رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أجهزتنا الرقابية.. بين «الدستور».. وواقعنا المرير


...تعجبت عندما علمت أن عدد الأجهزة الرقابية عندنا تعدى الـ 36 جهازاً ..أهمها الجهاز المركزى للمحاسبات..والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة..وهيئة الرقابة الإدارية..والنيابة الإدارية..والإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة بالداخلية..عليه!!...

... وإدارتا الكسب غير المشروع وغسل الأموال بالعدل..والنيابة العامة ونيابة الأموال العامة و......وبسؤالى لبعض المختصين تأكدت أن جميعها تتبع السلطة التنفيذية..الأمر الذى يؤثر بشكل أو بآخر على استقلاليتها..ليه؟؟..لأن السلطة التنفيذية فى هذه الحالة ستلعب دور المراقب والمراقب فمثلاً.. المادة «217» من الفرع الثانى..والخاص بالهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية تنص على «تقدم الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، تقارير سنوية إلى كل من رئيس الجمهورية..ومجلس النواب..ورئيس مجلس الوزراء فور صدورها»..مش كده وبس لأ..وكمان «على مجلس النواب أن ينظرها..ويتخذ الإجراء المناسب حيالها فى مدة لا تجاوز أربعة أشهر من تاريخ ورودها إليه»..كلام عظيم جداً..وإيه كمان..و«تنشر هذه التقارير على الرأى العام»..ثم «تبلغ الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، سلطات التحقيق المختصة بما تكتشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات، أو جرائم، وعليها أن تتخذ اللازم حيال تلك التقارير خلال مدة محددة، وذلك كله وفقًا لأحكام القانون».

مما سبق يحق لى كمواطن وافق على هذا الدستور أن أسأل: قضيتا فساد القمح والإسكان اللتان تتبناهما حاليا لجنتا تقصى الحقائق بمجلس النواب والمثارتان حالياً فى وسائل الإعلام..وكما يقول المثل «على عينك يا تاجر»: مَنْ الأولى بكشفهما.. «النواب» أم الـ 36 جهازاً رقابياً ؟!..وبما أن «النواب» قد فعلها و«فضح» الوزارتان على رءوس الأشهاد..فما دور هذه الأجهزة بعد عرض القضيتين على رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وأيضاً الرأى العام ؟!..خصوصاً بعدما كشفت لجنة فساد القمح أن لديها150 ألف مستند ضد شخصيات عامة ومسئولين بالزراعة والتموين..فيما قدرت لجنة الإسكان حجم الفساد فى ثلاث مناطق فقط بـ 36 مليار جنيه !!.

أسئلة مهمة يجب الرد عليها إعمالاً بنص الدستور ..يضاف إلى ما سبق سؤال آخر: إذا كانت وزارتا التموين والإسكان قد وصلتا من الفساد إلى حد «القرف»..فما بالنا بما يجرى فى الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى؟!..هنا -على سبيل المثال لا الحصر-أرجو منكعزيزى المسئول فى وزارتى الداخلية والنقل أن تتنازل عن كبريائك وفخامتك و«تيجى» على نفسك «شويتين» وتزور بعض الأماكن العامة مثل موقف عبود بالقاهرة..وبعد هذه الزيارة..حدثنا سيادتك عن سلوك السائقين مع الركاب..وعن علاقة السائقين وبلطجية المكان بالركاب..وعن «سبوبة» الكارتة بين رجل الشرطة والسائقين على حساب الركاب فى أوقات بعينها!!.

أيضاً فى هذا المكان كما غيره من الأماكن العامة..تنتشر المطاعم المملوءة بكل أصناف الأطعمة المكشوفة للذباب والبعوض و....الناقل لأخطر الأمراض..وهنا نسأل: أين مفتشى الصحة ومباحث التموين و....لا أحد يعرف؟!..فى وزارة التموين ساقنى حظى العاثر لحل مشكلة واجهتنى فى بطاقة صرف المواد التموينية لأسرتى..وجدت مئات الأرامل والثكالى وربات البيوت اللاتى تشتكين من نفس المشكلة وسوء معاملة مكاتب التموين..تسمع منهن روايات «تقطع» القلب الحزين بسبب حرمانهن من الدعم الذى خصصته لهن الدولة..والذى يستولى عليه يومياً فئة معينة من اللصوص فى هذه الوزارة وخارجها دون رحمة أو شفقة..ونسأل:أين الأجهزة الرقابية من هذه المآسى؟!..لا أحد يعرف.

وأرجو من مسئول الصحة أن يتعطف علينا ويزور عدداً من المستشفيات العامة..وبعدها يقول لنا ماذا رأى..لقد رأيت بعينى والله العظيم..مرضى لا يملكون ثمن الكشف الخارجى أو أبسط أنواع العلاج..تضطرهم الظروف «المهببة» إلى الذهاب لهذه المستشفيات..وخد عندك..ساعات من الانتظار والمعاملة غير الآدمية ودورات مياه تشبه «زرايب» المواشى..وأطباء لا يذهبون إلا يوماً واحداً فى الأسبوع..و«حلنى» بقى لما يتعطف معالى الطبيب بسلامته ويكشف عليك..لحظتها «يحسسك» بأنه قدم لك خدمة ما كان يجب أن يقوم بها..وهنا تجد نفسك مجبراً على المبالغة المصطنعة لشكره..ونسأل :أين الأجهزة الرقابية من هذا العبث..؟! لا أحد يعرف؟!.

إلى مسئولى وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى..كيف تعاملتم مع بدعة الدروس الخصوصية التى غزت بيوتنا وانتشلت الكثير من جيوبنا لصالح فئة معدومة الإنسانية والضمير ولا تراعى الله فى عملها؟..ولماذا تقاعست الأجهزة الرقابية وتركت هذه الظاهرة تستفحل وتستعصى على الحل ..لا أحد يعرف..أموالنا فى الصناديق الخاصة والتى اقتربت من الـ 2 تريليون جنيه –بحسب تأكيد الخبراء-الذين أكدوا أنها تزيد على حجم الودائع فى الجهاز المصرفى بالكامل..كما لفتوا إلى أن تلك الأموال يمكن أن تحل مشاكل مصر خلال 24ساعة بما فيها عجز الموازنة..والسؤال:أين الأجهزة الرقابية من هذا الملف؟!..لا أحد يعرف.

فى أسواق الفواكه والخضار والأسماك واللحوم البيضاء والحمراء..جرب كده يا مسئول التموين أو الداخلية أو البيئة مرة تنزل فى أى منها..وبعدها اسأل نفسك عن أسعار هذه السلع مقارنة بدخلك «الرسمى»..الكلام ده على اعتبار أنك عزيزى المسئول تنتمى لنفس شريحتى..ثم صف لنا معاملة هؤلاء التجار معك أولاً ومع المواطن العادى ثانياً..سرقة وغش وأحياناً قلة أدب و...وهنا نسأل:أين الرقابة على هذه الأسواق؟!..لا أحد يعرف..أما فى وزارة التنمية المحلية..فالحديث يطول ويطول ولا حرج..وحتى أختصر عليك الطريق عزيزى القارئ..أنصحك بمشاهدة حلقة تليفزيونية على قناة «دريم» بين محافظ الإسكندرية محمد عبد الظاهر والوزير أحمد زكى بدر حتى تكتشف بنفسك كيف تُدار هذه «العزبة» من قبل «هواة»!!.

ملف الأدوية المغشوشة المثار حالياً فى وسائل الإعلام بين نقابة الصيادلة ووزارة الصحة..كيف تعاملت معه الأجهزة الرقابية بعد أن أزكم أنوفنا وأضر بصحتنا؟!..لا أحد يعرف.. نادينا مراراً وتكراراً بضرورة فتح ملف الآثار لمعرفة حجم الفساد الذى «يعشش» فى هذه الوزارة بجميع قطاعاتها..خصوصاً تلك الآثار الموجودة فى المخازن والمتاحف والمعارض الخارجية لمعرفة الأصلى منها من المقلد..وكذلك حصر البعثات الأجنبية التى تنقب عن الآثار داخل بلادنا ومعرفة أعضائها ونشاطاتهم وتاريخهم ومؤلفاتهم..لكن لا أحد يسأل!!..ملف المعونات والمنح الخارجية بوزارة التعاون الدولى..هل تستطيع أجهزتنا الرقابية أن تكشف لنا عن مصير 250 مليار دولار دخلت مصر منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» وحتى 25 يناير 2022؟!.

ملفات الفساد إذن –لمن يريد أن يسترد حقوق الشعب من اللصوص-لا تحصى ولا تعد..فهل من سبب وجيه يجعل أجهزتنا الرقابية لا تقترب منها ؟!..نريد فقط العلم بالشىء ليس إلا..كما نريد أيضاً معرفة من هم موظفو هذه الأجهزة ومؤهلاتهم وكيف تم تعيينهم ومرتباتهموإنجاز كل منهم فى محاربة الفساد منذ أن تولى مهام عمله وللآن ؟..فمنذ 25 يناير 2011ولوقت قريب..تابعنا جميعاً عدداً كبيراً جداً من قضايا فساد بعينها ممهورة بالأدلة الدامغة ضد أبطالها..ثم فوجئنا بأنهم حصلوا على البراءة كنتيجة طبيعية لخطأ الإجراءات القانونية وغير القانونية ضدهم..لذا أعتقد أننا وصلنا إلى نهاية النفق المظلم فى مواجهة هذا الملف الأسود.

وبذلك نكون قد خالفنا العمل بدستور 2013 الذى وافقنا عليه فى المادة 218منه.. والتى تنص على أن «تلتزم الدولة بمكافحة الفساد»..وليس هذا فحسب..بل و«يحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك»..كما تؤكد ذات المادة أن «تلتزم الهيئات والأجهزةالرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد»..طبعاً هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع..وتشدد على «تعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضمانًا لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام»..كلام جميل جداً..لكن هل تم تنفيذه بالشكل المأمول حتى الآن؟!..وتطالب المادة بـ«وضع ومتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون»..كسبنا صلاة الحبيب محمد (ص)..بس خلاااااص..على رأى ملاكى الصغير.