفير الموازنات وفق البرامج التى تتقدم بها الاتحادات، التى هى مسئولة عن الإعداد الفنى للأبطال، ومسئولة مسئولية مباشرة عن النتائج، بالتضامن مع اللجنة الأوليمبية، ولكننا وسط مهرجان «الولولة للجميع»، نخلط الأوراق، ونغفل أنه لا سلطة للوزير على اللجنة الأوليمبية والاتحادات فيما يتعلق بالنتائج، لأنه وفقاً للميثاق الأوليمبى لا يعاقب البطل على إخفاقه، فالفوز بميدالية، ليس هدفاً فى ذاته، وإنما الهدف من الرياضة هو المنافسة فى ذاتها، فإذا ما قام الوزير بمعاقبة اللجنة الأوليمبية، أو الاتحادات بسبب سوء النتائج، عُدَّ ذلك تدخلاً للحكومة فى الشأن الرياضى بالمخالفة للميثاق الأوليمبى، وترتبت عليه عقوبات.وتلك إشكالية لم نجد لها حلاً لا نحن ولا اللجنة الأوليمبية الدولية، فالحكومة التى تنفق على الرياضة، ليس من حقها المساءلة على النتائج، لأنه يفترض أن الرياضة نشاط أهلى، وبالتالى يجب أن تنفق على نفسها، وهو ما لا يحدث، لأسباب يطول شرحها، وتقتصر سلطة الحكومة على مراقبة الإنفاق لحماية المال العام، لكن الإشكالية أن الإخفاق فى إحراز ميداليات لا يعد إهداراً للمال العام، لأن الهدف من النشاط الأوليمبى هو المنافسة فى حد ذاتها وليس إحراز النصر، وهو ما جعل رئيس اللجنة الأوليمبية المصرية يعلن بكل جرأة: «لا أحد يستطيع أن يحاسبنا على النتائج»، ومعه كل الحق، أو بالأحرى معه الميثاق الأوليمبى.

وغاية ما نستطيع أن نفعله مع اللجنة الأوليمبية والاتحادات المقصرة، هو العقاب الأدبى، «وشد السلخ» على قيادات الحركة الرياضية فى وسائل الإعلام وهو ما لم يقصر فيه أحد، فقد حصلت قيادات البعثة الأوليمبية على طريحة معتبرة ومستحقة من السلخ والسخرية والبهدلة، بسبب المجاملات التى شابت اختيار المرافقين للبعثة الأوليمببة، وكذلك التوقعات المخيبة للآمال التى سبقت المشاركة وأفادت بإمكانية إحراز 7 ميداليات على الأقل.

السؤال المطروح هو: هل كان بإمكاننا أن نحقق نتائج أفضل ؟ والإجابة بالقطع نعم، كيف ؟ ارجعوا إلى ما سبق وكتبناه وكتبه آخرون على مدى دورات كثيرة سابقة وهو باختصار غياب التخطيط، وانتشار الفهلوة وعدم وجود منظومة متكاملة لصناعة الأبطال الأوليمبيين ورعايتهم صحياً واجتماعياً وطبياً، منذ سن مبكرة.

وفى ظل غياب المنظومة العلمية، وحضور الفهلوة والهمبكة، يصبح حصولنا على ثلاث ميداليات برونزية إنجازاً لا فضل لأحد فيه، ولكن الفضل كل الفضل يرجع للأبطال الثلاثة الذين حفروا فى الصخر، وقاوموا كل الظروف من نقص الرعاية، الصحية والطبية والاجتماعية والفنية، وعدم توفير فرص وبرامج للاحتكاك الخارجى ..،ناهيك عن مشكلة كلية، هى نقص قاعدة الممارسة، واختفاء الملاعب الرياضية فى المدارس الحكومية، فضلاً عن مشكلة سوء التغذية، وانتشار الأنيميا بين أطفال شريحة كبيرة من المجتمع المصرى، ما يجعلهم غير قادرين على ممارسة الرياضة، وبينهم مواهب من الممكن أن يكونوا أبطالاً عالميين.

ورغم هذه المعضلات فإنه يمكننا بشىء من التخطيط السليم، وبأعمال المنهج العلمى فى إعداد الأبطال، ووضع البرامج يمكننا أن ننافس أوليمبياً ونحرز ميداليات ذهبية، فى اللعبات الفردية التى حققنا فيها تفوقاً عالمياً فى ثلاث دورات أوليمبية فى النصف الأول من القرن العشرين، وفى مقدمتها رفع الأثقال والمصارعة، والملاكمة والتايكوندو والجودو. ففى الدورات الثلاث أمستردام 28، وبرلين 36، ولندن 48 أحرزنا 5 ميداليات ذهبية فى رفع الأثقال من الميداليات السبع التى حصلنا عليها على مر التاريخ، والميداليتان المتبقيتان كانتا فى المصارعة.

بقى القول بأن الميداليات البرونزية الثلاث لا تسمن ولا تغنى من جوع، ولا تليق بتاريخنا الأوليمبى ووزن مصر الحضارى، ولا يجوز بل لا يليق بوزير الشباب، قيامه بتبرير الفشل الأوليمبى بالقول: إن ثمة تسعة آلاف رياضى شاركوا فى أوليمبياد ريو ولم يحققواميداليات، إذ لا تجوز المقارنة بالذين فشلوا، كما لا يجوز القول بأن الهند لم تحصل سوى على ميداليتين فضية وبرونزية، رغم تعدادها السكانى 1.4مليار نسمة، فمثل هذا القول مردود عليه بأن «جامايكا» مثلاً والتى لا يزيد تعدادها السكانى على 3 ملايين نسمة، حصلت على 11 ميدالية، منها 6 ذهبيات، وأن دولاً لم تكن موجودة على الخريطة مثل: كينيا وإثيوبيا وبورندى والنيجر سبقت مصر فى قائمة الميداليات، بينما مصر سبقت كل الدول الأفريقية فى المشاركات الأوليمبية وإحراز الميداليات بعشرات السنين.