رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل التهديد بين الدولتين الأعظم


بإيجاز سريع وباستقراء هادئ للأحداث الجارية بمنطقة الشرق الأوسط خاصةً بمنطقتنا العربية،نستطيع القول بأن بوادر الحرب العالمية الثالثة قد لاحت فى الأفق، أو أنها قد بدأت بالفعل..
ولكن بشكل جديد يختلف عن النمط التقليدى للصراعات العسكرية وهو ما أطلق عليه «الجيل الرابع من الحروب»، وبدأ فى منطقتنا بغزو العراق ثم تبلور باجتياح العالم العربى بما سُمّىَ بثورات الربيع وإذا كانت منطقتنا العربية بحكم موقعها الجغرافى وحضارتهاالتاريخية وثرواتها الطبيعية محلاً للصراع عليها بين القوى العالمية منذ قرون بعيدة، فإنها ستظل كذلك إلى أن تقوم الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها،لأن التآمر عليها الآن من بعض القوى الدولية لم يعد من أجل المصالح واستلاب الثروات فحسب، وإنما بدوافع عقائدية تزيد من شراسة وخطورة ذلك التآمر وآليات تنفيذه. كما أن قطبية العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إذا كانت قد انحصرت فى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى، وكان توازن عناصر القوة بينهما كفيلاً بضمان أكبر قدر من الأمن والاستقرار لباقى دول العالم، فإنه ومع حالة التفكك والانهيار التى أصابت الاتحاد السوفييتى فى عقد التسعينيات من القرن الماضى وانتهت بكيان سياسى جديد هو دولة روسيا الاتحادية، فقد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك أعظم انتصار تاريخى لها وأنها أصبحت القطب الأوحد فى العالم وتستطيع أن تفعل ما تريد دون حذر من أى عواقب أو خوف من أى تداعيات، ومن ثَمَّ كان مخططها لمشروع الشرق الأوسط الجديد بهدف تدمير وإعادة تقسيم منطقتنا العربية، ليس لأهداف استعمارية فحسب ولكن بدوافع عقائدية من صنع حاخامات الدولة العبرية، ولكن وكما يُقال لا تأتى الرياح دائماً بما تشتهى السفن، فقد شرعت فى تنفيذ مخططها الآثم بانتهاج منظومتها المسماة بالفوضى الخلاقة بكل أشكالها وبكل آلياتها الإعلامية والإرهابية، ولكن دون أن تفطن لأمرين فى غاية الأهمية الأول هو عبقرية الشعب المصرى وحسه الحضارى الذى يميزه عن سائر الشعوب، فاستطاع بثورته فى 30 يونيه 2013 أن يعرقل تنفيذ ذلك المخطط، وأما الثانى فهو تنامى قوة الدولة الروسية بشكل مذهل واستعادتها لقدر كبير من سابق عهدها، وهو ما يؤهلها للتنافس على السيادة العالمية ويجعلها القطب الثانىفى المعادلة الدولية. من هذا المنظور فإننى أعتقد أن كل الصراعات العسكرية والعمليات الإرهابية التى تشهدها منطقتنا العربية وبعض الدول الأُخرى المرتبطة بها، ما هى إلا تجسيد على الأرض للحرب الحقيقية بين الدولتين الأعظم: الولايات المتحدة الأمريكية التى تسعىلتنفيذ مخططهاالعقائدى الاستعمارى والانفراد بالسيادة العالمية، ودولة روسيا التى تعمل للحفاظ على أمنها القومى واستعادة مكانتها الدولية التى تضمن لها الازدهار والاستقرار. فى هذا المضمار تأتى أهمية بعض المواقف لأى من الدولتين فيما قد تحمله من رسائل مستترة للدولة الأُخرى، مثلما حدث مؤخراً حينما أقلعت يوم الإثنين 15/8/2016 ولأول مرة القاذفات الروسية طراز سوخوى 34 من قاعدة هامدان الإيرانية لضرب معاقل الفصائل الإرهابية بسوريا، وقد ذهب بعض المحللين إلى أن ذلك يُعدُ تطويراً نوعياً للعمليات الروسية فى سوريا أو أنه اختصارٌ للمسافة من القواعد الروسية بما يزيد من حجم الذخائر المحمولة، ولكنى أختلف مع هذه الآراء وأرى أنه تصرفٌ يحمل رداً على تهديد أمريكى سبقه بيوم واحد، حيث أصدر مركز ستيمسون للأبحاث بواشنطن وهو أحد المراكز التى تعمل تحت عباءة المخابرات الأمريكية، تقريراً حذّر فيه من احتمال تسرب عشرات الأسلحة النووية الأمريكية المخزنة بقاعدة أنجرليك بتركيا والتى تبعد 110 كيلومترات عن سوريا وسقوطها فى أيدى الإرهابيين أو القوى المعادية الأخرى بما يهدد المجتمع الدولى. إننى أعتقد أن مثل هذا التقرير فى واقع الأمر يعنى تهديداً نووياً موجهاً لروسيا، وبالتالى كان ردها سريعاً وقوياً، حيث استعرضت فى مسرح العمليات أحدث قاذفاتها بعيدة المدى وآثرت أن يكون إقلاعها من الأراضى الإيرانية للتعبير العملى عن التحالف العسكرى الروسى الإيرانى فى مواجهة التحالف الأمريكى الغربى، وهى أيضاً رسالةٌ تحتم على الدول العربية توحيد رؤيتها ومواقفها بوضوح قبل فوات الأوان. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.